فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عودة إلى جهاد الشام ..(2)

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أبدأ، قبل الدخول في تفصيلاتٍ تحليليةٍ لما سبق عرضه في الجزء الأول من مقالنا هذا، بأن أقرر عدة أمورٍ هامة يجب اعتبارها. أولها أنني وأشهد الله على ذلك، لست بمتحيز لطرفٍ ضد طرفٍ آخر، ولا لجماعة ضد أخرى، فالتحيز صفة مقيتة إن لم تكن لمطلق الحق، وهو ما سنشير اليه لاحقاً. والتحيّز ليس من سمات من يدعى علماً، بل هو من صفات العوام ممن لا علم لهم. كما أنه خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، إذ يتجافي عن بعض الحق لحساب بعضه، بالهوى والتشهى.

      ذلك أنّ الحق كاملاً لا يقع في جانبٍ واحد، إلا ما كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كلها وحيّ يوحى. أمّا أفعال البشر دون ذلك، فيختلط فيها حقٌ بباطل، على وجه العموم، وإنْ كان الحق قد يقع منهم كاملاً في أمرٍ من الأمور، فلن يقع على الدوام، كما قد يقع ناقصاً. هذا لا يناقض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ظاهرين على الحق"، فإن الحديث يُعنى بالحق الذي هو منهجه وسبيله صلى الله عليه وسلم، لا أنّ كل أقوالهم وأفعالهم حقٌ، فهذا لا يكون لبشر من بعده صلى الله عليه وسلم. ولهذا تجد العامي المتحيز ينظر إلى الحق في قول خصمه ويغفل أو يتغافل عن الباطل أو المشتبه.

      من ثم، فإن الطائفة التي يكون فيها من الحق أكثر ما فيها من الباطل هي دائماً الأولى بالإتباع. على هذا يجب أن يُنظر في أمر "الأخطاء" التي يدعيها كلّ طرفٍ في تصرفات الآخر عند التحاكم.

      كذلك فإنه يجب أن ننوه إلى النقص أو التحريف فيما يُنقل عن الأحداث الواقعة على الأرض. وذلك لأمور عدة، منها وأهمها التدخل السلوليّ في المسألة الشامية بثقلٍ كبير ودعاية مضَلِّلَة، للتشويه والتحريف والتعمية، ومن ثم إفساد الجهاد على العباد، فإن السلولية وأتباعهم هم كلاب الأرض وكفارها، لا همّ لهم إلا إفساد الدين ونصرة الصليبيين على المسلمين لضمان بقاء كروشهم على عروشهم، لعنة الله عليهم أجمعين. ومنها عدم دقة النقل من عينٍ للسان، كما هو معتاد. ومنها التسرّع في إلقاء التهم ونسْب الأعمال إلى غير فاعليها للتحيّز الأصلي. وهذا النقص والتحريف سببٌ أساس في عدم القدرة على التمييز بين الحق والباطل، وبين الصحيح والموضوع، ومن ثم، زيادة التعصّب والتمسّك بالرأي والشّدة في الخصومة، مما يمنع احتمالات الحل والصلح.

      كما يجب أن ننبه إلى أن هذا الأمر برمته أمر إجتهاد لا نصّ فيه، ومن ثم فهناك الراجح والمرجوح من الرأي. ومن اتخذ رأياً بعينه على أنه دين الله الذي لا سواه فقد أبعد النّجعة وضلّ الطريق، خاصة إن تعلق بالأمر دمٌ ومالٌ وعرض.

      وسيقوم المنهج الذي سنتبعه في هذا العرض التَحليلي على شقين رئيسين، شقُ الأحكام الشرعية، وشقُ الواقع القائم على الأرض، فإنه لا تتم الفتوى إلا بصحة كلا الشقين لا أحدهما، كما رأيته حاصلاً في الكثير من المحاورات والمساجلات بين الإخوة، إذ يكون التركيز على جانب الحكم الشرعيّ وحده، وكأن الواقع الحال ليس له في رسم الفتوى مقال.

