فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تعقيبٌ على مقال نصيحة للمجاهدين

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أما بعد، فقد تواصل معيّ أحد الدعاة المعروفين من المخلصين الواعين، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، بشأن ما كتبت في مقال "نصيحة للمجاهدين في العراق والشام". وقد تركّزت تساؤلاته حول موقفي من تلك الجبهة التي تكونت حديثا باسم "الجبهة الإسلامية"، حيث قلت "وننبه إخواننا إلى الحذر كلّ الحذر من تلك الجبهة الإسلامية الجديدة، التي فيها من هم من الخائنين الموالين لآل سلول، ومنها ممن رأينا فيهم إخلاص وصحة توجّه، ولا نعرف دافعهم في الإنضمام لجبهة الضرار هذه. ولعل الأيام تأتي بما لا نعرف". وقد ذكر لي الأخ الحبيب ما يعرف، ولا أعرف" عن زهران علّوش وتاريخه، ومن ثمّ وضع ما يسمى "الجبهة الإسلامية".

      وإني والله لأستعيذ بالله من أن أُخوّن من ليس بخائنٍ، ولا أدّعى الدخول في النوايا، وأستغفر الله إن كان وقع منى ذلك بغير قصد.

      لكن المؤكد الذي لم ينكره أحدٌ هو أن زهران علوش، و"جيش الإسلام" من ورائه، على علاقة بآل سلول، وببندرهم على الخصوص، كما انّ جبهتهم الجديدة التي تضم الجيش الحرً، الذي يقوده من يعرف الكلّ توجّهاتهم.

      فلنترك النوايا جانباً على كلّ حالٍ، وننظر بعين الشرع إلى مدى صحة التعامل مع عدوٍ حاقدٍ كآل سلول، وبندرهم. الأسئلة المطروحة اليوم هي: هل يصح التعامل مع هؤلاء، مع العلم بما يريدون علم يقين ليس فيه شك؟ ثم إن قلنا إن الضرورة الملجئة هي الداعى إلى هذا التعامل، حيث إنّ السلاح شاحٌّ والمال عزيزٌ، وأمريكا تفتح بوابة السوق السوداء وتغلقها، كما يفتح النظام السيسيّ الكفريّ معبر رفح ويغلقه، حسب مصلحة انتصار الباطل وبالأحرى ليظل الصراع مفتوحاً، فهل هذه الضرورة تبيح هذا المحظور؟

      هناك إعتبارات عدة يجب أن ينظر فيها الفقيه المسؤول. أولها حكم الشرع الأصلي لهذه الأفعال، ثم مناط الأفعال وتحقيقه في المسألة بشكلٍ خاص، ثم ما هي عوامل المصلحة والمفسدة التي قد تدخل في حسابات الفتوى، من باب مناطها لا حكمها بالطبع.

      وقد يتوهم أحدٌ أن هذه المسألة يرجع الأصل فيها إلى قضية التعامل التجاريّ مع أعداء الله، في وقت السلم الإباحة. لكنّ ما نحن فيه اليوم ليس تعاملاً تجارياً لأسباب، منها أنه يختص بسلاحٍ لا بسلع استهلاكية، وأنها ليست تجارة أصلاً بل هي أخذٌ بلا مقابل، تبرعاً. ثم، هي في وقت حربٍ وقتالٍ لا سلمٍ، ثم هي بين طرفين، طرفٌ ضعيفٌ آخذٌ، وطرفٌ قويّ مُعطٍ.

      إذن، فهذه المَسألة بالذات تحتاجُ إلى اجتهادٍ لتحديد "الحُكم الشرعيّ" لإنه ليس مما وَرد فيه نَصّ، يختصّ بهذه الصورة ذاتها، لتُحمل عليه الفتوى، وإن كان يدخُل تحت قواعدٍ عامة سنتحدث عنها لاحقاً.

      والقواعد العامة التي يمكن أن تكون مُرشدة في هذا السياق، عِدةٌ، منها أحكام عامّة كأحكام الولاء والبراء، ومنها خاصة فيها ما يفيد الحَذر من العدو "هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ"، ومنها ما يدعو إلى الفطنة وتجنّب الحَمَق المُردى، كما في قولة عمرو رضى الله عنه "لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يخدعُني".

      أما عن مصدر الفتوى في هذا الأمر فهو باب دليل المَصلحةِ المُرسلة، التي وإن شَهدت لها قواعد عامة، لم يَثبُت فيها نصّ خاص.

      وأمر دليل المصلحة المرسلة، أمرٌ عسيرٌ ليس كما يتوهم بعض متسوّلي العِلم، أنه بسيطٌ مباشرٌ، إذ يقوم على تحديد أوجه المصلحة، ومواضع المفسدة، ثم الترجيح بينها حسب قواعد الشّرع لا الهوى.

      فنقول، إن المصلحة التي يمكن أن يتعلّل بها المُجيزُ هي الحاجة إلى السلاح والمال، بل إلى الإضطرار اليه في بعض الأحيان. ولا نرى أية مصلحة أخرى في هذا النوع من التعاون أو التعامل مع عدوٍ ثبت عداؤه للإسلام وأهله. وفرقٌ بين شراء السلاح من تاجر سلاح لا يعبأ إلا بالمال، وبين أخذه تبرعاً من يد من يعمل على تدمير الإسلام وهدم حصونه!

