فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المسلمون .. وفقه الغفلة عن الكوارث

      • مجرد رأي
      • 1754 قراءة
      • 0 تعليق
      • 15:50 - 01 ديسمبر, 2013

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      من أشدّ الأدواء التي يقع فيها بعض أهل زماننا، من المخلصين الواعين، عدم الإعتبار بالماضى، لا القريب ولا البعيد.

      هؤلاء قد أُشربوا فقهاً جديداً هو "فقه الغفلة عن الكوارث حتى وقوعها". وهو فقهٌ جاء من أصلٍ صحيحٍ،  تعلّموه في مساجدهم ومن آبائهم ومشايخهم، أنّ المسلم الطيب يُحسن الظنّ بأخيه، وأنه يجب أن نأخذ الأمور على عِلّاتها، فمن قال خيراً أخذناه بما قال، وأعطيناه ظهورنا آمنين، حتى يأتينا اليقين!

      وهذا من أعيبِ ما يمكن أن يُصيب مسلماً. وأخصّ بالذكر هنا ما يتعلق بما يسمى "الجبهة الإسلامية" في شامنا الحبيب، وما يقع في مصرنا من "جبهة دعم الشرعية" وفلول الإخوان.

      إن طيبة القلب وإحسان الظَنّ أمرٌ حَسنٌ يعكس نفسية طيبة سمحة تُحب الخير ما يكفيها أن تظنه في كلّ الناس، ولا تعرف الشر ما يكفيها أن تغفل عنه في كلّ الناس. لكنّ هذه النفسية لا تصلح في قيادة، ولا تصلُح في توجيه أمر الناس في أيامنا هذه المنحوسات.

      إنّ الأصل الذي يرجع اليه هؤلاء، يجب أن يضاف اليه نظرٌ بالواقع، العام والخاص. فالواقع العام يعنى ما انتشر من طبائع في الخلق، سواء شَرعية أو عادية. فمن الشرعية اعتبار البدع كالإرجاء أو الإعتزال، ومن العادية ما انتشر في مجال السياسة الحزبية من تنازلاتٍ، تحت أيّ تعليل كان، كما كان من الإخوان أو من غير الإخوان. ثمّ الواقع الخاص، وهو ما يختصّ بجماعة بذاتها، أو قائدٍ بعينه، إنْ عُرف عنه شُبه إرجاءٍ أو تَسلّف مَشبوه.

      فإنْ اعتبرنا هذه الطبائع، وعرفنا انتشارها في واقعنا، ورأينا أثرها في تجمعاتنا وبين شعوبنا، وما خلّفته من آثارٍ مدمرة، وجب أن نستصحب أصل الإرتياب، إن شهدت القرائن على تلبّسٍ بما ذكرنا، وكان الأصل حينئذٍ هو استصحاب سوء الظن، حتى يثبُت العَكس، كما أشار إلى ذلك أبو بكرٍ بن العربيّ.

      كذلك فإنه ينتهِضُ في هذا المجال دليل آخر قلّ من يعتبره من النظار في هذه المسائل، وهو دليل سدّ الذريعة، الذي قال فيه الفقهاء أنه ربع الشريعة. وتفصيل ذلك أنّ التصريح بإمكان التعامل مع مثل هؤلاء ممن دَخلتْ عليهم شُبهٌ من تلك الطبائع ذريعة إلى تقوية شوكة منْ قامت عليه شُبَهٌ، وإضعاف شوكة من عرف عنه إخلاصٌ وتجرد، وهو مضادٌ للشريعة ومقاصدها، فوجب سدّ هذا الباب من أصله، خاصة وهناك من التجمعات والإئتلافات ما فيه غناء عن مثل ذلك التجمع المشبوه.

      أليس من الخطل في الرأي والعطل في النظر أن نرى تجمعاً يقوده سليم إدريس، ثمّ نُثنى على ميثاق له مكتوب بحبرٍ على ورق؟ أتراجَع إدريسٌ عن منهجه؟ أم انحرف المجاهدون عن منهجهم؟ أم تُرى يجوز للحق والباطل أن يتعاونا فيخرج منهما خير للمسلمين؟ هذا من باب إحسان الظنّ المُفرط في غير موضعه. بل هذا والله عجبٌ عجاب، ونظرٌ يقوم على سراب.

      إن فقه "ترقب الكوارث حتى تقع" هو فقهٌ أدى بالمسلمين إلى ما هم فيه اليوم من خراب ديارٍ وتشرد عيالٍ وسفك دماءٍ وسلب أموال. إن التحسب للكوارث، التي غالباً ما تأتي من تزيين الشيطان للباطل أنه حق مشروع، وأنه إتّباع للنصوص والأصول، وأنه من باب حسن الخُلق والتربية والتسامح، خاصة إن صَحب ذلك بعض "التحذير" وقليل من إبداء "القلق من النتائج"، الذي لا يعمل إلا ما يعمله رشّ بعض الملح على الطعام الفاسد ليكون مستساغاً في حلوق الطاعمين، أقول إنّ هذا التحسب يجب أن يكون بالوقوف عن تأييد مثل تلك التّجَمعات، والتوقف عن إعطاء ذريعة لتقوية شوكتها، ونحن في شكٍ، أيُّ ظَهرٍ ستطعن هذه الشوكة بعد. ويكفي هنا الشكّ، فإن اليقين فيه لا يكون إلا بعد وقوع الكارثة. بل لا يكون هذا إلا بالشك وحده، إلا إن كنا من دعاة وفقهاء "الغفلة عن الكارثة حتى وقوعها".

      اللهم وفق دعاتنا وعلماءنا إلى سداد النظر وصحة الرؤية ودقة الإستنباط وعمق البصيرة، والبعد عن السطحية والظاهرية والبساطة في إعتبار الأمور، فإنه إن كان هذا مقبولاً من عامتنا، فهو كارثة محققة إن كان في علمائنا ودعاتنا.

      ولا أقول ذلك إلا من باب توجيه شبابنا، وتذكير مشايخنا، وفيهم أفضل منى، لا أشك في ذلك.