فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مسائل حاسمة في العلاقة بين الدولة والنصرة - 2

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،

      "وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًۭا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءًۭ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَ‌ٰنًۭا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَ‌ ٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"آل عمران 103.

      "قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّـٰتٌۭ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًۭا ۚ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا۟ عَنْهُ ۚ ذَ‌ ٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ"المائدة 119.

      "يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ"التوبة 33.

      "وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْو‌ ٰنًا عَلَىٰ سُرُرٍۢ مُّتَقَـٰبِلِينَ"الحجر47.

      "حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنۢ بَعْدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ"آل عمران 152.

      اللهم اجعلنا مع الصادقين، ومع الذين تنزع من قلوبهم الغلّ فيكونوا في سرر متقابلين في جنة النعيم.

      للعقلاء فقط .. أكتب

      ثانياً: نقاط الاشتباك السياسي[1]

      أما من ناحية السياسة، وأقصد السياسة الشرعية، فإن هناك نقاط اشتباكٍ بين النصرة والدولة تحتاج إلى إيضاح وتمييز، أتناول أهمها وأكثرها تأثيراً في الموقف الحاليّ.

      مسألة البيعات:

      أعرف مسبقاً أن الحديث في هذاالأمر سيجرّ عليّ ويلات أهل تويتر، بل ولعنات وتكفير وتخوين من كلا الفريقين، لكن والله ما أبالى بهذا مثقال ذرة، إلا أن ينكشف الحق وترتفع الغمة. وكلا الطرفين مُحتاج إلى عين مراقبة محايدة، ترصد بلا تعصب، لترى الفجوات في مسار الأحداث ومنطقها، وتخلخل سلسلة أسبابها، من ثم مسبَّبَاتها. فليغضب من يغضب، وليرضى من يرضى، وقد صدق من قال

      فليتك تحلو والحياة ذميمة            وليتك ترضى والأنام غضابُ

      وليت الذي بيني وبينك عامـرٌ        وبيني وبين العالميـــن خرابُ

      إذا صحّ منك الودُّ فالكلُ باطلٌ         وكلّ ما فوق التــــراب ترابُ

      نبدأ بتقرير أنّ أمر البيعة واحترامها واجب شرعي لازم، وردت به الأحاديث، وأكدته السنة، إلا فيما ليس فيه طاعة ظاهرة لله، كأن يأمر أحدٌ أحداً من جنوده بقتل مسلمٍ أو من شك في إسلامه، فلا طاعة هناك، إلا إن كان من طائفة باغية تحدد بغيها بإجماع أهل الحل والعقد، وبدأته بقتال، وتفاصيلها في كتب الفقه وأبواب الردة.

      ثم إنه يجب أن نذكّر أن كل تلك البيعات هي بيعات إمارة لا بيعات عامة للإمامة العظمى أو الخلافة، فهذا أمرٌ لا يزال بعيداً عن المنال، كيف ونحن لا نزال نحاول التوفيق بين فريقين متقاتلين! ولكن هي، في آخر الأمر، الوسيلة التي يجب أن يتخذها المسلمون للوصول إلى تحقيق مقصد الشارع.

      ثم ننتقل إلى صلب الموضوع. فنقول إنّ هناك بيعة ثابتة بيقين، وهناك بيعة غير يقينية لم يُحسم أمر وقوعها.

      (1)

      فالبيعة الثابتة بيقين هي بيعة الشيخ الجولاني للشيخ البغدادي. هذه لا مراء فيها.

