فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مسائل حاسمة في العلاقة بين الدولة والنصرة - 1

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،

      "وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًۭا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءًۭ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَ‌ ٰنًۭا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَ‌ ٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"آل عمران 103.

      "قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّـٰتٌۭ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًۭا ۚ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا۟ عَنْهُ ۚ ذَ‌ ٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ"المائدة 119.

      "يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ"التوبة 33.

      "وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَ‌ ٰنًا عَلَىٰ سُرُرٍۢ مُّتَقَـٰبِلِينَ"الحجر47.

      اللهم اجعلنا مع الصادقين، ومع الذين تنزع من قلوبهم الغلّ فيكونوا في سرر متقابلين في جنة النعيم.

      موضوع آخر، في غاية الحساسية، أتقدم به إلى القادة والمجاهدين وعقلاء أنصارهم في شامنا الحبيب. وهو يتعلق بمخطط يرسم نقاط الاشتباك العقديّ والسياسي بين الجهتين، ومن ثم، يرسم منهجية لأي تقارب أو تفاوض أو تصالح بينهما في المستقبل القريب إن شاء الله.

      وأنبه إلى أن المقصود بهذا المقال هو رفع الخلاف، لا تعميقه، فلا ينحرفنّ به أحدّ عن مقصده، بإثارة نعراتٍ أو الدخول في فرعيات، لا تؤدى إلا إلى توسيع الرقعة على الراقع.

      نقاط الاشتباك، كما ذكرنا، عقدية وسياسية. وأقدم بين يدي المقال بأمرين هامين يتعلقان بهذا الخصوص.

      الاشتباكات العقدية، عادة على مستويين، خلافٌ في أصل المسألة، وخلافٌ في مناطها ومن ثم تطبيقها. ومثال على ذلك أنّ كلّ مسلمٍ، بلا استثناء، يؤمن بأن مرتكب الشرك الأكبر كافرٌ. لكن يأتي الخلاف في مناطات هذا الأصل، وهو عل هناك مانعٌ من تكفير هذا المعينّ بالذات، أو تكفير من ثبت في حقه عارض من العوارض، وإلى أي درجة يتعلق هذا المانع بمنع تكفيره، وهكذا. فهنا يتحد الأصل، ثم تتفرق صور التطبيق. ومن الظلم البيّن والجهل المردى أن نسوّى بين المستويين من الخلاف. والعالِم من حرّر محل النزاع، ثم تعامل مع خصمه في نطاق هذا التحرير. من هذا الباب ترى الكثير من رويبضات العصر، وما أكثرهم في جيوش النت، يقعون في التكفير، كما يقع الفراش في الضوء المُلتهب، وتراهم يحسبونه ماء، وهو سراب بقيعة، لا أكثر.

      كما أن الخلافات السياسية تقع عامة في التنظير أو خاصة في النفس الانسانية. أما التنظير، فهي عادة تابعة للإشكالات العقدية التي ذكرنا، وتقع تحت مسمى "السياسة الشرعية"، ومنها صحة التعامل مع خصوم بناء على عقيدتهم، أو مدى اليسر في تطبيق حكمٍ شرعيّ معين في ظرفٍ معين. أما في خاصة النفس الإنسانية، فهي تتعلق بالهوى، وحب الرئاسة والتعلق بالدنيا، وسائر ما حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي آخر ما يخرج من قلب العبد من أغراض الدنيا.

      فهذا الذي ندوّن هنا مقدمة لرسم خطوات أي صلح لعله يكون مجدياً في الآتي القريب، كما سنضع تفاصيله بعد إن شاء الله. وسيقع هذا المقال في ثلاثة أجزاء:

      أولاً: نقاط الاشتباك العقديّ

      ثانياً: نقاط الاشتباك السياسي

      ثالثاً: أجندة التقارب وخطتها الزمنية والعملية

      وبالله التوفيق.