      أما عن المفاسد، فَاحْصِها ولا حرج. وتبدأ بأنّ آل سلول، كأي عدوٍ، لا يمكن، عند ذوى العقل والمنطق، أن يعطوا سلاحاً تبرعاً بلا غرضٍ. هذا لا يصدقه إلا طفل وليد أو عقلٌ مريض. بل إن الخلق يعلمون ما فعلوه من تفرقة الصفوف في أفغانستان، والبوسنة، وصحوات العراق، وهو دورهم المعروف باختراق الجماعات الجهادية عن طريق المال.  فأن يقال أنّ زهران علُوش قد نجا من هذه المصيدة، واخترق أجهزة أمن آل سلول، وحصل على المال والسلاح بلا مقابل، في العاجل والآجل، فهذا آية في السذاجة والبساطة العقلية.

      ثمّ إن إدعى مُدّعٍ أنّ سوق السلاح متذبذبٌ، تتحكم فيه أمريكا فتفتحه حينا وتغلقه أحياناً، فيقال إن ذلك أهون من الإعتماد علي آل سلول، فهم يريدون التحكم في السلاح كذلك، وستصبح رقاب هذه الجبهة في يدهم حالاً أو مآلاً، يوقفونه حين تكون الحاجة له أشدّ ما تكون، وقتما يريدون، وحسبما يقدّرون.

      فإن قال قائل، هي ضَرورة ملجئة، قلنا فإن أحكام الضرورة تجرى في الأعيان غير جريانها في الجماعات. فإنه من المعلوم، عند أصحاب العقول ممن لهم باعٌ في الأصول، أن ما هو من أحكام الضرورة على الفرد لايمكن إعتباره على الجماعة، سواءً في إمكانية الوقوع أو حكمه. ومثال ذلك شرب الخمر وأكل الميتة، فإنه يستحيل تصوره على جماعةٍ أو مجتمعٍ بأكمله، إنما يمكن تصوره على أفرادٍ منها، كما في الواجبات الكفائية. كذلك فإنّه لا ضرورة على الجماعة أصلاً، إذ تعود إلى أصلها في الوقوع على أفرادها. فإن تصورنا جماعة لا تجد ماءً، لم يكف أن يقال أنّ شرب الخمر مباح لكل افرادها على العموم بغير تعيين، بل يرجع الأمر إلى الفرد منها على التعيين والخصوص، فإن وجد فيها أحدهم ماء عاد الأمر إلى التحريم في حقّه. وبالتالي، فإن القول بالضرورة هنا لا يستقيم، إنما يفترضه من له هوى، أو من ضحل علمه في الشريعة، وقل حظه من دراسة أصولها وفروعها. وهذا أمرٌ دقيقٌ في النظر لا ينجلى إلا لباحثٍ متخصص، وبالله التوفيق.

      فإن قيل، لكنّ الضرورة تُعتبر في حقّ الجماعات، فقد اعتبر عمر رضى الله عنه ضرورة المجاعة، فأوقف العمل بأمر شرعيّ وهو قطع يد السارق، قلنا هذا باطل من وجهين، الأول أنّ هذا الأمر قد نفاه بعض أهل العلم، إذ قالوا إن عمر أرجع الأمر إلى القضاة يحكمون في الأحوال الخاصة بكلّ واقعة. والأمر الآخر، أنّ التوقف عن أمرٍ شرعيّ ليس في مرتبة الإقدام على نهيّ شرعي، إذ مرتبة النهي أعظم، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"، وهذا باب معروفٌ في أصول الفقه.

      كما إنه يقال، أن أحد شروط الضرورة هو أن يعجز كلّ النظراء عن الحصول على تسليحٍ إلا من هذا الباب، وهذا ليس بكائنٍ، إذ غيرهم من الجماعات التي لا تسير على نهج آل سلول لا زالت تحصل على السلاح بطرقٍ مختلفةٍ، ليس منها عطاء بندر. فلمَ لا يسير هؤلاء سير أولئك إذن؟

      فإن قال قائل: فما بالك بالأخذ بالظاهر وإحسان الظن؟ قلنا التعلل بالظاهر هنا لا يصح شكلاً ولا موضوعاً، فإن ظاهرهم الجلوس إلى كفار آل سلول كذلك، ودلالة الفعل أقوى من دلالة القول، فإن قلت فهل في الجلوس ريبٌ، قلنا: سبحانك ربي وهل لا نتعلم على وجه الإطلاق. أرى أن رأيك فيه الكثير الكثير من إحسان ظنٍ غير مشروعٍ في موضعه، وقد نص أبو بكر بن العربي على هذا الموضع قال "الأصل إحسان الظن أما عند فساد الزمان فلا" وهذا يبيّن أن إطلاق إحسان الظن فيه تغافل عن الواقع. وقضية التحذير مما سيأتي مع قبول واقع معروفٌ من التجربة مآله، فيه ما فيه، ولنا في الإخوان عبرة. فهل من معتبر.

      وإن قال قائلٌ، لكنّا رأينا فيما كتبوا في ميثاقهم أنهم أهل سنّة وجماعة، هدفهم تحرير الأرض ورفع لواء الشريعة! قلنا، وهل يقول أحدٌ ممن يدعى الإسلام من المنافقين غير ذلك القول؟ وهل يُحكم على أمرٍ مثل هذا مما هومكتوب؟ وعلى أفضل الأوال، ألا يتريث المادحُ حين يرى ما يريب في أمر قد يُبطل المكتوب؟

      ومن ثمّ فإن لجوء جماعةٍ إلى عدوها الذي عُرف عنه خُبث الغرض وانحراف الهدف، طلباً لتعاون في تسليح دون مقابلٍ، هو خارجٌ عن منظومة الشريعة، بله أنه سذاجةٌ وتخلُّفٌ عقليّ لا يصحُ أن يقع فيه من له نية خالصةٌ لله سبحانه.