      قد يقول أنصار جبهة النصرة:

      • إنها كانت ملزمة في العراق فقط، وهذا غير صحيح ولا يتمشى مع سنن البيعة. ومن المعلوم أنها كانت بيعة تشمل الشام أعطي الشيخ البغدادي حفظه الله الشيخ الجولاني حفظه الله بها مالاً ورجالا وعتاداً للتوجه إلى الشام، فكيف يبايع للشيخ البغداديّ أمير متوجه إلى الشام دون أن تشمل البيعة الشام؟
      • كيف يمكن أن تقام دولة في الشام دون استشارة أهلها؟ وهذا يمكن أن يختلف فيه النظر، فمما لا شك فيه أنّ مشاورة أهل المحلة مطلوبة لمنع حدوث ما حدث بالفعل، لكنه ليس واجباً، إذ إنّ توجه الشيخ الجولانيّ أصلاً للقتال بالشام، بدعم دولة العراق مالاً وعتاداً، وبيعته للدولة في العراق للقتال في الشام، اعتراف ضمنيّ بالتمدد، لا ينكره عاقل.
      • قول بأن أهل الشام أحق بولايتها، هذا قول مرفوض شرعاً، إذ هو من بقايا عقلية سايكس بيكو، وبه قومية جاهلية، ولم يجر عليه فعل الصحابة ولا التابعين ولا خلفاء المسلمين على وجه الإطلاق.
      • إن الشيخ البغداديّ لم يستشر الشيخ الجولانيّ قبل التمدد، وهذا، مرة أخرى، كان من المستحسن والأفضل، بصفته قائماً على أمر القتال في الشام، لكنه ليس واجباً وليس فيه معصية توجب نقض البيعة. ونشعر أن الشيخ البغدادي وصلت له أمور جعلته يسرع في ذلك التمدد والله وأعلم.
      • إنّ الشيخ البغدادي قد سمح لجبهة النصرة أن تتصل مباشرة بقاعدة خراسان. لكن السؤال، هل سمح لها أن تخلع يداً من طاعة للدولة، فتبايع خراسان من جديد، دون مشاورتها وأخذ موافقتها. ولا أظن عاقلاً يقول إن الدولة سمحت للنصرة بهذه البيعة الجديدة، وإلا ففيم الاقتتال إذن؟
      • إنكار الجبهة التعاون مع معروف وأمثاله، لكن علي ذلك شواهد كثيرة عُرضت، لا محل لتتبعها هنا حتى لا نخرج عن الغرض. لكنّ هذا أمرٌ لا يُحلّ بحالٍ من الأحوال قتال مسلمٍ، وله صور في قتال الكفار.

      المطلوب: تقوى الله في موضوع البيعة، والرجوع إلى الحق فيها، وتفسير هذا التعاون بشكلٍ شرعي صحيح، والرجوع عما هو إثمٌ فيه

      (2)

      ثم أمر بيعة الشيخ البغدادي للشيخ الظواهري حفظه الله، فهي بيعة لم تثبت بيقين، لا صفتها ولا حقيقتها، لكن قرائن عديدة قد تميل بالكفة إلى وقوعها حقيقة، ولن تظهر بيقين إلا إن أكدها الشيخ الظواهري بنفسه وصوته، أو أنكرها الشيخ البغدادي بنفسه وصوته. فندعوهما لذلك. وسنبني هنا على أنها قد وقعت بالفعل لإحتفاء القرائن حولها، لكن لا نبنى على يقين منها.

      فإن كانت هذه البيعة قد وقعت، فإنه لا شك في التالي إذن، وهو أنّ الشيخ البغدادي قد وقع في نفس ما وقع فيه الشيخ الجولانيّ، لكن بعده زمنياً.

