فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عودة إلى مجاهدي العراق والشام

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      نعود مرة أخرى إلى حديث الجِهاد والمُجاهدين، وما أحبه إلى نفوسنا، بعد أن عجزت عن القيام بحقه أجسادنا، والله يخلق ما يشاء ويختار.

      المقاتلون على أرض الشام صنفان، صنفٌ علمانيّ ملحدٌ تابع للغرب بإطلاق، وعلى رأسهم سليم إدريس وأتباعه فيما يُعرف بالجيش الحر. والصنف الثاني هم المسلمون السنيون الذين يقاتلون ضد النظام العلوي ويسعون لإقامة دولة إسلامية بديلة له، بشتى فصائلهم وانتماءاتهم، وعلى رأسهم اليوم "دولة العراق والشام"، و"جبهة النصرة"، ثم الوليد الجديد "الجبهة الإسلامية"، الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، والمُخلص بغيره.

      أعود لأنبه من اطّلع على مقالنا السابق من قبل في هذا الشأن، أننا لا "نخوّن" مجاهداً، يحمل السلاح في وجه أسد الكفر بشار، ليقيم دولة الإسلام، إلا من ثبت بدليل قاطعٍ خيانته، وهو ما لم نره إلى يومنا هذا بين المجاهدين، صراحة. قلنا بالحرف الواحد "وإني والله لأستعيذ بالله من أن أُخوّن من ليس بخائنٍ، ولا أدّعى الدخول في النوايا، وأستغفر الله إن كان وقع منى ذلك بغير قصد. لكن المؤكد الذي لم ينكره أحدٌ هو أن زهران علوش، و"جيش الإسلام" من ورائه، على علاقة بآل سلول، وببندرهم على الخصوص، كما انّ جبهتهم الجديدة التي تضم الجيش الحرً، الذي يقوده من يعرف الكلّ توجّهاتهم"[1].

      وحتى أوضح موقفى تمام الإيضاح، أعود إلى الحديث عن تلك الجبهة الإسلامية، والغرض من إنشائها، ومن دعم السلوليين لها. مع التنبيه إلى أنّ هناك فرق بين الغفلة في التعامل مع الأعداء، وعدم التبصر بعواقبه وضعف قراءة التاريخ، وبين الخيانة والتآمر ضد الإسلام والمسلمين، وهو ما أحسبه الفارق بين زهران علوش السوري وبين ياسر برهامي المصريّ، والله تعالى أعلم.

      أود أن أعود بالقارئ إلى مقال غاية في الأهمية، نشرته التايمز الإنجليزية في عددها الصادر في 5 ديسمبر 2013، بعنوان "الغرب يمد يديه تجاه الإسلاميين في سوريا، عقب تمدد القوة الجهادية"[2]. وسأقوم هنا بترجمة المقال لأهميته في تصوير خطوات الغرب، وتصوراته عن الوضع العام في سوريا.

      "عقد مبعوثون من الغرب عدة اجتماعات مع المعارضة الإسلامية في سوريا، في محاولة لتأمين مشاركتهم في مبادرة دولية للسلام ، وضمان دعمهم ضدّ قوة القاعدة المتنامية هناك.

      وهذه التحركات هي اعتراف ضمنيّ بفشل الفصائل العلمانية المدعومة من الغرب في الحرب، حيث تتمدد السيطرة الإسلامية الجهادية في أنحاء البلاد. وهو ما حدث بعد أن تشكلت "الجبهة الإسلامية"، وهي جبهة مدعومة بالسعودية، تسعى إلى إقامة حكم إسلاميّ في سوريا، ولكنها تناهض فكرة عالمية الجهاد.

      وتشمل هذه الجبهة الإسلامية، سبعة فصائل إسلامية، تمثل حوالي نصف القوى المقاتلة، ولكنها لا تشمل الفصيلين المرتبطين بالقاعدة، وهما "دولة العراق والشام" و"جبهة النصرة".

