فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الشرعية .. والشرع

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      "الشرعية"، كلمة منحوتة من لفظة "الشرع". والشرع، بتعريف الألف واللام، له معنى لُغويّ ومعنى، اصطلاحيّ . فاللغويّ، يأتي بمعنى يدور حول ورود الدواب الماء، وشربها من مورده، كما يأتي بمعنى الطريق الذي يسير فيه الناس، أو الطريقة التي يتبعونها. أمّا من الناحية الإصطلاحية، والمقصود بها ما اصْطُلِح عليه، إمّا ديناً أو عادة. فالشرع، ديناً، هو منهاج الله سبحانه وجملة أحكامه، قال تعالى "شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًۭا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَ‌ٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُوا۟ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا۟ فِيهِ ۚ"الشورى 13. وقال "لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةًۭ وَمِنْهَاجًۭا"المائدة 48، ومن هنا فإنّ المشرّع الأوحد ديناً هو الله سبحانه. أما ما اصْطُلِح عليه عادةً في أيام الناس هذه، فهي ما تواضع عليه الناس من "قوانين" يشرعونها لتنظيم حياتهم، سواء وافقت شرع الله أم خالفته، ويسمون من يقوم بوضع هذا "التشريع الوضعي" مُشرّعاً، نداً لله سبحانه.

      فالشرعية إذن، حين الاشتقاق، يجب أن يُنظر إلي مصدر اشتقاقها، من أيّ "شرع" وردت. فإن وردت من الاصطلاح القرآنيّ، فحينئذٍ هي تعنى السلطة التي بمقتضاها يُطبّق دين الله وحكمه في الأرض. وإن وردت من الاصطلاح العاديّ فهي تعنى السلطة التي تحافظ على ما تواضع عليه الناس من قوانين مختلطة منها ما هو من دين الله ومنها ما هو مما صنعته أهواءهم.

      والمعارضة المصرية، بلا استثناء، وعلى رأسها جبهة دعم "الشرعية"، إنما تقصد إلى الشرعية بالمعنى العادي، الذي هو مستمدٌ مما تواضع عليه الناس من قوانين مختلطة منها ما هو من دين الله ومنها ما هو مما صنعته أهواءهم، وما يسمونه "الدستور"، الذي يقدسونه، وهو دستور 2012، من حيث أنّ الغالبية الشعبية قد وافقت عليه، لا من حيث موافقته أو مخالفته لشرع الله سبحانه.

      وهذه هي عين العلمانية.

      ومن ثمّ، فإني أستغرب، في بعض الأحيان، على ماذا يتنازع هؤلاء البشر إذن؟ أيكون تنازعهم على السلطة لا غير؟ إذ العلمانية التي تقود حملة الجاهلية، تحمل نفس التوجه، وتريد نفس الشرعية.

      لكن الفرق بين العلمانيتين هو أن علمانية الحملة التي تتصدر المشهد المصريّ، ليست بعلمانية حقة، كما يعرفها الغرب. بل هي علمانية مصطنعة، ينتسب لها كلّ فاسقٍ كافرٍ فاجرٍ عربيد، ليُبرّر لنفسه، ولمن حوله، فسوقه وفجوره وكفره وعربدته.

      ثم هم أصحاب مصلحة في هذا الإدّعاء، إذ إنّ مصالحهم تتطابق مع أخسّ مؤسسات الدولة، الجيش المُلحد الذي يسعى، بمجرد قوة السلاح والبلطجة، إلى السيطرة على مصادر البلاد، والتسلط على رقاب العباد، مثله كمثلِ أيّ عصابة خسيسة تتآمر لسرقة منزلٍ عامرٍ، أصحابه غائبون، فهم في أرجائه يمرحون، ويفعلون ما يشاؤون!

      وأصحاب المُعارضة الذين يدْعون للشرعية بمعناها الاصطلاحي العاديّ، يناصرون شَرعية لا تمت لإسلام بصلة. بل هي شرعية دستورية تنصر ما تواضع عليه الناس من قوانين لا تَتلاءم مع حُكم الله سبحانه، بل تتصادم معها في أصل شَرعيتها. وهو ما يجعلها مُجردة عن الشرعية الإسلامية، لا يمكن أن يُنسب أصحابها الى شَرع الله حقاً وصدقاً.

      من هنا يمكن أن نفهم حقيقة ما يُسمى "جبهة دعم الشرعية"، وما تدعو اليه. هي جبهة تعتنق فكراً مخلّطا، وحركة منحرفة، تتبنى إسلامية مُتعَلمنة، تسير بالناس إلى دولة "مدنية" "دستورية"، تقوم على المواطنة، وإن كانت أشرف يداً وأطهر قلباً وأصفى ضميراً من العلمانية القُحّة.

      هذا ما يجعلنا نبحث عن الحلّ بعيدا عن مثل تلك الجبهة، وعن مبدأ دعم الشرعية، التي تحمل هذا المعنى الذي بيّنا، وعن المُعارضة التي تحمل هذا الفكر، وإن كانت هي الظاهرة البارزة اليوم، فإن النصر، في التصور الإسلامي، لا يتعلق بكمّ المعارضة، ولا بصورتها، بل بتوجهها ومنهاجها وتصوراتها.

      الحلّ هو مقارعة القوة بالقوة، ولنا في تطور الحالة الثورية في سوريا الحبيبة خير مثال. هذا هو حكم "الشرع"، وما أبعده عن "الشرعية".