      أولاً: نقاط الاشتباك العقديّ

      ولا نرى أي خلاف في أصول العقيدة بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. فكلاهما نلتزم بالكتاب والسنة الصحيحة، وكلاهما ملتزمٌ بإجراء حكم الله وتشريعه، والإعراض عن القوانين الوضعية، وعدم موالاة المشركين "المتفق على شركهم"، ونبذ الديموقراطية، وعدم صرف حقّ الطاعة في التشريع وفي توجيه الشعائر لغير الله. هذا أمرٌ متفق عليه في الأصول.

      أما في المناطات، فالأمر يختلف، لكن نسارع بالقول أن خلاف المناطات لا يقع به تكفير إلا عند أهل البدعة من أشباه الخوارج، أو عند الجهلة الرويبضات. أمّا غالب أهل العلم من أهل السنة، فهو عندهم من الخلاف الراجح أو المرجوح، حسب الحالة، وقد يكون من أخطأ فيه له ثواب المجتهد إن حمل الآله، أو له إثمٌ وتنطع أن كان ليس بمجتهدٍ، كما يقع من رويبضات شبكات التواصل الاجتماعي، وقد يكون بدعة، لكنه لا يكون كفراً إلا في حالة مطابقة المناط للأصل المتفق عليه، ففي هذه الحالة، يقع الكفربسبب  الخلاف في الأصل لا في المناط.

      (1)

      النقطة الرئيسة في الاشتباك، أو الاشتباه العقدي إن شئت، تقع في مسألة الاستعانة أو التعاون مع جهات "مرتدة" ضد مسلمين، أو ضد النصيرية. وقد فصّلت في هذه المسألة في مقالي السابق، أنقلها بتمامها هنا، إذ الظاهر أن القليل النادر يقرأ بتمعن، ففي الإعادة إفادة.

      قلت " المسألة الثانية: هل قتال طائفة من مسلمين لمسلمين آخرين، بالتعاون مع مرتدين، كفرٌ؟

      لا شكّ أنّ التعاون بين طائفة مسلمة وأخرى مرتدة، لقتال طائفة مسلمة أخرى، عملٌ باطلٌ وحرامٌ شرعاً. ومن الحرام ما هو كفرٌ ومنه ما هو دون ذلك. والنظر في هذا ينقسم إلى نقاط عدة:

      • هل ثبتت ردّة تلك الجماعة، التي قيل أن المسلمين تعاونوا معها، بيقين أم لا؟

      وهذا أمرٌ جللٌ يجب ألا يتصدى له إلا العلماء بحق، إذ يترتب عليه استباحة أموال وأعراض وأموال، لا يجب استحلالها إلا بالحق. وتحديد اسلام طائفة من عدمه، يتوقف على أمرين، عقيدتها المعلنة، وتصرفاتها على الأرض.

      •  
        • فإن كانت عقيدتها المُعلنة هي الرضا بتحكيم الشرع، ورفض الكفريات الظاهرة والبدع المكفرة كلها، فهي مسلمة، سواء كانت باغية أو غير باغية، مرتكبة لمحرمات أم لا.
        • ومفهوم المخالفة هنا لا يعمل، بمعنى أنه لو قالت: نرضى بحكم الإسلام ونسعى له بطريق ديموقراطيّ، فهنا تقع الشبهة التي يجب التحرى عنها، وعن مقصودها، فإن كان ذلك منها إيماناً بمبادئ الديموقراطية التي هي رفض حكم الله للشعب، وقبول حكم الشعب للشعب، فهذه ردة بيقين. وإن كانت ممن يقول هي وسيلة إلى حكم الله الذى هو الغاية، لا غيره، فهي طائفة بدعية، ثمّ يبين لها أن حكم الوسائل هو حكم المقاصد، وأن من اخترع الديموقراطية قصد بها حكم الشعب للشعب، فتحريف المُصطلح عن أصله فيه تشابه وتشويش وتعمية. ثم يّنظر في تصرفاتها التفصيلية، إذ وقوعها في شركيات تشريعية غالبٌ في معظم الأحيان، ويعامل كلّ تصرف بقدره.
        • وإن شاب عقيدتها المُعلنة شرك واضح جليّ كأن ذكرت أنها لا تتحاكم إلى الشرع، بل إلى القوانين الوضعية وتتبنى العلمانية، فهذا نقض لعقيدة الإسلام، وردة صريحة بيقين.
      • وهل حكم الردة ينسحب على كافة أفرادها أم لا؟