      ويرى الغرب أنّ تصاعد قوة هذه الفصائل الجهادية، أخطر من نظام الأسد، حيث يخشى أن ينشأ وَكرٌ يَحمى الفِكرة الجِهادية، خلال تلك الفوضى التي تخلفها الحرب الأهلية في سوريا، ومن ثم يمكن أن تهاجم الغرب من خلاله.

      وعل كل حال، فإن الغرب لم يَقُم بعد بأي خطوات عملية للتعاون مع هذه المعارضة، رغم تنامي قوتها على الأرض، وتضاؤل تأثير القوى الموالية للغرب، المتمثلة في الجيش الحر والمجلس القومي السوري.

      وهذه المبادرة التي ذكرنا، هي لمحاولة إقناع الإسلاميين بالاشتراك في محادثات جنيف في الشهر المقبل. ويخشى الغرب أن أية اتفاقات يصل اليها المجتمعون هناك لن يكون لها أي أثر على الأرض دون دخول هذه القوى في العملية السلمية، حتى دون اشتراكهم في العملية السياسية الحزبية.

      وتقول مصادر حكومية سعودية أنّ هذه الجبهة الجديدة قد صُمِّمَ غرضها في الرياض ليس فقط لوقف تمدد نفوذ القاعدة (في الشام)، لكن كحكومة بديلة منتظرة للمجلس القوميّ السوري الساقط.

      وتقف السعودية كذلك خلف تكوين "جيش الإسلام" في سبتمبر الماضى، وهو الجيش الإسلاميّ الأول في سوريا الذي اجتمع على قيادة واحدة، وهو الذي يعمل الآن كجناحٍ عسكريّ للجبهة. وقد رفض الجناح أية مشاركة للقاعدة، كما رفض أيّة سيطرة علمانية من الجيش الحر أو المجلس القومي السوري، اللذين يدعمهما الغرب، ويفقدان السيطرة بسرعة لصالح المعارضة الدينية.

      يقول مصدرٌ أمني غربيّ في الخليج: هذه الجبهة، مع جيش الإسلام في محورها، هي رأس المعبر الذي تنشؤه السعودية لمحاربة الأسد والقاعدة معاً. وهذا التكوين الواضح المنظم سيساعد في هذا الغرض عن طريق ضخ أموال وعتاد له، مع ضمان أن يبقى في اتجاهه المرسوم.

      وتريد السعودية أن تقوم مقام إيران كمصدّر للقوى (في المنطقة)، لكنها تخشى تمدد نفوذ القاعدة التى ستُنشأ موضع قدمٍ هناك في تلك الدولة المتساقطة. ومن ثم تتحرك (السعودية) لدعم الجَبهة وجيش الإسلام، مما أدى إلى تحسّس بعض الدوائر الغربيّة من تمدد قوى إسلامية معادية للعلمانية.

      وقد صدر ميثاق الجبهة الإسلامية في الشهر الماضى، يدعو إلى إقامة دولة إسلامية وتطبيق الشريعة ويرفض بحزمٍ كلّ أشكال العلمانية والدولة الديموقراطية". انتهى.

      هذا المقال، على ما أحسب، يمثل وصفاً أكثر دقة للوضع في الشام من أية مصادر أخرى تتحدث عن هذا الوضع، ويتناسق مع التصنيف الذي وضعنا في بداية مقالنا هذا للمجاهدين في أرض الشام.

      الخلاصة التي يخرج بها الناظر هنا هي كالتالي:

      1. أنّ الغرب لا يدعم أية جبهاتٍ إسلامية، بعد، لخشيته من نتائج هذا الدعم.
      2. أنّ الغرب أكثر ليناً تجاه الجبهة الإسلامية منه تجاه دولة العراق والشام أو جبهة النصرة، لعلاقتهما بالقاعدة، سواءً فكراً أو ارتباطاً.
      3. أن السعودية تموّل الجبهة لتكون رأس حربة ضد القاعدة، وتكون موالية لها، وللغرب بالطبع، إن قامت حكومة إسلامية في الشام، وتحميها من تمدد الجهاد إلى أرضها أو إلى الغرب.

