فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تجربتي مع السرورية .. بعض من تاريخها

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لعل ما ألجأني اليوم إلى أن أتحدث عن أمورٍ مرّ عليها ما يقرب من ثلاثين عاماً، هو ما نشره أخ يُدعى أبو الملك الشرعيّ[1] عن "السرورية"، وما ذاع عن أنّ هناك من جماعات الجهاد من أنشأ قائمة لمشايخ ينسبونهم للسرورية، إن ظهر منهم نقد للجهاد وجماعاته.

      أتحدث عن السَّرورية، دون أن أدّعى أنني أعرف كلّ ما كان يدور وراء كواليس الأحداث في هذه الجَماعة، لكن أتحدث من منطلق إنني على علمٍ بالكثير عن فكرهم وحركتهم، إذ عايشت شيخ هذه الجماعة محمد سرور زين العابدين، مدة ثلاث سنوات، كنت فيها ملازماً له في لندن، بشكل شبه يوميّ، وعرفت كثيراً ممن كان ينتمى لهذه الجماعة في الثمانينيات من السعوديين والسوريين وغيرهم.

      وتعود معرفتي بالرجل إلى عام 1979، بعد أن نشرت كتابيّ "الجواب المفيد" و"حقيقة الإيمان"، حيث اتصل بي الشيخ محمد سرور في مصر، عن طريق أحد أخواني الأحباء، حفظه الله أينما كان اليوم، وطلب أن يأتي لزيارتي في شقتي بمدينة نصر. وقد كان. حضر الشيخ محمد سرور ومعه الشيخ سفر الحواليّ، وكان أيامها شاباً دون العشرين من عمره. أمضينا ثلاثة أيام كاملة في بيتي أتبادل الآراء، والشيخ سرور، حول قضايا إسلامية كانت تشغل الناس وقتها، ومنها ظهور الروافض على الساحة، وكتابه "وجاء دور المجوس"، وإمكانية توزيعه في مصر.

      ثم، مرت الأيام، وغادرت مصر فاراً من نظام مبارك إلى الأردن، بعد مقتل السادات، حيث كنت، وإخوة لي، من أصحاب النشاط الدؤوب في مجال الدعوة في السبعينيات. ثم استقر بي المقام بعد الأردن والكويت في العراق، عاملاً في مجال إدارة المشروعات التي تخصّصت فيه.

      وكان أن اتصل بي أحد القريبين من الشيخ محمد سرور، بل أقرب الناس اليه، وطلب منى أن أحضر إلى لندن، لحاجتهم إلى تعاونٍ في إنشاء مجلة البيان. وكان أن أجبت، إذ كان الهدف هو الاستمرار في العمل في الدعوة، بدلا من العمل للدنيا.

      ومضت سنوات أعنتُ فيها على إنشاء مجلة البيان، وكتبت في أعدادها الأولى بشكلٍ مستمرٍ، وأعنتُ في صياغتها فنياً، كما أعنت في تقييم مبنى المنتدى الإسلاميّ من الناحية الإنشائية، قبل شرائه، وأقمت دروساً فيه بعد إنشائه. وقد كنت رفيقا للرجل مدة ثلات سنوات، كما ذكرت، بل كان يصحبني في جلّ زياراته وتنقلاته في لندن.

      وفي يومٍ من أيام شتاء 1988، كان أن فاجأني محمد سرور بحضوره لبيتي في لندن، مع بعض الإخوة، وطلب منى يومها أن انضم إلى جماعته، وأبايعه على ذلك، ووعدني بكل مساعدة، وكرّر لي إعجابه بأسلوبي في الكتابة وطريقتى المنهجية في التفكير. فكان أن تردّدت، وذَكّرته أنني لا أحب أن أكون تحت أية قيادة مهما كانت، وأنني صاحب فكرٍ ومنهج مستقل، بيّنته في كتبى، وعشت به وله أربعة عقود متتالية. فغضب الرجل، وهاج وماج، وخرج مهرولاً من البيت. ثم أصدر أوامره لتلامذته بعدم الحديث معي أو حضور دروسي. وانقطعت بيننا الصلة من يومها إلا حين اتصل بي بعد حوالي عشر سنواتٍ، في بيتي بتورونتو، يحكى لي عن أمراضه وعلله! وكان ذلك قبيل وفاته بفترة قصيرة.

      المهم في هذا الأمر، أنّ عشرتي للرجل، جعلتني أعرفه معرفة تامة، والتحقق من وسائله، وطرق فكره، ومناهج بحثه، وتعامله من الناس.

