فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      البرهامي .. ومصيبة دعاة الدين على هذا الدين

      • مجرد رأي
      • 2295 قراءة
      • 0 تعليق
      • 19:16 - 17 ديسمبر, 2013

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      في مقالٍ نشرته قريباً بعنوان "المسلمون .. وفقه الغفلة عن الكوارث"[1]، قلت ما نصّه "هؤلاء قد أُشربوا فقهاً جديداً هو فقه الغفلة عن الكوارث حتى وقوعها. وهو فقهٌ جاء من أصلٍ صحيحٍ،  تعلّموه في مساجدهم ومن آبائهم ومشايخهم، أنّ المسلم الطيب يُحسن الظنّ بأخيه، وأنه يجب أن نأخذ الأمور على عِلّاتها، فمن قال خيراً أخذناه بما قال، وأعطيناه ظهورنا آمنين، حتى يأتينا اليقين!".

      كان هذا في معرض الحديث عن غفلة هؤلاء الدعاة الذين لا يرون إلا الحسن من الفعل، في ظاهره، ثم يتغافلون عن الجانب المظلم الباطل، بعلم أو بجهل، تحت دعوى حسن الظن، خاصة في وقت صار فيه حسن الظن ابتداءً تغفيلٌا وهطلا.

      تحدثت عن هذا الموضوع، لكن يظهر أنّ الخرق فيه قد اتسع على الراقع، وانتشر هذا الفيروس اللعين، بين من كنا نحسبهم قد تحصّنوا ضده. فقرأت اليوم دعاوى تندد بالقول بكفر الزنديق البرهاميّ المصريّ! بل والشعور بعدم الأمان لمن يقول بهذا القول، وزجره عن قوله، وتحذيره من البلايا التي تصيبه من جراء "التكفير"، الذي يصفونه "بالإسفاف"، وكأن الأحكام الشرعية، إن صاحبها الدليل، تُعتبر إسفافاً عند هؤلاء الرحماء "المُأسلِماتية[2]"!

      هذا والله ما نراه مرضاً عضالاً، ومِعْوَل هدمٍ لدين الله أشدّ وأشرس من هدم السيسي وبشارٍ له. هذا معولُ هدم في يد من يثق فيهم الناس، يعدّلون به من لا من يعرف الناس خبثهم وكفرهم، بينما السيسي وبشار قد صار من المعلوم من الدين بالضرورة خبثهم وكفرهم، ونستغفر الله إن وصفنا السيسي وبشار بالكفر، فإن دعاتنا من ذوى القلوب الرحيمة قد يرون هذا إلحاح في التكفير، فما عدنا والله نعرف ما هي مقاييس الإسلام والكفر التي يدينون بها.

      المهم هنا أن هؤلاء الدعاة، من الرحماء على أهل الردة، لا يُقدّمون دليلاً فقهيا شرعياً على ما يقولون[3]، بل يلصقون فتواهم هذه، وهي فتوى في الدين سواءً أرادوا أم أبوا، يلصقونها باتساع اللغة العربية، وبإمكانية إيجاد "مخارج" فقهية لمواقف الردة الشرعية".

      هذا والله من خلل الفقه في توحيد الله، ومن اضطراب ادراك السنن. وهو، فيما نحسب، ما أدى إلى تلك الكوارث التي تحيق بعالمنا الإسلاميّ اليوم، إذ إن كان هذا هو قدر الفهم عن دين الله عند من يحسبهم الناس دعاة علماء، فكيف ترى أحوال الجيل الذي يتربى على أيديهم؟ ثم أليس عصرنا هذا أليق بالتمييز بين فئتي الناس، مسلمين وكفار؟ أليس فقه اليوم هو ما أشار اليه الشاطبي في الموافقات من أنه إنْ زاد الخبث وجب التشدد وإن زاد الاستنطاع في الدين وجب التخفيف؟ قال رحمه الله في الجزء الثاني من الموافقات ما نصّه ".. فإن كان التشريع لأجل انحراف المكلف أو وجود مظنة انحرافه عن الوسط إلى أحد الطرفين كان التشريع رادا إلى الوسط الأعدل لكن على وجه يميل فيه إلى الجانب الآخر ليحصل الإعتدال فيه فعل الطبيب الرفيق يحمل المريض على ما فيه صلاحه بحسب حاله وعادته وقوة مرضه وضعفه حتى إذا استقلت صحته هيأ له طريقا في التدبير وسطا لائقا به فى جميع أحواله" ج2ص163. أليس في هذا الفقه ما يدل على وجوب التشدد حين ظهور الفسق بإطلاق، لحمل الناس على الوسط الأعدل؟ وهل هناك فسق وخروج عن الوسطية أكثر مما نحن فيه؟