      الدولة الإسلامية – نظرة شرعية: ويتعلق بها مسائل الإمامة، والبيعة وأهل الحل والعقد

      لا نريد إضاعة الوقت والجهد في اثبات ما هو ثابتٌ متفقٌ عليه من الجميع، أو إيراد أدلة لا يختلف عليها أحد، من ضرورة إقامة الدولة الإسلامية، التي تعنى إقامة وليّ أمرٍ قادرٍ على تنفيذ الأحكام الشرعية، وعلى تأمين حدود الدولة، وعلى ضبط مصادرها ومواردها، وهو ما يقال عنه "التمكين". و"التمكين"، هو نتيجة خضوعٍ وبيعة من أهل الحل العقد، الذين يتبعهم الناس ويستمعون اليهم، بعد إعطائهم صفقة اليد واللسان. فتمكن الإمام تابعٌ للبيعة إلا في حالة إمامة المتغلب. وعادة ما يعطى الناس صفقة اليد واللسان بناءً على ما يرونه في الإمام من صفاتٍ مدونة في كتب الفقه، لكن من أهمها قدرته على تحقيق مصلحة الدولة في تحقيق الأمن وإقامة الشعائر والشرائع.

      فالشرط الأول في إقامة الدولة، هو في وجود الإمام الذي وصفنا، وفي قيام عصبة تؤيده وتعينه على تحقيق الغرض من الدولة. ولا يقال هنا أن هذا يعنى حدوث خلط في طرق البيعة بالجمع بين طريقة أهل الحل والعقد، وبين تمكّنه بعصبة تعينه. ذلك لأنّ البيعة لا تقوم أساساً إلا ببيعة أهل الحل والعقد، وهم يقومون بهذا بعد إعتبار كافة الصفات المرعية، ومنها تحقق القدرة على العمل على الأرض، ووجود الأجهزة والتجهيزات اللازمة له، فهذا من شأن الدول في عصرنا، ثم تكون بيعتهم هي أساس التمكين وقاعدة الرضا التي تصبغ الشرعية على تلك الأجهزة والتجهيزات اللازمة. ثم حقيقة يجب أن لا يغفلها الناظر، وهي أنّ أرض الدولة أرضٌ محرّرة من يد المغتصب، تجعل الإمام المعتبر من ذوى الشوكة ابتداءً، ولا يضيره هذا إلا إن قابله أهل الحل والعقد بالمعارضة والتناوش. فالإمام مُمَكّن بالبيعة، وإن كان من ذوى الشوكة والمنعة، طالما أنه لم يُجبر أهل الحل والعقد علي مبايعته.

      وقد رأينا أنّ جماعة الأخ المجاهد البغداديّ قد تمّ لها هذا الأمر، باعتراف العدو والصديق، في أول نشأتها وسيطرتها على الأنبار وحلب والرقة وغيرها من المواقع والأقاليم، بعد تطورات مرت بها على عهد البغدادي الأول وأبي حمزة المصري رحمهما الله. وقد كان من الضروري أن يأخذ الإخوة المبادرة، أو على الأقل قد رأوا أن يأخذوا المبادرة لحلول وقتها، وأن يقنعوا في ذلك بما تيسر من أهل حل وعقد، لإعلان دولة في مقابل دولة الرافضة التي هي والله ليست بأولى بالتسمية من دولة العراق والشام آنذاك، إلا بمقاييس الأمم المتحدة أخزاها الله.

      ثم يأتي سؤال الحدود، فهل يجب أن يكون للدولة حدوداً مرسومة لتكون دولة في الشرع الحنيف؟ لا شك أنّ الحدود كانت معروفة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت العرب تتحدث عن جزيرة العرب، وعن العراق والشام وفارس. فقول أنه لا حدود في الإسلام فيه حقٌ وباطل، الحق فيه أنه لا حدود في حق المسلم، بل يتنقل من إقليم إلى آخر كما يتنقل اليوم الأمريكي بين الولايات المختلفة بناء على التصور الفيدراليّ. كما أنّ جنسية المواطن المسلم على أرض الإسلام هي دينه لا غير، وإن انتسب إلى إقليمه، فما زال علماء المسلمين يُنسَبون إلى أقاليمهم في كلّ عصر، بل كثيرٍ منهم اتخذوا كُنيتهم من نسبة بلادهم. والباطل هو أن يقال أنّه لا عراق ولا شام بل كلها أرض الله، فهذا مُخالفٌ لما تواضع عليه البشر منذ أيام أبيهم آدم، وما لم يخالفه شرعنا الحنيف.

