فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الاختيار في التماس الأعذار

      • مجرد رأي
      • 4023 قراءة
      • 0 تعليق
      • 15:54 - 15 فبراير, 2014

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      كثيراً ما يتردد على كلام الإخوة أنّ الأصل التماس العذر لأخيك المسلم. وهو أصلٌ صحيح بُني على مبدأ إحسان الظن بالمسلم[1] بوجه عام. إلا إننا نجد هذا الأصل قد أسيئ استخدامه بطريقة جعلته أداة تخريب لا أداة تقريب.

      ذلك أنّ التماس العذر ليس على إطلاقه، بل تقيّده أمورٌ كثيرة تدخل في الإعتبار، منها نوع الخصم وتاريخه، ونوع الخطأ أو المعصية، قولاً أوفعلاً، وحجمه، كبيراً أو صغيراً، وتأثيره، محدوداً أو متعدياً، واستدامته، إقلاعاً أو إصراراً، ووقوعه تحت حدٍ من الحدود المشروعة أم لا، وغير ذلك من عوامل يجب أن يعتبرها المعتبرون حين يقال "التمس لأخيك عذراً". الأمر إذن ليس أمر تقوى ساذجة في التعامل، فرُبّ إنذار أولى من إعذار.

      ثم إنّ هذا الأصل قد أصبح ألعوبة في يد الخصوم، يستخدمونه مرةّ لنصرة وليّ قريب، ومرة لشنآن خصم عتيد، بلا أدلة على كليهما، بل وبلا تقوى لله في اعتبار التماس العذر، من عدمه. فتراهم جرّدوا الخصم من كلّ استحقاق في العذر، ثم أسبغوا نعمة الإعذار على الوليّ ظاهرة وباطنة!

      فمن هنا تكرسّ مبدأ "الاختيار في التماس الأعذار"، وصار الأمر بيد المرء، يلتمس عذراً متى شاء، ويضلّ عنه العذر متى أراد. وهذا غاية في الظلم الذي يأباه الله سبحانه، ولا يرضاه لعباده. فالإنصاف هو دقة الإختيار في التماس الأعذار. فرُبّ خصم يستحق الإعذار، ورُبّ وليّ يستحق الإنذار. كن دقيقاً فيما وفيمن تَعذُر تكن منصفاً، وإلا فهو الظلم.

      والأعذار التي يمكن التماسها أو تركها، لا حصر لها، بل هي بعدد المعاصي والأخطاء التي يمكن أن يقع فيها المرء. فمن الصعب هنا أن نضرب عليها الأمثال، لكن من الممكن أن نقرر هنا أنّ من قابل أخاه بوجه عابسٍ ليس كمن قذفه بالغيب. ومن اغتاب أخاه ليس كمن والى كافراً. ومن سبّ أخاه مرة أو قذفه بمعصية أو كفر كمثل من تمالأ من الكفار ضده أو استعان بكافر عليه أو أخذ مالاً من كافر لقتاله. ومن بدأ بعدوان على أخيه، ليس كمن ردّ العدوان، فالبدء بالعدوان ظلم بحت، وردّ العدوان يقع تحت الإختيار، فإما أن يُعذر إن أقلع، وإما أن يُرد العدوان بمثله إن أصرّ، وهو من قبيل الحكم الشرعيّ الذي لا إعذار فيه ... وهكذا.

      المحصلة هنا، هي أنّ الإعذار يجب أن يخضع لعملية فقهية كالفتوى. وأن يكون معلوما أنّ الاختيار في الإعذار قد يكون حيدة عن الحق وظلما بيّنا، في حين يحسبه صاحبه فضلاً وعدلاً، إذ إنّ إعذار طرفٍ يعنى إدانة الآخر بطريق اللزوم.

      هدانا الله للحق والعدل.

      [1]  ما اشتهر بين الناس من قول "التمس لأخيك سبعين عذراً" أنه حديثٌ فهو ليس بذاك.