فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تعليق على لقاء الأخ المحيسني

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      استمعت إلى لقاء فضيلة د الشيخ هاني السباعي حفظه الله، مع الأخ الشيخ عبد الله المحيسني، على إذاعة المقريزي يوم أمس الأول. وقد دوّنت عدة تغريدات بشأنه، ولكن، كالعادة، غَلُب عليّ طابع الكتابة، فدونت هذا المقال، تقبله الله منى وجعله في دائرة الحق يدور، وعن الحق لا يحور.

      ووالله أخجل من أنْ أتحدث عن هذا الأمر، والدماء تسيل والمجاهدون يُستشهدون بالمئات. لكننا نرى أنّ أصل البلاء هو لسان باطل وكلام غير مسؤول، فوأدة اللسان أشد من ضربة السيف في بعض الأحيان.

      أبدأ بأن أبيّن أني لا أطعن في شخصيات، صغرت أم كبرت، خاصة وأنّ كلّ من تكلم في أمر العامة مطعونٌ فيه، من جهة أو أخرى، بسبب أو بآخر، بما في ذلك شخصي الضعيف ود السباعي وغيرنا. فلا أقل من أن نمد يد الرأفة بإخواننا وإن رأينا عليهم زيغاً أوانحرافاً أو ضعفاً. هذا لازم الإنصاف.

      كما أود أن أبيّن أننى لست متحدثاً رسميا باسم أحد، لا الدولة ولا غيرها. بل أزيد أنّي مستاء إلى هذه اللحظة أشد الاستياء من موقف الدولة الرسميّ الصامت تجاه كثيرٍ مما يجب بيانه، والاكتفاء بعمومات لا تعطى المؤالف تفسيراً ولا تمنع عنه تنفيراً. إلا من تعامل مع المسألة من المناصرين من باب الإيمان، فآمن بجماعة ما ولم يحتج بعدها لتفسير، فطبيعة الإيمان التصديق والاتباع. لكن، واأسفاه، هذا لا يكون إلا مع الله ورسول الله، لا مع بشر بعده. ولعل الدولة أن تشفي غليل مُحبيّها في القريب إن شاء الله.

      الحقّ أني لم أخرج من اللقاء بما وَددت أن أسمع أو أعرف. فالرجل قد تحاور فناور، ولم تكن إجاباته مستقيمة واضحة مباشرة، لسبب ما.

      لكن أبدأ أولا بتوجيه عام، أقصد به شبابنا بصفة خاصة، فهم أملنا بعد الله سبحانه.

      رأيت أن الناس يعتبرون كلّ من حمل شهادة عليا، أو رسالة جامعية، وتحدث في أمور الشرع، صار "شيخا عالماً مخلصاً". ثم إن وطئت قدمه أرض الجهاد، صار "شيخا عالماً مجاهداً مخلصاً". ونحن والله نعرف قيمة العلم، وقيمة الجهاد، لكن الأوصاف التي صرنا نخلعها على البعض هي المانع الأساس في تقدير حجمهم ومن ثمّ حجم ما يقولون.

      فتحصيل العلم، غير العلم. العلم تحصيل وإدراك وتمييز وخبرة، ثم أعوام ينضج فيها هذا التحصيل والإدراك والخبرة، ثم عطاءٌ من الله سبحانه لبعض أوليائه، في قدرتهم العقلية، هي ما نسميها "التوفيق"، إما أن يوجد أو لا يوجد. فالتحصيل والخبرة والتجربة والسنون، إذن، هي ما تصنع العالم، الذي يصير العلم له طبعاً. ومن هنا تحدث السلف في طبقات العلماء، لا من الناحية الزمنية فقط، بل ومن ناحية القدر والمكانة. كذلك فإن المجاهد، لا يلزم أن يكون عالماً، بل يكفيه الإخلاص، واتّباع العلماء ليصحّ توجهه في جهاده، فلا ينصر الباطل على أنه حق، ولا يترك الحق ظنّا منه إنه باطل. أعان الله المجاهدين على ما هم فيه، فوالله هم تيجان رؤوسنا أجمعين.

      من هنا، فنحن، والله أعلم، نرى مما سمعنا من سيرة الأخ المحيسني عن نفسه، وخبرته وتحصيله، والأهم نضجه في ميدان العلم والعمل، أنّ المسألة التي وضع نفسه في صددها أكبر منه كثيرا، وأعمق من أن يتناولها من هو في تحصيله وعمره. وهو ما أوصله، وأوصلنا، إلى ما نحن فيه مع جهاد الشام. وهذا لا يقلل من قدره وقدر ما يحاول، لكن يضع حدّاً لما يقول، هو ومن هم في طبقته من دعاة وخطباء وحاملي شهادات علمية، فيحترزوا ويحترز الناس من أن يضعوهم في غير طبقتهم، فيَضِلوا ويُضلوا. وهم ليسوا جهالاً معاذ الله، لكنّ نقص النضج مثلمة.

