فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نصيحة للمجاهدين في العراق والشام

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لا شكّ أن ما يحدث على أرض العراق والشام هو أهم ما يشغل المُسلم في أيامنا هذه، إذ همْ من يواجه حملة من أشرس الحملات الإلحادية العالمانية الرافضية، بعد أن انتهت الصهيو-صليبية من تدمير العراق، كما عرفناه وعرفه التاريخ منذ فجر الإسلام. وبعد أن تحولت قوى الإلحاد النُصيريّ إلى القضاء على أهل السُّنة، كما يفعل كفار الرافضة في العراق وفي الأحواز وفي لبنان، وبمعاونتهم، قضاءً عنصرياً تامّاً.

      ولا أقصد في مقالي هذا إلى تحليل الوضع السياسيّ، مقدماته ومآلاته في العراق والشام، فلهذا الغرض خبراؤه العارفون بما هو واقع على الأرض، معرفة ترفع صفة الجهل الذي لا يجوز أن يصحب أي توجيه أو تحليل لواقعٍ سياسيّ، وتقوم على الحقائق وحدها.

      بل القصد من مقالي هذا هو النصيحة العامة، التي تقوم على معرفة بما يجرى، بشكلٍ عامٍ، بين إخواننا المجاهدين هناك، نصيحة نبتغي بها وجه الله، ولا نقصد فيها إلى نصر فصيل دون فصيل[1]، بل قولة حقٍ تكشف الصواب، وتردّ الخطأ، بإذن الله.

      والناظر إلى الساحة الجهادية اليوم، يرى طوائف عُرف عنها الإخلاص والتجرد، قدر الطاقة والمستطاع، وطوائف عُرف عنها التجافي عن السّنن بفعل اعتقاداتٍ فاسدة في الديموقراطية والحلول السياسية، وفصائل عميلة تنتمى لدول أصحاب "العروش والكروش"، وتُموَّل منهم.

      حديثنا، ونصيحتنا هنا، ليست للفرقة العميلة التي تتواصل مع آل سلول، وممثليهم الخونة أصحاب الصهيو-صليبية، بل حديثنا هنا من شقين، شقُّ زجرٍ وملامة، وهو موجهُ إلى الفصائل الإخوانية، إنتماءً أو هوى. وهؤلاء، وإن كان الأمل في تغيير عقائدهم التي نشأوا عليها شبه مفقود، فإننا نحذرهم بمآل انحرافهم وضياع عقيدتهم، وهو خسارة الدنيا والآخرة.

      وننبه إخواننا إلى الحذر كلّ الحذر من تلك الجبهة الإسلامية الجديدة، التي فيها من هم من الخائنين الموالين لآل سلول، ومنها ممن رأينا فيهم إخلاص وصحة توجه، ولا نعرف دافعهم في الإنضمام لجبهة الضرار هذه. ولعل الأيام تأتي بما لا نعرف.

      والشق الآخر هو نصح لمن خلصت نيته، وصحت تصوراته، وهم بإذن الله من ينتمون إلى ما عُرِف بدولة "العراق والشام" في العراق، وأبناء جبهة النصرة في الشام، وعدد من المخلصين في كتائب أخرى ممن يعرفهم من تتبّع أخبارهم.

      أول النصح أن ندعو الكلّ إلى تقوى الله وتجميع الصف والكلمة، والتوحدّ على هدفٍ واحد هو إعلاء كلمة الله سبحانه، وكسر شوكة الكفر المُتراصّ في مواجهتهم، والتآمر الذي يحاك للقضاء عليهم، تآمر رافضيّ خليجيّ صهيو-صليبيّ.

      إن أنباء الأزمة التي تبدو بعض مظاهرها في اقتتالٍ اللسان والمقال، بين طوائف العقيدة الواحدة، لا يبشّر بخير على أرض المعركة الدائرة. وإن اقتتال طوائف القتال في أفغانستان، قبل سيطرة طالبان، ليس منّا ببعيد. والنصيحة هنا عامةٌ لكل قياديّ مجاهد، أو فردٍ مجاهد، وإن وقع عبؤها على القادة بالمقام الأول.

      أحد أسباب هذه الأزمة، هو ما تنطلق به ألسنة عدد من المجاهدين، من كلّ الأطراف، ممن ليسوا رؤوساً في العلم أو القيادة، بأقوال تكفيرية أو تفسيقية أو تبديعية، يطلقونها على المُخالف لهم في الرأى، بحقٍ أو بباطلٍ، لكنه، في كلتا الحالتين، قول بلا علم، فهو مردودٌ على صاحبه، وهو محاسبٌ عليه.

