فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الجزيرة .. والمعارضة..

      بين المَنظورين الإسلاميّ والديموقراطيّ 

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      تختلط الرؤى والآراء المُعارضة للنّظام الفاشي العسكري في مصر، والتي تتردّد في السّاحة المصرية اليوم، خاصة على قناة الجزيرة الفضائية، بشأن تحديد أسباب الوضع الحاليّ، وتصوّرات الحلول المعروضة. وتعود تلك الآراء والرؤى المعارضة إلى منظورٍ أساسيّ، هو منظور الديموقراطية، بينما لا نكاد نجد فيها أثراً لمنظور الإسلام.

      ويجب أن نقرر، قبل الحديث عن هذين المنظورين، أن النظام الحاليّ يرفض رفضاً باتاً أية تسويات لا تكون متطابقة تماماً مع أهدافه في مصر، وهي السيطرة الكاملة للجيش على مفاصل الدولة، واعتباره سلطة رابعة فوق السلطات الثلاثة الأخرى، وتحرّره من كافة صور المُساءلة أمام أيّة جهة تشريعية أو قضائية أو تنفيذية. وهؤلاء الذين يدعون إلى تفاوض يحلمون، كأحلام السيسي، ويعيشون وهماً كأنهم يتحدثون عن كوكبٍ آخر لا عن مصرنا هذه!

      المنظور الديموقراطي يرى الأزمة حدثت نتيجة لعدم نضج الشعب المصري ومؤسساته في العملية السياسية الديموقراطية، وأنها منحصرة في تعدى الجيش على حريات الشعب، الذي هو مصدر السلطات، وسيطرته الدموية وإهدارُه للعملية الديموقراطية التي تنبني على الأخذ برأي الأغلبية في مسائل التشريع والتنفيذ على حدٍ سواء.

      والمنظور الإسلاميّ يرى الأزمة قد حدثت نتيجة البعد عن النهج الإلهيّ والشريعة الإسلامية منذ أكثر من قرنين من الزمن، مما أسقط الحسّ الإسلاميّ في نفوس المصريين، وشوّش على التصور الإسلاميّ برمته. فهذا المنظور لا يعبأ بديموقراطية أو أغلبية، بل يرى الأمر كله يعود إلى الله، وإلى شرعه، وإلى دينه. فالحكم ليس للشعب ولا للأغلبية، ولو كانت الأغلبية مسلمة، بل الحكم لله، ولو آمن بذلك فردٌ واحد في الأمة. وهذا لونٌ من الفكر لا يرتضيه أيّ طرفٍ من الأطراف الموجودة على الساحة، سواءً الإخوان، أو المعارضة، أو العلمانيين أو المرتدين، أو الغرب، بلا استثناء.

      ومع معرفتنا بأبعاد المنظورين الديموقراطي والإسلاميّ، كلّ على حدة، فإننا نرى أنّ كافة المعارضين الرسميين، الذين يظهرون على الجزيرة، يخلِطون، في حديثهم عن الإنقلاب وأسبابه والحلول المقترحة بشأنه، بين هذين المنظورين خلطاً شديداً، إن دلّ على شئ فإنا يدل على اضطرابٍ في التصور الإسلامي أساساً في عقل هؤلاء المعارضين، بدءاً من محمد القدوسيّ، ود محمد الجواديّ، شفاه الله، وحاتم عزام في أعلى المنظومة إلى محمد محسوب في قاعِها، بما في ذلك مذيعي الجزيرة أنفسهم. وليس معنى هذا أنّ هؤلاء الرهط ليسوا من أنصار الشرع أو محبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. لكن صفاء المنهج أمرٌ عزيزٌ، قليل أصحابه.

      المشكلة التي تعانيها المُعارضة اليوم، التي تَبُث ابتداءً من الجزيرة، هي أنّ الفصل بين المَنظورين غير واضحٍ ولا محددّ في عقول هؤلاء المُعارضين، بلا استثناء. فهم، بطبيعة الحال، ينقدون السيسي ونظامه، وينصرون الشرعية وعودة د. محمد مرسى. لكن المثير في الأمر أنّ هذه المعارضة، كلها بلا استثناء، من أنصار الحلّ الديموقراطيّ، واللجوء إلى الصناديق، دون تزييفها بالطبع. فهم بين إخوانيّ أو مؤمن بالنهج الإخوانيّ.

      وقد خلط هؤلاء، كعادة الإخوان ومن تأثروا بهم، بين المنهجين، ولم يروا، من شدة الضبابية المنهجية التي وضعتنا فيها القوى الإرجائية خلال العقود الماضية، والبصمة الثابتة التي تركها المنهج الإخواني في العقول والنفوس، لم يروا الفرق واضحاً.