      وإذ قررنا هذا، نعود إلى لقاء الأخ المحيسني، فنرى فيه الكثير من الثلمات، والعديد من الثغرات. تفادٍ مقصود للردّ، ومناورة في موضوع السؤال، وإظهار الحياد ثم إعلان التحيّز لأحد الطرفين. ولا أدخل في النوايا والمقاصد، فيكفينا وصف الخطأ أو الحيدة عن الحق، والتسرع في الحكم. وهاكم بعض ملاحظاتنا:

      في رده على  سؤال "هل هي مبادرتك أم لا؟" لم يرد المحيسني على الإطلاق،  بل أنشأ يتحدث عن لقاءاته بالشيخ الأنباري، واكتفى بالإشراة إلى أنه كان هناك مبادرة أخرى..." وما إلى ذلك مما نراه توجيهاً مُديناً، لا ردّا ولا بياناً.

      قرّر الرجل نصا أن الكلّ، كافة الجبهات، اشترطت شروطاً لفترة طويلة! وأنه ضلّ بينها ذاهباً آيباً. لماذا قرر بعدها إذن إن الكلّ قد وافق وخضع لحكم الله بما فيهم العلمانيون؟ لماذا، حين اشترط الباقون من قبل شروطاً، صبر عليهم وظلّ يحاول، ثم حين وضعت الدولة شرطين، ولم ترفض المبدأ، هاج وماج، ورماهم برفض شرع الله والتحكيم وكأن مبادرته هذه التي أسماها "مبادرة الأمة"، ولا ندرى لماذا؟ هي حكم الله نزل من فوق سبع سمواتٍ؟

      ثم الأهمّ والأخطر، ما أشرنا اليه سابقاً، ما وجه التسرع في إخراج بيانٍ أن الدولة هي الباغية؟ سؤال آخر تلاعب في الرد عليه ولم يُحر جواباً! مما يضع ما ذكرت آنفاً من عدم النضج تحصيلاً وخبرة وعمراً في دائرة وصف الحق لتصرفه.

      ثم موضوع موافقة الدولة علي المحيسني في حادثة قتل مجاهد الدولة، ألا يدل ذلك على رضاهم به حكماً؟ أمّا لماذا لم  تقبل الدولة به أو بغيره حادثة المسكنة، فلعل هناك سبباً لذلك، لكنه ليس إعتراض على شخصه، فيجب البحث عن السبب، لا توصيف المُسَبّب.

      ثم كان أمر الدولة في ضرب الفوج 46، غاية في عدم المنطقية، فلماذا تضرب الدولة الفوج 46؟ ما السبب في ذلك؟ ما العلاقة بين إخراج الدولة من الأتارب وبين الفوج 46؟ لماذا تهاجمهم الدولة؟ ما هو السبب الحقيقي الذي لم يذكره، أو لم يعرفه، المحيسني في هذا الصدد؟ ليس هناك منطق في حديثه عن هذا الأمر.

      ثم تهرّبه من الإجابة عن إن كان يؤيد خطاب الجولاني. ثم تأييده كان ظاهراً وكأنه هو من كتبه! وهو تحيّز مقيت يدل على صفته التي ذكرنا مسبقاً.

      ثم المضحكة الساخرة التي وقع فيها الرجل هي قوله أن الشعب السوريّ قاطبة يحب الجبهة! وأن الغرب يخاصمها ويعاديها أكثر من عَدائه لأيّ جماعة أخرى! تحيز عجيب وإختلاق وبهتان، بل إن هذا الإدعاء الهزليّ يُسقط شهادته ويرفعه من قائمة المنصفين.

      ثم حديثه عن القضاة من المشايخ المساجين فرّج الله كربهم، مما يدلّ على قلة فقه، وكأن الدنيا لم تتسع إلا لهؤلاء المشايخ الأجلاء. ونحن نرى أنه حتى تكون هناك محكمة لابد أنْ يقدم المُدّعِى أدلة ترتفع لأن تقام بها دعوى،وعلى الدولة المُدعَى عليها ساعتها أن تقبل بمحكمة شرعية بشروطها. هذا بشأن استشهاد المجاهدين، والمظالم وغيرها. وإن لم يكن هناك توثيق للدعوى فلا محل للإتهام.

      وأين حَكَمت الدولة على أحرار الشام كلهم بالردة؟ سمعنا خطاب الشيخ البغداديّ، وبيانات الشيخ العدناني، فلم نسمع هذا التكفير العام للإحرار. قد يكون هناك من أتباع الدولة من يقول بهذا، وقد يكون من الضروريّ أن تكون لقيادتها يد حازمة في هذا الأمر، لا يحاجج أحدٌ في ذلك، لكن أنْ يصل الأمر إلى التحريض على قتال جماعة مسلمة بهذا السبب، فلا. أليس الأوجب أن نوجّه نصيحتنا لمنع الغلو والعمل مع القادة على طرق تلافيه، دون التسرع الأهوج في اتخاذ جانب إذكاء الفتنة والتحريض على القتال.

      وفقنا الله للإصلاح بين المتناحرين من إخوة الجهاد، وهدانا الله وهدى المحيسني للحق.