      والحق، كما ذكرت، أنّ مسؤولية هذا التشويش والتغبيش تقع على عاتق قادة المجاهدين، وأولوا العلم منهم. إذ يجب، إنْ أطلت فتنة برأسها، أن يتناولوها في بياناتٍ واضحة صريحة بيّنة، لا لبس فيها، تخرج عن علمائهم وقادتهم، إلى أتباعهم، تكفّهم عن مثل هذه الأقوال، وتردّهم إلى الصواب فيها. بل لا أرى غضاضة في التحذير من مقاطعة هؤلاء الأتباع، إن استمروا على مثل هذا الحديث المُشَتّت للجماعة.

      ثم إنه قد وقع بين طائفتي المجاهدين في العراق والشام، "دولة العراق والشام" في العراق، و"جبهة النصرة" الشامية، خلاف يعرفه المُتَتبع لأخبارهما. وقد بسط الفريقان، المؤيدون والمعارضون، أدلتهم من الشرع والعقل. وهي أدلة تتدافع عند أبواب الإجتهاد، وتدعُ الكثير من الناظرين يقفون موقف الحياد. لكن يمكن للناظر الأريب أن يرى بعض شواهد الإعتبار، ليستدل بها على ما يجب النصح به في هذا المضمار.

      فنقول أولاً إنّ الدولة لها أفضالٌ على الحركة الجهادية في العراق وفي الشام، وقد قدِّم مجاهدوها الكثير في سبيل الله سبحانه، ولا يجازيهم عن هذا إلا الله سبحانه. ونحذّر من الكيد لها أو إشاعة السوء عنها، كما يفعل البعض على صفحات التواصل الإجتماعيّ، من مجاهدي الكيبورد، أو كما يفعل العملاء من أمثال عرعور آل سلول وصاحبه قُفّة "دمشقية"، وما أكثرهم.

      كذلك فإن جبهة النصرة قد أبلى مجاهدوها بلاءً حسناً، وقاموا بعملياتٍ ناجحةٍ كادوا فيها للعدو أشدّ الكيد، وشفوا بها صدور قومٍ مؤمنين.

       وعلى هذا فالنصح متوجّه بما يلي:

      أن يعزم كلّ طرفٍ على التعاون مع إخوانه بما يمكن من المال والعتاد والرجال، مع وجود الخلاف حتر يرتفع بإذن الله، وبصلاح النية. فالخلاف تعددّ في الآراء، ولا يصح أن يفسد للودّ قضية، وهو غير الإختلاف الداعي إلى التفرق المذموم.

      ثم أن تُحدِّد الأطراف المختلفة موطن الخلاف بدقة، وعلى سبيل الخصوص لا على سبيل العموم، وأن يُحرّر مناطه. فالتعميم لا يصلح في فضّ قضية فقهية بحال.

      ثم أن يُنظر في أصل القضية، إن كانت مُحِصِلتها جلب مصلحة للمجاهدين، أم دَفعِ مضرّة عنهم. وهذا الأمر من أهم ما يجب القيام بالنظر فيه من قبلِ مجتهدى الطرفين. ولا شك أن كلّ أمرٍ مشروعٍ تجتمع فيه مصالحٌ ومفاسد، ولكنّ مدار الطلب يقع حيث يَطِفُّ ميزان المصلحة عن المفسدة، ويقع مدار النهي حيث يَطِفُّ ميزان المفسدة عن المصلحة.

      ثمّ أن يّنظَر في القضية الخِلافية، هل هي من الضرورات التي لا محيد عن التمسك بها، أم إنها من التكميليات التي فيها مجالٌ للإجتهاد، حسب الواقع زماناً ومكاناً وحالاً.

      فمثلاً إن كانت القضية الخلافية تتعلق بالإمامة، فإن وجوب الإمامة ونصب أميرٍ للمؤمنين أمرٌ لا يدفعه إلا معاند للشرع أثيم، لكنّ الحديث هنا يجب أن يتوجّه على توقيت هذا التنصيب من ناحية، ومدى تحصيل ثمرته في هذه الظروف من ناحية أخرى.

      والسؤال المُكمّل لهذا هو: هل وجوب الإمامة مقصودٌ لذاته أم لغيره؟ أهو واجبٌ ضروريّ أصلي أم تكميليّ لضروريّ؟ فإن قيل أنه ضروريّ، فهذا فيه حرجٌ واضح لا يصح. بل الصحيح أنّ وجوبَه تكميلٌ لضروري وهو حفظ الدين وإقامته. وما كان هذا حاله وجب مراعاة مآله. فإنْ كان تنصيب الإمام واجب مكتمل الشروط، فلا بأس من الوقوف في وجه المخالف، إلا أن تكون الشوكة مكسورة والبلاد مقهورة، فحينها، يجب الإلتفات إلى مقصد الشارع من الإمامة، وهي جمع الصفّ لا تفرِقته. تماماً كما في مثال الجهاد تحت راية إمامٍ فاسق، فإنه يصحّ إن كان النصر لا يتحقق إلا بهذا، إذ العدالة شرط كمال، لا شرط صحة.