      ودولة المدينة، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت لها حدود معروفة مرسومة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متحيزاً فيها، وإن كان يبيت بها خائفاً في العهد المدني الأول، فهذا لا يمنع أنها متحيزة محددة. كما أنه كانت له الغلبة والشوكة واليد العليا فيها، مع وجود جماعات مسلحة داخلها. وكانت أحكامه هي السائدة، بدليل أنه حين نقض اليهود عهدهم في غزوة الخندق، مشى اليهم على التو، وأنهى وجودهم بالكلية.

      فالمقارنة أو الاستدلال بدولة المدينة قد لا يصح لصاحب كتاب "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام"[1] من كل جوانبه، لكن الأمر أنه لكل عصر وضعه وظروفه، وليس هناك ما يُلزم باتباع النموذج المدنيّ حذو القذة بالقذة. وقد كان من الضروري أن تتصدى أحد جماعات الجهاد لمثل هذا الواجب، أعنى إعلان كيان موحّدٍ ورفع راية واحدة تكون كرأس حربة لأهل السنة ضد دولة الرافضة. ولم يكن من المعقول أن ينتظر الأمر حتى يأخذ من قام بعبء هذا الواجب حتى يوافق عليه القاصى والداني، فهو أمر دونه خرط القتاد، لتعذر التواصل، أو لوجود أهواء وحظوظ دنيوية. فإن قامت دولة، واستكملت شرائط، ذلك فلا مانع يمنع من السير في ركابها والالتحاق بركبانها إن صحب نية الجهاد في سبيل الله، وصَفت النفوس من الحظوظ. فنحن نقف في صف الدولة من حيث أنّ أهل الحلّ والعقد ساعتها كانت تقوم بهم البيعة.

      ومن ثم، فإن البيعة التي أعطاها الأخ المُجاهد الجولانيّ للدولة بيعة صحيحة يجب مراعاتها، ولا يحلّ الخروج عليها بأي دعوى من الدعاوى. فالإمام الذي يبايعه الناس، لا تلزم مشورة كلّ أحد ممن بايعه عند بسط سيطرته على إقليمٍ جديدٍ، سواءً داخل ما تسميه الأمم المتحدة دولة العراق أم خارجها. ولم نعرف في التاريخ، الإسلاميّ أو العالميّ، قائداً ميدانياً أرسله قائده الأعلى على رأس كتيبة ليحارب في إقليم مجاور، ثم قرر القائد الأعلى أن يعلن مدّ سلطانه لهذا الإقليم، فوجب عليه تجديد بيعته على هذا الأمر الحادث.

      قد يقول قائلٌ، لكنّ إعلان السيطرة وامتداد النفوذ قد يكون فيه عيوب وقد تنشأ عنه مشاكل، لوجود كتائب مستقلة، أو لأنه يستدعى العداء الدولي، أو غير ذلك من المَحذورات. فيقال قد يكون هذا صحيح، لكنه لا يحل خلع يدٍ من طاعة، بل يكفي النصح والتوجيه، ويكون للأمير الذي أعطاه المسلم صفقة يده أن يسمع ويطيع كما يسمع ويطيع كلّ جندي على الآرض في كافة دول العالم، شرقاً وغرباً، وقديما وحديثا لقياجته وإن اعنتقد خطأ تعيرها في أمرٍ من الأمور.

