الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ألعاب التجويع"[1]، قصة من أروعِ كتب الخيال العلميّ، نشرتها سوزان كولينز عام 2008، في ثلاثة أجزاء متتابعة، تحكى قصة سيطرة العسكر، والنخبة، واستعباد الشعوب، وتقسيمها، وتجويعها، وقتل المُعارض فيها بلا رحمة، وتصيّد المُتميزين منها بالقتل، لعباً واستهزاءً. وفي جزئها الثالث، يدرك الناس أن الثورة المنظمة المسلحة على الظلم، هي السبيل الوحيد للعيش الكريم. لذلك تجد شعار الكتاب طائرٌ محبوسٌ في دائرة، مطأطأ الرأس، لكن يمسك بمنقاره سهم، ليفهم الأريب، غير الإخواني مقصد الكاتبة!
وهي، وإن كانت قصة خيالية، إلا إنها تعكس طبيعة الصراع التي تخوضه الأمم كافة ضد طبقة النخبة، التي تتوارى خلف المؤسسات الإقتصادية الكبرى، وتعمل على أن تجعل الشعوب مستعبدة للوظيفة وللبنك، وترسم خطوط الإقتصاد وملامحه، في صورة أسعار العملات، وسياسات النقد، وصناديق الائتمانات الحكومية، وسعر الفوائد، وسائر تلك المعدلات التي تحار في فهمها عقول الخبراء، بله العوام. لكنها كلها تهدف اولاً وأخيراً إلى السيطرة الاقتصادية على الشعوب، شرقية وغربية على حدٍ سواء.
وما يجرى اليوم في مصر، على أرض الواقع، هو صورة في المرآة لما تحكي تلك القصة الخيالية، وكأن كاتبتها، كانت تتوقع ما سيحدث على أرض العرب.
تفتيت مُمنهج للشعوب، والعسكرية تحكم البلاد، وتقتل وتعتقل الأحرار من المعارضين، وتفتك بأبناء الشعب بلا رحمة، وكأن قواتها غازية في سبيل الشيطان، تريد الإذعان الكامل الذليل لأكثر من أربعين مليوناً من البشر، بعد أن خضع لها ورضي بكفرها أربعون مليوناً ممن يتسمون بأسماء المسلمين، وهم مرتدّون على أعقابهم كافرين بشرع الله ورسوله.
وتسير النخبة العسكرية، والعلمانية المتواطئة معها، على درب الوحشية والقمع، لا تتوقف ولا تتردد. بل تقتل وتسفك الدماء دون تفكير في عواقب. وما ذلك إلا لأنهم عرفوا أنّ شعار الناس "سلميتنا أقوى من الرصاص"، فهم آمنون من الردع والمجابهة، ومن أن يتعرضوا لأي خطرٍ مهما كان. يعرفون أنهم يواجهون أهدافاً سهلة كأنها شواهد التدريب الثابتة التي يتدرب عليها الرماة في حلقات الرمي. بل لا أشك أنهم يتراهنون على عدد من يصيبون كلّ يوم!
المثير في الأمر، أنه حتى هؤلاء الكتاب من غير المسلمين، عرفوا أنّ الحديد لا يفله إلا الحديد، أن القوة لا يردعها إلا القوة، وأن السلاح لا يواجه إلا بالسلاح، فكانت خاتمة كتاب كولينز هى سيطرة الثورة على البلاد عن طريق المقاومة المسلحة المنظمة. وهذا، وإن كان قصة خيالية، إلا إنّه يعكس مبدأ وتصوراً شائعاً بين أبناء آدم، أن الحديد لا يفلّه إلا الحديد، أن القوة لا يردعها إلا القوة، وأن السلاح لا يواجه إلا بالسلاح، وأنّ ّالرصاص أقوى ألف مرة من السلمية.
ولا أدرى ماذا يخشى من يقودون الناس اليوم عبر أوهام السلمية أن يحدث أكثر مما يحدث بالفعل، إن تبنوا فكرة أنّ "الرصاص أقوى من سلميتنا"؟
هل يعتقدون بالفعل أنّ صناديق الأوراق الإنتخابية أقوى من صناديق الذخيرة الحية؟ أليس هذا في حقيقة الأمر هو خيالٌ، لكنه غير علميّ؟
إن طبيعة الصراع بين الشعوب ومستعبديها تعتمد على مدى الإستسلام الفكريّ للعبيد، ومدى فهمهم لطبيعة ذاك الصراع، ومواطن القوة والضعف في عدوهم. فإن تبيّنت لهم الصورة واضحة، لم يكن بدٌ من المقاومة المسلحة، دفاعا عن النفس، والتي تغيّر الواقع على الأرض، مهما كان الثمن.
[1] "The Hunger Games", by Suzanne Collins