      خيانة البرهاميّ وكفره، من وجهة النظر الشرعيّ، أوضح من أن يُستدل عليها، وإلا فإنه ليس للكفر باب مفتوحٌ في عصرنا، كما يحب أن يروّج أهل الرحمة والقلب الحنون.

      لا أدرى والله بم أبدأ، في توصيف حال هذا الخائن العميل. والله أخجل من أن أنبه أمثال بعض هؤلاء "الدعاة" لمثل ذلك الأمر، إذ لا أراهم إذن إلا أقل من طلبة علم، بل هم هنا أشبه بمن يرجون طلب العلم، دون محاولته إبتداءً.

      كفر الرجل يثبت قطعياً من رضاه ومشاركته في دستور كفر، لا نعرف وثيقةً أبعد في الكفر منه. وليس لمن ينكر كفر هذا الخبيث إلا أن يوافقه على أنّ هذا أمرٌ من باب الضرورة، وهو الإدعاء الذي خرج به هذا المأفون أخيراً على الناس. وإدعاء الضرورة وأكل الميتة هنا لا محلّ له إلا عند المغفلين من البشر، عوامهم ودعاتهم على السواء. فالضرورات لها حدودها وضوابطها، ثم أيّ ضرورة في المشاركة في هذا الكفر البواح يراها أمثال من ينكرون كفره؟ أوُضع المسدس على جبهته؟ أم أخذت عياله إلى المذابح والسجون، أم جُرّد من ماله كله؟ أتصح الضرورة في الكفر الظاهر بالفعل لا بالقول؟ ثم كيف يصح هذا الإدعاء وهناك ملايين غير هذا المأفون، عوام ودعاة، ممن لم يشارك لا قولاً ولا تأييداً لهذه الوثيقة الكفرية (إلا إن كان هؤلاء لا يرونها كفرية إتقاء للشبات!!!)، بل ضحوا بأنفسهم وأولادهم في سبيل الوقوف ضدها؟ أترى هؤلاء مسلمون على نفس دين البرهاميّ؟ هذا خلل عقليّ محض.

      ثم يأتي كفره من باب الولاء للكفار، إن سلّم معنا "المُأسلِمون" ذووا القلوب الرحيمة الناعمة بكفر الإنقلابيين العسكريين والعلمانيين. وهذا الولاء لا يمكن لأحد إنكاره إلا من غابت عنه البصيرة كليّة. فالرجل شاركهم مجالسهم، بل أعلن قبول ما اتفقوا عليه من كفر بواح، بل دعا الناس إلى الموافقة عليه، لأنه يحمى الشريعة! ونحن هنا لا نتحدث عن مشاركة في معصية، بل مشاركة في تشريع كفرٍ، والى فيه الهام شاهين وليلى علوى ومحمد ابو الغار وخالد يوسف ووقف في صفهم يدعو للتصويت بنعم!! أيقول أحدٌ أن هذا الرجل مُكره على هذه الموالاة؟ من أين يأتي الإكراه يا سادة؟ ألم يكن في وسعه السكوت؟ أين مناط الولاء المُكفّر إذن؟ أله مناطٌ عند هؤلاء؟ أيكون هؤلاء ممن يقول لا ولاء ولا براء إلا فى صفوف القتال؟ أتكون النصرة في المعركة المسلحة لكنها لا تكون في معركة الصناديق؟ أليست الصناديق اليوم هي أسلحة الناس في المقاومة؟ أيمكن تشبيه فعل البرهاميّ بفعل أيّ من فقهاء السلطان الذين نقرأ سيرهم في كتب التاريخ من نصرة حاكمٍ أو والٍ أو خليفة في ظلمٍ أو فسقٍ أو بدعة على أكثر تقدير؟ أين في هؤلاء من نصر حاكماً في تقنين الكفر البواح الذي لا يختلف عليه مسلمان؟

      يا مُثبت العقل والدين. والله لا يقول بعدم كفر هذا الرجل إلا متلاعب بالدين أو غائب العقل عن ثوابته، في هذا الموضع.