      ونحن هنا نسأل الأخ المجاهد الجولانيّ، على ماذا أعطيت صفقة يدك للدولة؟ أكانت على أن تكون قائداً لكتيبة تحارب في الشام بذاتها لاغير؟ أم أنك بايعت على أنّ الأخ المجاهد البغداديّ هو أميرك؟ فإن كانت الأولى، فلا نعرف بيعة بهذا الشكل إلا بين شركاء في الإمارة! وإن كانت الثانية، فكيف يحلّ لك أن تنزع يداً من طاعة؟ هذا والله لا يجوز، إلا إن كان هوى النفس وحظها يلعب دوراً في الخفاء. إن البيعة التي أعطيتها إلى الشيخ الظواهريّ هي، لكلّ صاحب عقلٍ ، تهربٌ من بيعتك للدولة، إذ كيف بالله عليك تقدم بيعة لرجل يقبع على بعد آلاف الأميال منك، ولا يقدر على نصرتك، على بيعة قد أعطيتها بالفعل لرجل أقرب اليك وأكثر نصراً وإمدادا بالعدد والعدة؟ فإن كانت حجتك هي أنّ امتداد الدولة إلى الشام يستعدى أعداءها في الداخل الخارج، فكيف ببيعتك للقاعدة، التي هي العدو الأول للصليبيين والروافض وكفرة الدنيا كلها؟ هذا لا يقول به عاقل بله رجلٌ مجاهد مثلك يا أبا محمد.

      أما عن تقلّص المساحة التي تسيطر عليها الدولة مؤخراً، فهذا والله لا يصح أن يكون عذراً لأحد في التخلف عن نصرتها أو التخفف من بيعتها كما حاول صاحب كتاب "الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم" من أتباع ما يسمى بجيش المجاهدين[2]، فإن الحرب كرّ وفرّ، ولولا الخيانة والتخفف من البيعة ما حدث ما حدث.

      الدولة الإسلامية – نظرة واقعية: ويتعلق بها وضع الكتائب المجاهدة ممن لم يعطى البيعة للدولة، ومن أعطاها البيعة

      الحق، أنّ وجود كيانٍ موحد يضم المجاهدين، ويعلن "دولة" هو أمرٌ يشهد له الواقع بحكم الضرورة المطلقة. إذ إنّ استمرار الأمر كقتالٍ تقوم به جماعات متفرقة تسيطر كل منها على بقعة من الأرض هنا أو هناك، فيه إضعافٌ لشوكتهم جميعا، والشرع يوّجه إلى الاتحاد ويحذر من الفرقة، ليس هناك موضع أولى من هذا التوجيه أكثر مما هو في حال الجهاد.

      فهبْ أن الدولة قد تسرّعت في إعلان وجودها، وهي لم تتسرع في نظرنا، سواء في العراق أو في امتداد سطوتها إلى الشام، فما الضير في أنْ ننصر هذا المشروع الذي صحت له أولوياته؟ وما ضير الأخ المجاهد الجولاني في أن يكمل المسيرة مع الدولة؟ وما ضير غيره من الكتائب أن تساير ما أعلنته الدولة بما فيه توحد للصفوف والجهود؟ أيكون البديل أن تظل جبهة النصرة وحده كجبهة النصرة؟ وأن يظل أحرار الشام كأحرار الشام؟

      ثم ألا يرى الإخوة كيف أنّ الدولة الرافضية، والصليبيين الأمريكان، والعلوية البشّارية الملحدة في الشام، وآل سلول لعنهم الله بكفرهم، قد قاموا على قلب رجل واحد لطرد الدولة من الشام، ولتقليص قوتها في العراق؟ ألا يستشف الأخ المجاهد الجولانيّ من هذا شيئا، وإن تحدث هذا وذاك عن تصرفات الدولة؟ علماً بأنّ الدور السلوليّ الإعلامي يزيّف الحقائق، كما نراه في كثيرٍ من الدول الأخرى كما يحدث في مصر، إذ ينفق بعيرٌ في قنا، فيكون موته مسؤولية الإخوان!