      تجد المعارضين يتحدثون عن انحراف السيسي، وبشاعة جرائمه، لكنهم لا يتحدثون عن كفره الواضح الجليّ، من باب الولاء والبراء، ومن باب تحطيم الشريعة في دستوره العلماني الشركيّ. تجدهم، بلا استثناء، يتحدثون عن الشرعية الدستورية، وعن ضرورة أن تعود البلاد إلى المسار الديموقراطيّ، دون إشارة إلى المنظور الإسلامي الذي ينبذ الديموقرطية أصلاً، ولو جاءت بالإسلام فعلاً. فهذا المنظور مُهملٌ منبوذٌ من كافة القوى، الشِّركية العسكرية والمعارضة الديموقراطية على السواء.

      وأكثر هؤلاء تطرّفا، على سبيل المثال، محمد محسوب، نائب رئيس حزب الوسط، المنشق عن الإخوان. فتجده، حين يتحدث عن الحلول، كأنك تسمعُ لعلماني معتدلٍ، يريد دولة "ديموقراطية، مدنية، حديثة، كما يسمونها. وهو المنطلق الإخوانيّ الذي خرّب البلاد، وأضل العباد، وأظهر الباطل على الحق، وتسبب في قتل الكثير من الخلق.

      تجد كثيراً منهم، يتناولون أمر التغيير، دون أن يكون لهم توجّه إسلاميّ صحيح يسعى اليه هذا التغيير الذي يتحدثون عنه. بل ولا تجد كلمة واحدة عن المنهج الإسلاميّ في حديثهم عن التغيير. بل إنّ مطالبتهم بمقاطعة الدستور تقوم انطلاقاً من عدم شرعية الجهات القائمة عليه، وعدم اعترافهم بها، لا على أساس أنه دستور شركيّ خارجٌ عن ملة الإسلام، يعتدى على حقّ الله في الحكم والتشريع.

      ومن نافلة القول أن نقرر هنا تبني هذه المعارضة، بلا استثناء، لمبدأ "سلميتنا أقوى من الرصاص"! وتراهم يفرون من الحديث عن أيّ لونٍ من ألوان المواجهة أو حق الدفاع عن النفس ودفع الصائل فرار الدجاج من ابن آوى..هذا، مرة أخرى، خلل أصيلٌ في فهم المنظور الإسلاميّن بل وفهم طبيعة المشكلة على الأرض، وسبيل حلها الأوحد. فهم يعرضون صور التقتيل والتعذيب والاعتقال، كلّ يوم، بل كلّ ساعة، لكنهم، يجبنون عن عرض الحل الذى لا حلّ سواهن لمن حمل علينا السلاح وقتل الأنفس وهتك الأعراض.

      ولا نلوم في هذا الموضع، مذيعي الجزيرة، فهم مأمورون موَجّهون، يتحركون في مساحة ضئيلة يَحدّها لهم مجلس إدارتهم، إن تَجاوز أحدهم هذا الحد المرسوم، وإن كنا نعتقد أنهم يؤمنون بذات التوجه "الإسلاموقراطي".

      هذا التوجّه لدى المُعارضين جميعاً، دون استثناء، يثير في نفس المسلم أشدّ القلق، بل يجعل الأمل في التغيير الحقيقيّ شبه معدومٍ. بل إن أدّت هذه المعارضة إلى شئ فستعيد كَرّة الهزيمة التي تسبب فيها ذات النهج الإخواني.

      الأمر المُحزن هو أن هذه المعارضة لا تزال تُكرّر الخطأ العقديّ الذي يجعلهم أبعد عن النهج الإسلاميّ، الذي لا شك في أنهم، بلا استثناء كذلك، لا يعرفونه بما يكفي لتَبَنِّيه. بل هم منه في ضبابية، بل وفي ريبٍ من جدواه، بل وفي معارضة نسخته الصافية الخالية من التكدير البدعيّ والعلمانية المستترة.

      ولا أظنّ أن الجزيرة تحتمل استضافة من يعرِض النهج الإسلاميّ الصافي بلا تكدير. بل هي تقود المُعارضة التي تخلط حابلاً بنابل، وإسلاميّ بعلمانيّ ديموقراطيّ. وهذا هو جوهر الانحراف عن طريق النصر، وما يجعلنا لا نرى أملاً فيما تحمله هذه المعارضة المخلّطة.

      لقد رأى أصحاب النهج الإسلاميّ السوي، والذي صغناه من جهتنا في التيار السنيّ لإنقاذ مصر في يناير 2102، دور العسكر، منذ اللحظة الأولى لحركة يناير، وحذّرنا مِنْ تبني الإخوان لمنهج ضبابيّ مخلط كهذا الذي وصفنا[1]، قبل أن يتحدث فيه أحدٌ من الخلق. وها نحن نعيد الحديث اليوم، بعد وقوع الكارثة. لكن، قَلّ المُستمع وعَزَّ المُنتصح.

      هداهم الله.


      [1]  كتبنا خمسة وثلاثين وخمسمائة مقال في هذا الشأن منذ 15 نوفمبر 2010، كما أصدر الشيخ هاني السباعي أكثر من مائه تسجيل وضحنا فيه هذا الخلل، وسبل علاجه، دون أن نجد صدى لما نقول.