      ثم ياتي هنا وقوع الحكم على المعيّن، فكما ذكرنا، المعيّن لا ينسحب عليه حكم الجماعة تلقائياً، إلا عند بعض الغلاة. لكن يجب استصحاب أصل الاسلام عليه، إلا إن كان كافراً أصلياً، ثم تقام عليه الحجة الرسالية، ويبيّن له الأمر بتفصيله، فإن استمر على عقيدة الكفر، كفر بذلك، وإن لم يفهم الحجة، فإن إقامة الحجة هي الواجب لا إفهامها، وإلا لم يكفر أحد على وجه البسيطة. وإن ظلّ على فهم البدعة ظلّ مبتدعاً، ويعامل على هذا الأساس.

      • هل يعتبر هذا التعاون بين المسلمين ولاءً مكفراً، أم له صور متعددة؟

      ثم نأتي لقضية التعاون، فنقول:

      •  
        • القتال بين طوائف المسلمين حرامٌ ابتداءً ويجب وقفه وعدم تبريره وتمريره.
        • إن تعاونت طائفة مسلمة مع طائفة مرتدة بيقين، فهذا حرام شرعاً، بل يكون ولاءً في بعض صوره:
      1.  i.      فإن كان لقتال إخوة في العقيدة، سواءً طائفة سنية أو فيها بدعة غير مكفرة، فإن كان لدحر بغي رأوه واقع عليهم، فهذا حرام، وإن كان نصرة للمرتدين على المسلمين فهذا ولاءٌ مكفّر.
      2.  ii.      وإن كان لقتال عدو كافر مشترك، ففيه صور متعددة، إذ لا يجب أن يكون للكفار غلبة في القوة داخل ساحة القتال، وألا يعلو على المسلمين في القيادة، بل تظل اقيادة في يد المسلمين، حتى لا يوجهوا مسار القتال ويحرفوه ضد المسلمين والاسلام، وأن لا يتمكنوا من إقامة قواعد تظل شوكة في حلق المسلمين تهددهم، فهذه كلها صور ولاء مكفّر، إذ إن الكفار أو المرتدين غرضهم من قتال الكفار ليس مَحضاً، وليس لنصرة الإسلام، بل فيه بغضٌ للإسلام وتربُص به وبأهله. وقد رأينا كيف أنّ الله قد أعلن فرح المؤمنين بنصر الله الذي هو نصر الروم على الفرس، لأنهم، وإن كانوا كفاراً، إلا أنهم أقرب للمسلمين من عبّاد النار. فالحكم هنا من ذلك النوع ويرجع إلى أصل الاعتقاد من ناحية وإلى السياسة الشرعية من ناحية أخرى".

      وبناءً على ذلك، فإن تكفير جبهة النصرة بهذا العمل، خروج عن السنة، إذ نتحد معهم في الأصل كما قررنا، إلا إنهم يرون أن الجبهة الإسلامية والجيش الحر ليسوا على ردة جماعية. بل فيهم تفصيل.

      ونقرر هنا أن ذلك التعاون الذي يقع من جبهة النصرة إثمٌ باطلٌ إن كان قد وقع لقتال الدولة، ويجب التوبة منه والتوقف عنه. إذ إن التعاون هنا يقع بين طائقتين، طائفة مسلمة، هي جبهة النصرة، وطائفة اجتمع فيها البرّ والفاجر، والمسلم والكافر، فلوسلّمنا بأنّ أتباعها ليسوا بكفار بعامة، فلا يجب التعاون معهم كجماعة، إذ هي جماعة مخلّطة عندهم، مرتدة عند غيرهم، ولا يحلّ التعاون معها ضد مسلمين على وجه الإطلاق واليقين. وإن لم يكن كفراً، فلسنا في حلٍ من عمل الإثم والباطل. فاللوم على النصرة في هذه النقطة، ويجب عليها إصلاحها.