      إن ما قد لا يعرفه بعض من يرون حكم التكفير الشرعي "إسفافاً"، وإن كانت عدم المعرفة ليست بعذر لهم في سوء فتاواهم، أن هذا الرجل قد مدح أمن الدولة طوال حياته النفاقية الدعوية، وتعاون معهم، وعُرف عنه ذلك في أيام سجنه الصوريّ، حين كان يسكن أفضل محل بالسجن، ويتلقى أفضل أكلٍ وملبس، ويُروّج لوثيقة التصالح مع أمن الدولة بين الإخوة الدعاة المعتقلين، ثم خاصة عقب دوره الخبيث في التغطية على قتل سيد بلال رحمه الله لحساب أمن الدولة أيام مبارك.

      أيسمى هذا الذي بيننا وبين البرهاميّ اختلاف؟ أهذا اختلاف آراء يا من يدعى أنّ عنده عقل ودين؟ أيكون من برر الكفر والقتل ودعمه وأباحه ووقف في صفّ من فعل ذلك ووالى الكفار اختلاف سياسي أو فقهيّ؟ وما الحاجة إلى الشدةعليه إذا إذا كان القائل يرى أنه اختلاف فقهي بدلائل شرعية؟ أيظن القائل أنّ السامعين من أصحاب الفهم في الشريعة مغفلين لا يفهمون أنّ هذا التحذير من إنهم سيكونون "أشداء على هؤلاء" و"حاسب يا جدع أنا هافرمهم بعد كده" كما يقال، ما هو إلا من منطلقٍ إرجائي مستتر؟ نحسب والله تعالى أعلم أن هؤلاء سيتحولون إلى جانب البرهاميّ وعلوش وأمثالهما تدريجياً مع الوقت.

      ثم ما لبعض هؤلاء يُخوّن علماءً ودعاة رأوا كفر هذا الزنديق؟ إذ يقول أحدهم، متحدثاً لمن يقول بكفر البرهاميّ "كيف آمنكم؟ لا آمنكم!"؟ أليس هذا دليل على تخوينهم؟ فما لكم تُخوّنون المُخلصين، وتدافعون عن الخائنين؟ أهذا توجه العلماء الربانيون؟

      لكن نحن لا نحكم بكفر مثل هؤلاء الدعاة، كما قد يموّه من لا علم له بقاعدة "من لم يكفّر الكافر فهو كافر"، إذ إن لها شروطها وموانعها التي لا تجرى في ذا المحل. لكن نجزم بخطل هؤلاء وسذاجتهم وجهلهم بالشرع والواقع جميعاً، ولو في هذه الواقعة وحدها، والله أعلم بحالهم في سواها.

      لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك في هذا الموضوع، لا أرى من تفاهة غرضه، لكن وَجب التنويه، والتحذير من تلك الفتاوى "الشوكلاتية"، التي تروق لأمثال على جمعة وأحمد الطيب والبرهامي، وسائر من يستخدمون لفظ "التكفير" أو "الإرهاب" ليغسلوا عقول العامة من آثار الإسلام بالتمام.

      ولعل أحدهم أنْ يتفضل علينا بنشر تفصيلٍ شرعيّ في مناط البرهاميّ الخاص، ليدل على عدم ردّته، ولا أظن أحداً سيفعل، لعل أمثالنا يرتدع عن الحكم بردته، ونتوب إلى الله من زلتنا.


      [1]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72465

      [2]  "مأسلِماتي، هي عكس تكفيريّ، وهو الشخص الذي يُسبغ صفة الإسلام على كلّ من هبّ ودبّ، ضارباً بالدليل الشرعي عرض الحائط.

      [3]  ويتحجج غالبهم بانه "لا مجال هنا لإيراد الأدلة"، او "لا نريد هنا التوسع في الحديث"، أو ما شابه ذلك من حجج يظهر أنها غطاء لعدم توفر الأدلة إلا ما جاء من عمومات قد يموهون بها، ولا يوردونها منزلة على مناط أقوال هذا المرتد وأفعاله خاصة.