      إن من ينكر دور آل سلول في هذه الأحداث الأخيرة، أو يقلل من شأنها، أو يتغافل عن أثرها هو إما جاهل أحمق، أو غرّ أخرق أو عميلٌ أمرق. ولا عليكم من قول بعض "الدعاة"[3] ممن يتحدثون عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بن سلول، فالقياس فاسد والشبه منعدم، والعيب على عليم اللسان قليل البضاعة في العلم. فابن سلول كان فرداً معروفاً محدداً كشف عن نفسه وعرفه المسلمون بلا توارٍ ولا خفاء. فأثره محدود، يتعلق بإهانة الرسول صلى الله عليه وسلم، وانسحابه من أحد بثلث الجيش. أما عن الإهانة فلا متعلق لها في هذا الحديث، فإن إهانات السلوليين للدولة لم تكن سبباً في إشعال أي نار للقتال. أّما انسحاب قوات بن سلول، فقد كان عملاً من أعمال الشيطان، فهل تريد يا أيها "الداعية" أن يكون المجاهد الجولانيّ كابن سلول في انسحابه من نصرة الدولة؟ أم تريد أحرار الشام أن يمتثلوا بفعل بن سلول في هذا الأمر؟ أمّا عن أن يسير الناس في أنصار آل سلول سيرة رسول الله صلى الله عليه سلم في بن سلول فهذا خرطٌ وخبط ينطلى على العوام ومن يستمع بإذنه دون عقله. فإن هؤلاء يتغلغلون في صفوف المومنين، يخذلونهم، ويشترون الذمم وينشرون الأخبار، ويخذلون الناس عن المجاهدين، والأدهى والأخطر أنهم يقدمون بدائل ظاهرها الدين وباطنها الكفر والفسوق والعصيان.

      ثم لماذا لا يتحدث اللاحون على الدولة عن ممارسات الكتائب التي تشن عليها الحرب، مثل الجبهة الإسلامية التي يوشك أن يقع الإجماع على عمالتها آل سلول؟ أو على جيش المجاهين الذي ما نشأ مُؤخراً إلا لقتال الدولة؟ أين أعينكم يا "دعاة"؟ يا من تتمسحون بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تنسون أو تتناسون أن هؤلاء المنافقين كانوا، ظاهراً، على بيعة له صلى الله عليه وسلم وإن نافقوا. كما أنهم لم يقاتلوه بل انسحبوا من القتال بصفه، وشتان بين الموقفين، فهذا قياس شَبَه زائفٍ لا يقول به إلا غرٌّ ضحل المعرفة بالأصول.

      وقد عدّ بعض من كتب في صفات النفاق، بناءا على موقف بن سلول في غزوة أحد، فذكروا الانسحاب من المعركة والرجوع، ظهور علامات الفرح عليهم بعد تخلفهم عن الحرب، عدم المشاركة في القتال مع خروجهم مع الجيش ، أو القتال قليلاً، السعي بالفتنة بين جنود المسلمين لا يألونهم خبالاً، تجريح القيادة ، ونسبة ما يصيب المسلمين من سيئة لسوء تصرفها، والخوف والجبن، وموالاة الكفار. ولعمر الله أنك لتجدها كلها متحققة في هؤلاء الذين يدافع عنهم علماء اللسان، ممن لا باع لهم في علم ولا خَرَاج "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ"الحج 46.

      وبعد، فهل يجب على كافة الكتائب في الشام اليوم مبايعة الدولة؟ لا أظن أن هذا واجبٌ يأثم تاركه كما أشارت الدولة إلى ذلك، إلا على من أعطاها البيعة مُسبقاً كالجولاني. فإن ساحة القتال لا زالت مفتوحة، وسيطرة الدولة لا زالت محدودة. إنما الواجب هو التعاون والتراص، لا الاقتتال والتطاحن. ثم يكون من بعد ذلك مقالٌ لكل مقام. فهو إذن مندوبٌ اليه، لتقوية شوكة المجاهدين وخذل الكفار المرتدين أعداء الدين. وسينفرد الكفار بكلِ فصيل إن تفرد بذاته واستوحش عن إخوانه.