      (2)

      النقطة الثانية، هي إطلاق أحكام التكفير بلا اعتبار لأوجه الخلاف فيه، ثم القتل بناءً على ذلك النظر. وقد رأينا ما فعل هذا المسمى أبو عبد الرحمن العراقي، وهو والله أشبه بالجزارين منه بالمجاهدين. وقد لاحظ كثيرٌ الأفاضل من متابعي الأحداث التوسع في هذه المسألة، أي إطلاق أحكام التكفير على المخالف، موجوده بدرجات متفاوته وعلى مستويات مختلفة عند الدولة والنصرة جميها. لكن الفرق أن النصرة تقول بها من خلال فتاوى بعض من يُنعتون بالشرعييّن، لكن لا ترى له أثراً في أفعالها أو أقوال أتباعها. ولكن الدولة على خلاف ذلك، فلا ترى التكفير يقع على لسان شرعييها،بل ينفونه ويردونه، لكن تجده عاماً منتشراً بين أتباعها على الأرض تصرفاً، كمارأينا من تصرف هذا العراقيّ، وقولاً، كما يراه من يتابع كثيراً ممن أنصارهم من جيوش النت، إلا من عصم الله، وقليل ما هم.

      فهذه النقطة يتساوى فيها الطرفان، ويقع فيها اللوم على كليهما، وإن كان تأثيرها السلبيّ على الأرض يقع على عاتق الدولة بشكلٍ أكبر، فالحديث عن الكفر والرمي به شئ، وحزّ الرؤوس وشق الصدور وبقر البطون بالفعل شئ آخر. وهذه، مع الأسف، هي الصورة التي رسمتها يد الدولة لنفسها بنفسها، على أيدى أتباعها في الجيشين، جيش القتال وجيش النت على السواء، تحت شعار التمسك بالحق والقوة فيه، وهو خلاف السايسة الشرعية والأحكام الفقهية على السواء.

      ومن ثم، فإنه يجب على الدولة تتبع هذا العيب المقيت، والضرب على يد من يقوم عليه بقوة وحسم وصدق، إذ إننا لم نر من الدولة إلا تبريرات على ما فعل أمراؤها على الأرض، إلا إحالة على أقوال الشيخين البغدادي والعدناني على الشرائط، وهو ما لا يوقف عدواناً ولا يصلح انحرافاً. كما يجب عليها أن تنقل فقهها الصحيح، غن كان حقاً هو ما تراه، إلى أتباعها على الأرض وعلى الت، فقد والله أساء كلاهما لشكل الدولة وسمعتها، إلا عند أنصارها بالطبع، فهم في نشوة من هذا الأمر، نخشى ألا تنتهى على خير. وكم من محاولات سبقت رأينا ما آلت اليه، ولكن كثر القائلون وقل السامعون.

      ويجب على النصرة الأخذ على أيدى هؤلاء المُلقبين بالشرعيين، ومنع حديثهم غير المنضبط هذا، وإلا تبرأت منهم، فإنهم يسعّرون للحرب، ويذكون أتونها من حيث يقول غيرهم نريد صلحاً. فكأن للنصرة لكلّ غرض متحدث، منهم من يتوجه للأنصار بخطاب، ومنهم من يتوجه للخصم بخطاب، ومنهم من يخاطب العامة بخطاب ثالث.

      ثانياً: نقاط الاشتباك السياسي

      يتبع إن شاء الله تعالى، وفيه الحديث عن موضوع البيعة، وأثر تسميات الكتل المتناحرة، والقومية والأهواء، ونقاط أخرى.

      د طارق عبد الحليم

      22 جمادى الأولى 1435 – 23 مارس 2014