فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عودة إلى جهاد الشام .. (1)

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      آثرت أن أخالف نصيحة الطبيب، هذه المرة لا أكثر، في الامتناع عن الكتابة لحين من الزمن، تحسّباً من إرهاقات قلبية وجسدية قد لا يكون فيها المصلحة، والله سبحانه يزيل الغمة بفضله. إذ الأمر يتعلق بالجهاد في الشام الحبيبة. وأكثر تحديداً، بالقتال بين المجاهدين في الشام، والذي نزل على قلوب المسلمين كالصاعقة الحارقة خوفاً ورعباً، ونزل على قلوب الروافض والصليبيين كالثلج والبرد أمناً وطمأنينة.

      هذا والله جرمٌ عظيم، وإثم كبير، أن يقتتل الإخوة من أصحاب الهدف الواحد. على ماذا يتقاتلون؟ ولماذا يتناحرون؟ هذا ما نود أن نختبره ونحاول أن ننظر في أصله ومنشأه، ومن ثمن كيفية حلّه بإذن الله، إن صلحت النية وتوجهت للصلح، فبدون ذلك لا يكون صلحاً بين متناحرين، قال تعالى "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُوا۟ حَكَمًۭا مِّنْ أَهْلِهِۦ وَحَكَمًۭا مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَـٰحًۭا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ"النساء 35، فشرط سبحانه إرادة الإصلاح لضمان فعالية التحكيم. هذا في مسألة زواج وطلاق، فما بالك بقتال ودماء.

      (1)

      هناك ثوابتٌ سنثبتها هنا، كي لا نحيد عنها فيما نعرض بعد. كما أنّ هناك شواهدٌ سنعرضها لتكون عنواناً ومرشداً لما سنقرر بعد.

      أمّا الثوابت في:

      1. أنّ القتال بين المسلمين لا يحلّ كما جاء في مفهوم الآية الكريمة "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما" فأَمَرَ بالإصلاح أولاً، حتى يظهر البغي.
      2. إنّ ظَهَرَ البغي، وأتفق أهل الحل والعقد على أنّ طائفة تبغي حَلّ قتالها من باب "رفع الإثم والجناح"[1]، لا الإباحة الأصلية. لذلك يجب أن يكون في أضيق نطاق ممكن، ما يكفي لرفع البغي لا أكثر، ثم يعود إلى حرمته الأصليّة.
      3. أنّ التحيّز لأحد الفريقين يتوقفُ على أيّهما الباغي. وهذا لايثبت إلا بأدلة وشواهد قطعية، إذ إنّ التحيز لفئة مُسلمة ضد أخرى يُباح به دماء مسلمة لا يمكن أن تُباح إلا بأدلة يقينية لا بقرائن ظنية.
      4. أنّ البغي قد يكون نتيجة عنصر دنيا، وإن خَفي وتلوّن، يسعى اليه فريق من المتقاتلين، أو أن يكون نتيجة خطأ في الاجتهاد يُصِرُّ صاحبه عليه.
      5. أنّ قتالاً من هذا النوع، في أيام الناس هذه، غالباً ما يدخل فيه عنصر الدنيا، مختلطاً بسوء الاجتهاد.
      6. أنّ هذا القتال قد بُيّت بليلٍ، تعاونت على إذكائه دولة بني سلول، لعنها الله وسخط عليها وقلب قادتها قردة وخنازير بإذنه، بالتعاون مع العدو الصليبيّ الأمريكيّ، وأشعلوه بإعلامٍ مجرمٍ، وخيانة وعمالة وأموال نفطية.

      أمّا الشواهد التي نعرضها هنا فهي:

      1. أنّ الدولة الإسلامية في العراق، منذ بداياتها في 2006، قد جاهدت في العراق وأبلت بلاءً حسناً، وخلص جهادها لله. ولا عبرة بإشاعاتٍ لا حقيقة لها عن علاقات مشبوهة أو اختراقات على مستوى القيادة.
      2. أنّ الدولة الإسلامية قد فوّضت الشيخ محمد الجولاني على رأس جبهة النصرة للقتال في الشام، وأمدته بالعتاد والرجال والتموين. وكانت العلاقة التنظيمية والعقدية قائمة بين الدولة وبين جبهة النصرة منذ 2011.
      3. أن الدولة الإسلامية أعلنت امتدادها في الشام، لتصبح الدولة الإسلامية في العراق والشام، بناءً على إجتهادٍ من قيادتها الميدانية والشرعية في العراق، وبموافقة من هم حول هذه القيادة في العراق ممن يمكن أن يكونَ من أهل الحلّ والعقد لديها.
      4. أن الشيخ الجولانيّ قد بايع الشيخ البغدادي على إمرته على الدولة الإسلامية في العراق، ولم يبايع على الدولة في العراق والشام.
      5. أنّ الشيخ الجولانيّ قد رفض الاندماج في الدولة الاسلامية في العراق والشام، وبايع القاعدة لتكون درءاً من هذه المبايعة.
      6. أنّ الجيش الحرّ وثوار الشام وجيش المجاهدين هم من الصحوات، يقومون بنفس الدور الذي حدث في العراق من قبل، فهم خونة عملاء، يحلّ قتالهم.
      7. أحرار الشام فيهم من تابع الفتنة وقاتل الدولة، وفيهم من المخلصين، ممن استغلق عليه الأمر، ومنهم من فارق بالفعل.
      8. أنّ الجبهة الإسلامية فيها طرفٌ مُتمكنٌ من الصحوات، يعمل بتوجيه من آل سلول ومن ماكين وصحبه، اختلط ببعض المجاهدين المُخلصين، الذين إن لم يدركوا ما هم فيه من تورط في الخيانة كان حكمهم حكم الخونة.
      9. أنّ قرار أبي محمد الجولاني بالوقوف على الحياد في صراع الصحوات مع الدولة هو قرار خطرٌ خاطئٌ حين النظر في صورة الواقع ومآلات الأمور، بشكل كليّ في الداخل والخارج.
      10. أنّ الدولة لم تقاتل جبهة النُصرة حين رفضت من أول الأمر أن تنضَم لها بميثاق البيعة الأصلية للدولة. وهذا يدلّ على أن الدولة لم تكفّر الجبهة، بل عملت معها رغم موقف الجبهة.
      11. أنّ ما يحدث على الأرض اليوم من حوادث قتل وأسرٍ ومفخخاتٍ، إن هي إلا أعراضٌ للمرض الأصليّ، ولا يجب التركيز عليها أو الوقوف عندها لمن أراد إصلاحاً، إلا ما كان من أمر مُحرّضى التويتر أو جهّال الدعاة من المُتحيزين أصلاً.
      12. أنّ وقوف جبهة النصرة على الحياد هو أسوأ ما يمكن أن تتخذه جهة إسلامية في حق الجهاد الشرعيّ، إذ إن الصحوات الشامية ستترك النصرة اليوم جانباً، بل قد تقرّظ بعض مواقفها، حتى تنتهى من إخراج الدولة ورجالها والمهاجرين اليها من الشام، ثم تتحول بعدها إلى القضاء على جبهة النصرة بعد أن تصير مُفردة في الساحة.

      الأسئلة التي تقوم في هذا الأمر، والتي يجب أن تخضَع للنّظر الشرعيّ، تنحصر في ثلاثة، هي الأهم، وغيرها تبعٌ لها:

      1. هل "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، دولة خلافة متكاملة الجوانب، مبايعتها واجب في عنق كل مسلم، أم هي جماعة تسمت "بالدولة"؟ أم إنها "دولة" تجب مبايعتها لمن يقع تحت سيطرتها في الأراضي التي تقع في حوزتها؟
      2. هل تلزم بيعة الجولاني للدولة الإسلامية في العراق والشام، من حيث كانت مبايعته للبغدادي بيعة عامة، أم هي كانت مبايعة "لجماعة" في العراق، لا لأمير مؤمنين أو لخليفة للمسلمين، وإن أسموها "دولة" وقتها؟
      3. الدولة تقول بالإلزام في هذه البيعة، وإنْ صرّحت بعدم كفر من لم يبايع.
      4. النصرة تقول بعدم الإلزام بهذه البيعة.
      5. هل تلزم بيعة كافة الجَماعات المجاهدة في الشام للدولة؟
      6. هل يجب مقاتلة الخَوَنة من الصَّحوات الشامية في الجبهة الإسلامية والأحرار وغيرهما ممن تابعوا آل سلول، أم إنه لا يجب أن تُقاتَل اليوم من باب السياسة الشرعية ودرأ الخطر الواقع من القتال؟
      7. ما هو حجم الحظوظ الدنيوية في هذا الأمر كُلّه[2]؟ ولإيضاح هذا الأمر، فإن القتال يدور اليوم بين المجاهدين بعضهم بعضاً من جهة، وبين المجاهدين والخونة من جهة أخرى. كما أن هناك خلاف في الاجتهاد الشرعيّ، وفي حظ النفس في الدنيا. وهذه الحظوظ الدنيوية تتخفى وراء خلافٍ في اجتهاد. فالسؤال هو: هل موقف الجولانيّ في عدم مبايعة الدولة فيه من هذه الحظوظ، وإن تخفى من وراء إجتهادٍ شرعي؟ وهل موقف البغداديّ في الإصرار على امتداد الدولة إلى الشام، وإن لم يُلزِم بها، فيه من حظوظ النفوس، وإن كان من أمامه اجتهادٌ واضح؟

      يتبع بإذن الله تعالى ..

      11 ربيع الأول 1435

      يناير 12، 2014

      [1]  الموافقات ج1 ص144 وبعدها

      [2]  وليسامحنى الإخوة على إضافة هذا البعد، إذ نحن بشر ممن خلق الله، وقد كان من الصحابة من تعلق قلبه في الدنيا وهو يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في أحد "مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ"آل عمران 152. قال أبو بكر الرازي : دلت هذه الآية على تقدم وعد الله تعالى للمؤمنين بالنصر على عدوهم ما لم يعصوا بتنازعهم وفشلهم.