الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حوار قريبٍ، مع أخ لي، جاء ذكر الآية الكريمة من سورة الأنفال "وَٱتَّقُوا۟ فِتْنَةًۭ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمْ خَآصَّةًۭ ۖ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ"25، وكان الحوار عن هؤلاء "الخاصة" الذين ورد ذكرهم في الآية الكريمة. قال أخي: هل يمكن أن يُهلك الله هذه الأمة وفيها أولئك الصالحون الذين يقدمون حياتهم فداءً لدينهم في التظاهرات وفي الميادين؟
قلت، نعم، تهلك الأمم وفيها صالحون، لأسباب عدة، شرعية وعقلية على السواء، تتعلق بنوع الصلاح ومداه، ونوع الخبث ومداه.
وقد ورد في حديث زينب بنت جحش، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال نعم، إذا كَثُرَ الخَبث"متفق عليه. وفي هذا الحديث يلمس رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة من أهم سنن الله في الأرض، وهي أنّ بعض الصلاح إن اجتمع مع كثرة الفساد، كانت الغلبة للفساد. والفساد هنا بمعنى الخَبَثْ، الذي هو أكثر من مجرد الكفر والحكم بغير شرع الله، بل الخَبَث هنا هو الكفر المقترن بالفجور والمُجون والسرقة والكذب والظلم والعدوان والإعتداء على النفوس والأرواح والأموال بغير الحق.
نعم، نهلك وفينا الصالحون، إذا سيطر السيسي وعصابته التي يسميها جيشاً، وعمرو أديب ولميس الحريري، وضباط أمن دولة الكفر، وساويرس وتاوضرس، ويسرا وإلهام شاهين، ولجنة الباطل الخمسين، ثم يقف إلى جانبهم من يفوضهم من العوام ممن يسمون أنفسهم مسلمين، وهم أكفر خلق الله أجمعين.
نعم، نهلك وفينا الصالحون، إن كان صلاحنا صلاحٌ معوَجٌ متلجْلجٌ، لا يسير على سنة الله في التدافع والغلبة. ذلك أن الصلاح ليس في الصلاة والصوم، وإلا لهلك الغرب منذ قرون، إنما الصلاح هنا هو أن يكون المسلمون، إلى كونهم ليسوا من أصحاب البدع، واعين بالواقع، فاهمين لأسس التعامل في الدنيا، لا يستخدمون وسيلة باطلة للوصول إلى هدف شرعيّ، ولا يهجرون واجباً بناءٍ على مصالح متوهمة، كما نبذ الإخوان الجهاد، وتبنّوا الديموقراطية، فعاد عليهم الخزى والوبال ، وكانوا سبباً مباشراً أصيلاً في كثرة الخبث.
إن من أهم مرتكزات الغلبة التي حققها الباطل، وعلى رأس أسباب الهلكة التي توشك أن تعمنا بعذاب، هو ما يتعلق بضعف المسلمين، وانحراف توجّهاتهم، مما سببّ تلك النتائج الكارثية التي تعيشها مصر. وعلى رأسها الإنحراف الإخوانيّ الذي لا يزال يسير على نفس المنهج الباطل شرعاً وعقلاً، والذي يتجنب أيّ مواجهة بأي وسيلة، وأي شكلٍ، على أيّ مستو، وتمييع المواقف التي لا تحتمل تمييعاً، توهماً أنها "سياسة" و"فهلوية". ثم هاهم، بعد كلّ تلك المجازر التي قام بها الكفر السيسيّ، يصدرون بياناً يعزون فيه "فقيد أمن الدولة"! كأنّ هذا البيان سيخفف عنهم سطوة الكفر، أو سيرفع عنهم شبهة الإرهاب. فإذا بالكفار يقتلون جنوداً في اليوم التالي، ويلصقونها بالإخوان! ثم شعار السلمية الباطلة "سلميتنا أقوى من رصاصهم"، وهو أبطل الباطل، بل تأسيسٌ لمذهب مُضاد للشريعة ومعاند لدين الله، وسببٌ في إهلاك الأمة.
نعم، نهلك وفينا الصالحون، حين لا يكون الصالحون واعين بسنن الله، مقدرين لقوتها، تابعين لها، خاضعين لطرقها وأسبابها.
نعم، نهلك وفينا الصالحون، حين ننبذ الجهاد الذي فرضه الله علينا، ونجعله في حكم التحريم، ونرفع شعارات السلمية "الإستسلامية"، في وجه من يقتلنا ويستبيح دماءنا وأموالنا وأعراضنا.
نعم، نهلك وفينا الصالحون، إن كان صلاحهم مبنيّ على باطل الديموقراطية، وأسس القانون الوضعيّ، ومواد دستورية، يتلاعب بها كلّ طاغية، في كلّ عصر. هؤلاء إذن ليسوا بصالحين، بل هم طالحون خاسرون متوهمون للصلاح.
نعم، ، نهلك وفينا الصالحون، حين يعلو الخبث، وحين يهبط مَعنى الصلاح وينحرف.