       إن إعلان الإمارة العامة في العراق والشام، أمرٌ مآليّ يُحب كلّ مسلمٍ أن يراه متحققاً على الأرض، بل إن إقامة البيعة العامة لأمير المؤمنين على كافة أنحاء بلاد الإسلام هي أملُ كل مسلم. كذلك فإنه من الواجب النظر في مآلات الأمر حتى لا نستبق الأحداث الجاريات، ونصطنع الأحوال والمناطات، ونحاول قطف الثمار قبل بدوّ صلاحها، وأن نوقع النتيجة قبل أن يتم سببها، فهذا أمرٌ يضاد مقصد الشريعة في كافة أبواب الفقه، بما فيها الإمامة.

      كذلك فإنه يجب إعتبار مسألة إعطاء البيعة وصفقة اليد، وما هي حدودها ومدى التحرّى في الخروج عنها لأيّ سبب من الأسباب، فإنها مما لا تهاون للشرع فيها بلا شكٍ كما في حديث عبد الله بن عمرو قال"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من أعطى إماما صفقة يده ، وثمرة فؤاده ، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر" رواه مسلم . والفقه هنا في النظر في مناط النزاع على المنصب، إذ هو المقصود بقتل المنازع على منصب الإمامة.

      كذلك إن ظهر من البيعة ما يوقع الفساد، فالأمر فيه نظرٌ إذن، كما بيّن حديث عليّ بن أبي طالبٍ رضى الله عنه قال "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَ سَرِيَّةً ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، قَالَ : فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ يَوْمًا ، فَقَالَ : عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلا جَمَعْتُمْ حَطَبًا . قَالَ : فَجَمَعُوا حَطَبًا ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَأَوْقَدُوا نَارًا ، فَقَالَ : عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلا دَخَلْتُمُوهَا . قَالَ فَهَمُّوا أَنْ يَفْعَلُوا أَوْ تَحَاجَزُوا فَدَفَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى طُفِئَتِ النَّارُ ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ ، قَالَ : فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". فبيّن الحديث أن وقوع مفسدةٍ بسبب بيعة يُّحلُ أن تُرفع بها البيعة، بل قد يُوجب رفعها. وهو ما يعيدنا إلى حسم قضية المصلحة والمفسدة في أصل الخلاف كما بيّنا.

      وليس في هذا النظر تغليبٌ لرأي أحدٍ على آخر، بل هو نظرٌ شرعيّ عامٌّ، قصدنا به أن يتروّى المتخالفون من كلتا الطائفتين، إعتباراً للمآلات، حتى ولو تحققت في أحدهم للإمامة جلّ الصفات.

      وأيّا كان أمرُ الخلاف هنا، فلابد أن يقوم كلّ قطرٍ من الأقطار الحبيبة، بالجهاد ضد الأعداء، الذين يلونه، تحت إمرة من هم من أهل محلته ودولته، حتى تكون الشوكة قاهرة، والغلبة ظاهرة، حينها يجب أن يتحد قول أهل الحلّ والعقد على إمارة واحدة. وليكن هناك وقتٌ مقدور تُراجع فيه هذه الأمور.

      وحتى ذلك الوقت، فإنه يجب على الفرقاء كلهم أن يمدوا يد العون بعضهم لبعض، بلا منّة ولا شِكاية. بل الأصل هو أن يتعاونوا، كانوا تحت إمرة هذا أو ذاك، إلا أن يكون بينهم من هم من خائني الإسلام ومن يوالي أصحاب "العروش والكروش".

      وليس فيما قلنا والله إلا إرادة الخير لجميع المجاهدين، وعلى رأسهم أبناء "دولة العراق والشام"، وجبهة النصرة الشامية، فهم ثمرة هذه الأمة ورحيقها المختوم، قد جعلهم الله في مقدمة الصف، منافِحين عن الأمة ودينها، فليتَحرّوا في قصدهم التجرّد عن الحظوظ، وفي عملهم استصحاب النية الخالصة لوجه الله تعالى، كما نحسَبهم.

      والله وليّ التوفيق

      د طارق عبد الحليم

      [1]  وقد وقع في حديث أحد المتحدثين بالعلم النَعيَ على استخدام كلمة فصيلٍ في هذا الموضع، وتعالم فيها بأنّ المعنى اللغويّ للفصيل هو ولد الناقة، أو الحائط القصير بلا سور. وأنبّه أمثاله إلى أن الإطلاقات اللغوية لا يُعتمد فيها على المعنى اللغويّ فقط، وإلا تاهت عنّا معاني الصلاة والصوم وكثيرٌ مما يجرى على ألسنة الناس، بل الإستعمالات اللفظية إماّ لغوية أو استعمالية أو شرعية. واللغوية هي أضعفها وآخرها اعتباراً. والفصيل، يُستعمل في أيّ مما قد ينفصل عن اصله لغرضٍ كما ينفصل "فصيل" الناقة عن أمّه.