      قد يقول أنصار الدولة:

      • إنّ العشائر والتجمعات التي بايعت الدولة في العراق، ولم تبايع القاعدة، بل بايعت الدولة مباشرة، وهذا لا دليل فيه على النقطة المطروحة إذ يمكن أن تبايع كافة التجمعات في العراق الدولة، نيابة عن بيعة القاعدة في خراسان.
      • إنّ تنظيم القاعدة في العراق قد حلّه الشيخ الظواهريّ وأعلن ضمّه للدولة، وهذا لا يدل على عدم وجود البيعة كذلك، إذ قد يكون اندماجاً لا استقلالاً.
      • إن الشيخ الظواهري أعطى للدولة حرية العمل المطلقة، مع المشاورة في أحد بياناته، وأشاد بها في كافة بياناته. وهذا كذلك لا يثبت عدم وقوع بيعة، فإن موضوع البيعة، أصلاً، الأصل فيه السرية والتكتم، وقد يكون ذلك لمنع الضغط على الدولة من انتمائها لأكبر تنظيم "إرهابيّ" في العالم.
      • إن التحكيم بين الدولة والنصرة، والذي قام به الشيخ الظواهري حفظه الله، يثبت عدم مبايعة الدولة له. وهذا لا يثبت شيئا من حيث أنّه يمكن لمتخاصمين أن يرجعا لأميرهما معاً للتحكيم بينهما.
      • أنّ تمدد الدولة الإسلامية لا انحسارها هو شرع الله، وهو صحيح لا ريب فيه، لكن الأمر أمر توقيت لمنع الانشقاق، ومراعاة جلب المصالح ودفع المضار. لا تقييد الأصل، ولكن توقيته.

      إذن، فإن كافة هذه التبريرات لا تثبت، ثبوتاً يقينياً، عدم وجود بيعة للشيخ الظواهري لازمة في عنق الشيخ البغدادي. ولا معوّل على كافة ما يقوله الأنصار على صفحات التواصل الإجتماعي، فهي ليس بذات صفة إثبات أو نفي. ومن ثم، فإنه، في هذه الحالة إن ثبتت بيقين، يصعب القول أنّ الشيخ البغدادي لم يقع في نفس ما وقع فيه الشيخ الجولانيّ من قبله.

      أمرٌ آخر لم يتضح يقيناً، وإن كانت القرائن عليه قوية جداً، وهو أنّ الشيخ البغداديّ رضي بتحكيم الشيخ الظواهري بينه وبين الشيخ الجولانيّ، ثم لمّا أتى جواب الشيخ الظواهري على غير ما أرادت الدولة، لم يأخذ به، والرضا بهذا التحكيم قد ثبت من عدة جهاتٍ، منها من هم من الدولة. فلماذا رجع الشيخ البغدادي عن نتيجة التحكيم؟ وهي نقطة تردّد فيها الكثير من الأقوال لنفيها أو تبريرها، ولكنها كلها لم تسلم من تجريح معتبر.

      وقد وردت شهادات لا يمكن إغفالها، لفضل أصحابها، ومنهم من عرفت وعاشرت معاشرة طويلة، وهم أهل للتعديل عندى. وهذه الشهادات تضع ثقلاً على كاهل الدولة، يجب عليها تبريره. ولا يكفي الرمي بالتهمة أو الكذب أو غير ذلك لدحض هذه الشهادات.

      ونعرف ما يقول البعض من إنه لا يجب أن تقوم الدولة بتبرير كلّ أمر وهذا القبيل من الكلام، وهذا ليس بكلام شرعيّ ولا عقليّ ولا واقعيّ، فلا داعٍ لدحضه.

      المطلوب: نريد مسؤولا متحدثاً عن الدولة يصرّح بلا مواربة أن للشيخ البغدادي بيعة للشيخ الظواهري أم لا!

      (3)

      موقف القاعدة ود. أيمن الظواهريّ حفظه الله من الخلاف

      وهذا أمرٌ آخر يجب إلقاء الضوء عليه، والاستفسار عن أسبابه ودوافعه. ونحن هنا نثبت أنّ الشيخ الظواهريّ حفظه الله ممن أثبتوا فوق أي مجالٍ للشك تفاني في خدمه هذا الدين، وفهم مقاصده والتضحية من أجل رفعته على مدى أربعين عاماً ولا نزكي على الله أحدا. ثم نرى سفهاء أحلام، أحداث أسنان، رويبضات تويتر وفيس بوك، لا يقام لهم وزن حين يوزن الرجال بميزان العلم والعمل، يقدحون في الشيخ، وفي إخلاصه وعلمه، بل وجهاده. قبّحهم الله من مخلوقات شوهاء لا فائدة منها إلا شغل حيز في فراغ هذه الدنيا.