      التساؤلات التي تبرز هنا هي:

      1. لماذا يقف جيش الإسلام هذا الموقف من القاعدة؟ أهو خلافٌ عقديّ، كأن يكون زهران علّوش من سلفيّ السعودية، أم أن القاعدة لديها خلل عقديّ لا نعرف عنه؟
      2. هل يمكن أن تُموّل السعودية جيشاً يحاربها أو يحارب الغرب مستقبلاً، بأي شكلٍ من الأشكال؟ وهل تقوم بالتمويل والتسليح بناءً على افتراض ليس لديها "أية" تأكيدات عليه؟
      3. كيف يمكن ربط هذا التمويل السعوديّ للجبهة، مع تمويلها ودعمها لنظام السيسي العلماني الملحد في مصر، مع احتضانها للفارّين من رؤساء الدول الساقطة في الربيع العربيّ؟
      4. لماذا لم تُقدِم السعودية على هذا التمويل في وقت الحاجة اليه مع بدء الجهاد، وانتظرت حتى أصبح المجاهدون يمثلون أكثر من ثلاثة أرباع المعارضة، ويسيطرون على الكثير من الأراضي بالفعل، قبل إنشاء جيش الإسلام في سبتمبر الماضى؟ أين كان تمويل وتسليح ودعم السعودية وقتها؟

      العديد من الأسئلة تُطرح هنا، وتشير إلى إجابة واحدة، وهي أن الدور السعوديّ يَقصِد إلى تطويق المجاهدين وإخضاعهم لسيطرتها، وإن قالوا في مواثيقهم ما قالوا، فحسابات البنوك لا تزيد ولا تنقُص بمواثيق.

      كما أنها تشير إلى خللٍ في فهم مقاصد الجهاد وعمومية الخطاب الإسلاميّ من قِبَلِ قادة جيش الإسلام، بل وإلى بدعية في تناول الفهم الإسلامي على الجملة.

      والغريب هنا أن يدخل جيش الإسلام تحت مظلة واحدة مع الجيش الحر! ولو ليومٍ واحد!! هذا ما لا يفهمه أمثالي من أصحاب النظر المحدود بحدود الشريعة والحكم بالظاهر. فإنّ المُتعللين بالحكم بالظاهر، يقولون نحكم على ظاهرهم من ميثاقهم، ونقول وماذا عن انضوائهم تحت إمرة سليم إدريس، أليس هذا بظاهرٍ أيضا؟ فإن تعارضت الظواهر، فهنا يأتي عقل الفقيه النحرير ليُقدّم أحد الظواهر على الآخر تبعاً للتاريخ والوقائع المماثلة.

      إنه من الواضح هنا أن جيش الإسلام يتململ من قضية الشّراكة مع الجيش الحرَ، كما اتضح في انسحاب زهران علوش وأحمد الشيخ من هيئة أركان الجيش الحرّ[3]، لكنه مقيّدٌ بارتباطه مع الجبهة، لدعم السعودية لها، وله. والسعودية لا مانع لديها على وجه الإطلاق واليقين أن يكون الجيش الحرّ أحد مفاصل الجبهة، فهي تدعم العلمانية الصِّرفة إن تمكّنت من ذلك، كما هو الحال في مصر. لكنّ الوضع في سوريا يجبرها على تبنى ما لا تحبه من تمويل بعض الإسلاميين، على شريطة أن يكونوا على عهدهم في تبعيتهم لها يوم يتولوا السلطة.

      هذه نظرات نحسبها أكثر وضوحاً وأسبر غوراً للموقف الحاليّ في سوريا، والله تعالى أعلم.

      [1]  http://www.tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72464

      [2]  “West reaches out to Syrian Islamists as jihad threat grows”، http://www.thetimes.co.uk/tto/news/world/middleeast/article3940076.ece

      [3]  وأن كنّا لا نفهم موضع اشتراكهما فيه أصلاً!