      الواقع وحكمه:

      ما يجب أن يراعيه "المجاهدون" اليوم هو الواقع على الأرض، لا التنظيرات في أصل المسائل، إذ هذا ما ينحرف بمقصد الشارع من تلك الأحكام. ومن المعروف في الأصول أنّ تقدير الفعل يختلف بعد وقوعه عنه قبل وقوعه[4]. وقد كان إعلان الدولة الإسلامية سابقاً لما يتحدث به معارضوها اليوم، فحتى بفرض تخلف بعض الضوابط الشرعية في حينها، فرضاّ، فإنه اليوم أصبح واقعاً يكيد للكفار ويزلزل وجودهم، فمن أي منطلق يحارب مجاهدون لهذا الكيان، إلا حظ الدنيا، والرغبة في التفرد بسلطة؟ّ  

      إنّ الواجب اليوم أن تنضوى جبهة النصرة تحت لواء الدولة الإسلامية، ويكون المجاهد الجولانيّ والياً عليها في الشام، وأن يدعو، باسم الدولة إلى توحد صفوف المجاهدين، ضد الروافض أولاً، وضد من يحارب الدولة من أتباع سلول. فإن أبت حظوظ النفس أن تقبل بهذا، فلا أقلّ من أن تقف الجبهة إلى جانب الدولة، بكل ما لديها من قوة وعتاد، ضد الرافضة وأتباع سلول كلهم، فلا يجب أن ينسوا لفضل للدولة في إيوائهم في العراق أولاً، ثم مدّهم بالسلاح والرجال. ويا للعار أن يقف هؤلاء الذين يتحدثون عن الدين والشريعة موقف الحياد ممن يريدون إقصاء ذوى الفضل في إنشاء جبهة النصرة وإخراج المهاجرين من الشام، وأن تعمى أبصارهم عن الهدف من وراء ذلك، وأن يكون همّهم جمع أشلاء الدولة من عتادٍ ورجالٍ بعد أن يتغلب عليها الكفار وهم شاهدون محايدون.

      والله ولي التوفيق وهو يهدى السبيل

      د طارق عبد الحليم 14 ربيع أول 1435 الموافق 15 يناير 2014

      [1]  ولنا على الكتاب بعض الملاحظات الفقهية التي لا تستقيم لكاتبه، مثل قوله "وأنه لا يحل لمسلم دفعها إلى غيرهم"، وهو قول مختلف عليه فهناك من استحبه وهناك من أوجبه في بعض أصنافها. أو ما ذكره من ضرورة وجود الإمام لتصح الفروض قال " والشاهد أن الزكاة كالحج والصلاة، عبادات لا تصح إلا بجماعة وإمام، وكذلك الصوم لا بد فيه من إمام يحدد بدء الشهور ونهايتها، ويجب على المسلم أن يلتزم برأي الإمام وجمهور الناس وألا يشذ عنهم في فطر أو صوم". فهذا قول لا يستقيم وليس بصحيح فقهاً، لكن نحن هنا لا نناقش فقهياتٍ يمكن أن يُراجع فيها الكاتب بعد، بل يجب مدارسة الأهم بالمهم، أن يكون التركيز على أولويات الموقف.

      [2]  والذي هو كتابّ ما أريد به وجه الله، إلا الشغب على الدولة، وإن كان فيه بعض حقٍ، إلا إنه أغفل الكثير من الحق ونصر الكثير من الباطل. وما قصدنا هنا إلى مناقشته، فهو أمرٌ فرعيّ لا قيمة له.

      [3]  وهو إياد القنيبيّ في شريط حديث له، من الشرائط التي يصدرها تباعاً وكأنها جهاز إعلام يتحدث إلى العالمين، ويتوجب سمعه وطاعته على المجاهدين! والرجل عليم اللسان، قادر على البيان، قليل البضاعة من العلم الشرعيّ بلا شك.

      [4]  كما في تصحيح عقد النكاح بعد الدخول وإن لم يكن هناك وليّ للمرأة، وإن اسموه البعض فاسداً ولن تترتب عليه آثاره للمصلحة.