      والشيخ الظواهري، مع ذلك بشرٌ يصيب ويخطئ، فما علينا إن أشرنا إلى ما نراه صائباً من وجهة نظرنا، أو ما نراه غير صائب، دون قدحٍ في الأصل. ولا عيب على من نقد له قولاً أو فعلاً مع حفظ الأدب أولاً، وحفظ المقام ثانياً، والصدور عن علم لا هوى مما يسمونه "الرأي"، ولا ضرب في عماية أو حطب بليلٍ.

      وموقف الشيخ الجليل، من هذه القضية كان، ولا يزال محطّ أسئلة تشغلني، لم أجد لها جواباً، ألخصها فيما يأتي:

      • لماذا لم يكشف الشيخ الظواهريّ عن بيعة البغدادي له بشكلٍ واضح صريحٍ، بعد هذا الصراع الذي بدأ بين إخوة المنهج، رغم ان ذلك كان سيؤدى إلى حسم آراء الكثير من المجاهدين. إلا إن قيل في الاعتذار عن ذلك أن هذا أمرٌ يجب أن يحاط بالكتمان، وهو مردود عليه بأن بيعة الشيخ الجولاني لم تحط بكتمان!
      • لماذا قبل الشيخ الظواهريّ بيعة الشيخ الجولاني، مع علمه بأنّ للأخير بيعة ثابتة يقينية للدولة؟ وقد يقال إنه قبلها حقناً للدماء من أميرٍ تحت أميره، وهو مقبول شرعاً، لكن هذا فيه ما فيه، لأنه كان سبباً في العكس، من إراقة الدماء، وشقّ الصف.
      • لماذا يسكت الشيخ الظواهري حتى اليوم عما يحدث في الكواليس الخلفية للقاعدة، وهو يرى صدعاً بدأ في الاتساع بين صفوفها، حيث بدأت بعض مراكز القاعدة في اليمن والمغرب وغيرهما في إعلان نصرتهم للدولة، وهو ما يخالف ما أعلنه الشيخ الظواهري في حكمه برجوع الدولة إلى العراق؟

      هذه النقاط تحتاج إلى إجابة حاسمة ومؤكدة وسريعة من الشيخ الجليل، حفظه الله، ليحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.

      هذه أمور تحتاج إلى كشفٍ وتدقيقٍ وإجابة واضحة صريحة. ومفتاح الموقف، في رأينا، يكمن في أربعة أمورٍ حاسمة وقعت متتالية، وأدت إلى ما نحن فيه اليوم من صراع بغيض:

      • شق الشيخ الجولاني عصا الطاعة ورجوعه عن البيعة للدولة ورفضه تمددها للشام.
      • رفض الدولة نتيجة تحكيم الشيخ الظواهريّ بعد قبول التحكيم.
      • قبول الشيخ الظواهري حفظه الله بيعة الشيخ الجولاني.
      • سكوت الشيخ الظواهري على أمر البيعة وما يحدث اليوم من خلاف، بين إخوة الشام، ومواقف القاعدة في أرجاء العالم الإسلاميّ.

      ولا أدرى نسبة الهوى وحب الرئاسة في كل تلك الأمور التي ذكرنا في البندين 1 و 2، ومن أصابته، وبأي قدرٍ. لكن لا نستطيع جزماً أن نخليها من هذا العامل، إذ نحن نتعامل مع بشرٍ ممن خلق. وليسوا أفضل والله ممن قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال الله تعالى فيهم "حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنۢ بَعْدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ۚ"آل عمران 149. فقرن سبحانه بين التنازع والفشل وحب الدنيا. فليخفف الوطء من أطلق "الفاتح" على الشيخ الجولانيّ، وليرجع إلى وعيه من قال إن الشيخ البغدادي سيصلى بعيسى بن مريم! هذه والله دلائل هزيمة لا نصر وعلامات حسورٍ لا تقدم. وما من فشل إلا سبقه غلو، خذوها عنى.