      الرجل كان من الإخوان، كما هو معروف، ثم خرج عنهم لسبب يتعلق بتقديرهم لمكانته، كما يراها، وتوليته مناصب معينة، لا لخلافٍ فكريّ كما قد يشاع.

      ولا نريد أن نُجَرّد الرجل من كلّ فضلٍ، بل قد عمل جهداً كبيراً في مجال الدعوة إلى الله، وأصلح كثيراً من الشباب، خاصة في جزيرة العرب، في السّبعينيات خاصة. لكنّ هذا مما يشكر الله له سبحانه، ويجازيه به إن شاء الله.

      لكن نقول أولاً أنّ الرجل ليس بذاك في العلم الشرعيّ، بل هو، إن صَنّفناه، من متوسطي الرتبة في طلبة العلم، تشهد على ذلك كتبه التي تعتمد على جمع المعلومات ابتداءً، ولا تكاد تجد فيها أثرا لعلم شرعيّ أصيل. وكانت عملية جمع المعلومات في مكتبه بدار الأرقم بلندن، عملية منظمة دقيقة، يقوم عليها عددّ من طلابه، وكان غالبهم من السعوديين المُبتَعَثين للدراسة في لندن، ومنهم كثير من الأسماء المعروفة اليوم، لا أريد أن أذكرها لعدم الحاجة إلى ذلك.

      والرجل يعمل بطريقة مُخابراتية، تعتمد على التَجسس وتسجيل المكالمات، حتى بين من هم في صفه، فقد طلب منى في يوم من الأيام أن أجلس اليه لأتحدث عن الشيخ عبد المجيد الشاذليّ رحمه الله، وعما أشيع من أنّه يقول بالتبين والتوقف، فكان أن جلست اليه ساعة أبيّن له أصل المسألة ومعناها، وبراءة الشيخ منها، ثم لمحت في آخر لقائي به أن هناك جهاز تسجيل يعمل تحت الكرسي الذي كنت أجلس عليه، وأقسم بالله سبحانه على صدق ما أقول. ومن هنا رماني الشيخ، بعد خلافي معه، بأنني من أهل التوقف والتبين، في كتابه الثاني عن التكفير وأهل الغلو، كما ذكر لي أحد الطلبة السعوديين الملازمين له في مؤتمرٍ كنت قد دعيت للحديث فيه، في التسعينيات في كولورادو، وهو كتاب في غاية الفقر من الناحية الشرعية ابتداءً.

      كما أن الرجل يتمتع بغلوٍ في تقديره لذاته، وعظمة ما يكتب، وروعةُ دوره في الدعوة، وخبث مخالفيه مهما كانوا.

      يجب، حين نقيّم الرجل، أن نذكر أنه تربية إخوانية، قلباً وقالباً، ومن هنا ترى في منهجه الفكري شبه تطابق مع الفكر الإخوانيّ، مع بعض التعديلات التي ألجأه اليها اضراره لإيجاد نقاطٍ تُبرّرُ انشقاقه عن الإخوان. لكنك تجد رأيه في الحُكام هو على وفق نهج الإخوان الإرجائي، وهو رأي من هم على طريقه ممن عرفت من القريبين له.

      من هنا، فإننا لا نرى أن هناك نهجٌ منفصل يسمى السرورية، بل هي إخوانية معدّلة، لتناسب هوى من أنشأها، لا غير. كذلك يجب أن نفهم منطق محمد سرور في التهجم على بعض الجماعات الجهادية، إذ لا يزال نهج الإخوان في رفض الجهاد شكلاً وموضوعاً، يحكم فكر سرور في النظر إلى الجماعات الجهادية، وإن كان أخف من النهج الإخواني قليلاً ليكون هناك تمايزاً يبرر الخلاف كما ذكرنا.

      وما نرى إلا ألا يوصم كل ّمن نقد الجماعات الجهادية بأنه "سُروريّ". هذا لا يصح على الإطلاق. بل هؤلاء فيهم من المعايب والانحراف ما فيهم، ولكن لا دخل للسُرورية المُدّعاة في انحرافهم هذا، وإلا وصمنا كل مرجئ بأنه إخوانيّ، وهذا باطلٌ لا شك فيه.

      ونسأل الله السلامة ونتوب اليه من الزَلل.

       

      [1] http://www.twitlonger.com/show/n_1rt13c9