      من هذا النظر والتحليل، يرى القارئ المنصف أنّ المسألة لها أوجه إشكاليات متعددة، لا يرى كلّ طرف إلا ما هو في مصلحته، وما يدعم موقفه. ولهذا قلنا إننا لا نتعصب لأحدٍ، بل نكشف محاور الخلاف، ونقاط الاشتباك بإنصاف وحيدة، مع أننا نرى حقاً لفريق أكثر من عيره، ولسنا في حلٍ من الحديث في ذلك، فهو أمرٌ شخصي لا معوّل عليه في حكم.

      ولذا أدعو كلّ فريق، قادة وأمراء ومجاهدين وأتباع، أن يتمعنوا فيما دونت هنا، وألا يتسرعوا في اتخاذ جانباً والتغاضى عن جانبٍ آخر، وأذكرهم مرة أخرى بما دونت في عام 1983، في كتابي "مقدمة في اختلاف المسلمين وتفرقهم"، قلت:

      "والتعصب عند الإطلاق ظاهرة ذميمة لاتؤدي إلا إلى التفرق والتعادي، وهو من خصال أهل الكتاب التي تكون في هذه الأمة  قال تعالى "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا۟ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقًۭا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"البقرة 91. فوصف اليهود بأنهم كانوا یعرفون الحق قبل ظهور النبي فلما جاءهم من غير طائفة یهوونها لم ینقادوا له ، وهذا یبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة في العلم أو الدین أو إلى رئيس معظم عندهم ، فأنهم لایقبلون من الدین – لافقها ولاروایة – إلا ماجاءت به طائفتهم.

      ویقابل التعصب الثبات على الحق والتمسك به، وقد یتقارب المعنيان فلا یتميزا إلا في نظرالمدقق الفاحص، وقد یخلط بينهما، فنرى البعض یمدحون التعصب على أنه دلالة قوة إیمان ورسوخ عقيدة، بينما نرى البعض الآخر یذمون المتمسك بالحق الثابت عليه ویرمونه بالجمود والتعصب، والحق أن البون شاسع بين المعنين في المنشأ والطریق والثمرة .

      فمنشأ التعصب ضعف في النفس وجهل في العقل، بينما التمسك بالحق ینشأ من القناعة بالرأي ووضوح الدليل .

      وطریق المتعصب هو الصد عن معرفة دليل المخالف أوالإستماع إليه أو اعتباره في النظر بأي وجه من الإعتبار .

      بينما طریق المتمسك بالحق المناقشة الحرة والإستماع إلى دليل المخالف برحابة صدر واتساع أفق، والرد المشفق الذي یرجو هدى المخالف ولاینتظر سقطته .

      وثمرة التعصب الإختلاف والفرقة والتباغض، وثمرة التمسك بالحق اجتماع المؤالفين عليه واتحادهم ومراجعة المخالفين لمنهاجهم، ثم نور في القلب یُضيء لصاحبه الطریق ویهدیه الصراط المستقيم"[2].

      يتبع إن شاء الله تعالى، وفيه الحديث عن خطوات الصلح ومساره وآثاره.

      د طارق عبد الحليم

      24 جمادى الأولى 1435 – 25 مارس 2014

      4:15pm الأربعاء


      [1]  أوصر بقرءة المقال مع مراجعة الجزء الأول منه، وكلّ ما دوّنا بالشأن الشاميّ في هذا االرابط http://www.tariqabdelhaleem.net/new/ArticalList-131

      [2]  "مقدمة في اختلاف المسلمين وتفرقهم" ص32، http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-4