الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدأت صورة سيناريو محتمل، ترتسم خطوطه على لوحة الأفق القريب، بعد أن أصدرت "جبهة دعم الشرعية" بيانها الأخير وأغفلت فيه ذكر محمد مرسى بالكامل. وهو سيناريو ليس ببعيدٍ تحقه إذا نظرنا بدقة على الأحداث الجارية منذ نكسة 30 يونية الماضى.
وحتى نستوعب تفاصيل هذا السيناريو، يجب أن نتفق على بعض الحقائق المقروءة على صفحة الأحداث، وبعض ما هو بين سطورها.
أولا، أن أمريكا هي اللاعب الرئيس، بوازع صهيونيّ طبعاً، خلف هذه الأحداث المجرمة كلها، من حيث إنها أعطت الضوء الأخضر لدول الخليج العميلة، التي أصبحت من أكبر الموالين لإسرائيل علناً، كي تدعم انقلاب السيسي منذ اللحظة الأولى. وغرضها من ذلك هو زعزعة أي استقرارٍ لمصر، تحت أيّ مسمى إسلاميّ ولو كان إخوانياً، لما فيه من ضرر على أمن إسرائيل. وقد أكّد ذلك محمد مرسى بما أظهر من رغبة في استقلالية مصر وقرارها، ورغبة في الإصلاح الحقيقيّ لإقتصادها.
ثانياً، أن السيسي كان هو رجل اللحظة الذي يمكن الإعتماد عليه، من حيث كمّ الإجرام الهائل الذي تحتويه شخصيته، ومدى عمالته للغرب، هو وجنده، مع الكمّ الهائل من سدنة الأنظمة الحاكمة في الإعلام والقضاء وسائر المؤسسات الخربة في مصر.
ثالثاً، أن السيسي ليس هو رجل المرحلة التالية للإنقلاب العسكريّ الدمويّ، إذ تلطخت أيديه بالدماء لدرجة لا يحتملها أي نظامٍ سياسيّ قادم، ولا يمكن أن يكون حاملها رئيس دولة بأي شكلٍ من الأشكال.
رابعاً، أنّ المصلحة الأمريكية في المنطقة لا يخدمها النظام العسكريّ الفاشيّ في مصر، ولا يمكن أن تستقر في ظلّ وجود السيسيّ بذاته، وما يقوم به معارضوا الإنقلاب من تظاهرات شبه يومية، وتلك التصفيات التي تقوم بها كتائبه الغاشمة المسلحة ضدهم.
خامساً، أنّ الغرض من وجود السيسيّ قد تحقق بالفعل، وسقط الإخوان، وأظهر الجيش، وذيوله في الشرطة وأمن النظام، العين الحمراء للشعب المصريّ، ولجماعة الإخوان والمسلمين في البلد بوجه خاص، ليعرف كلّ أحدٍ قَدْرُه فيحفظه.
سادساً، أن النظام السياسيّ القادم في مصر يجب أن يُبنى على هيئة مصالحة "وطنية"، بين عميل ليبراليّ، "مبارك" جديد"، وبين القوى التي تقود المعارضة في الشارع المصري، أو تحسب ذلك على كلّ حال، وهي الجبهة التي تًدعى "جبهة دعم الشرعية"، والتي تتحرك بروح إخوانية منذ لحضتها الأولى، وترفع شعار السلمية الباطلة في وجه القتل والسحل والتعذيب.
سابعاً، سيقوم هذا النظام السياسيّ القادم في مصر على الأسس التالية:
- إزاحة السيسي من الصورة بشكلٍ أو بآخر.
- الإتفاق السريّ بين عملاء "جبهة دعم الشرعية"، وبين الجهات المسؤولة عن رعاية هذا السيناريو، على تفاصيل الخطوات القادمة. ومن تفاصيله إطلاق سراح المعتقلين، إيقاف عمليات القتل والتعذيب، التخلص من السيسيّ، عودة الجيش إلى ثكناته، وكبح جماح الشرطة اللعينة.
- وفي المقابل تضمن الجبهة إيقاف التظاهرات، والقبول بالحكم الليبراليّ، مع بعض تعديلاتٍ عكسية على ما قضت به جهات القضاء الخائنة، مع الاحتفاظ بروح الستور العلمانية، واستبعاد كلّ ما يمكن أن يعيد الهوية الإسلامية الحقّة إلى مصر.
- إقامة انتخاباتٍ رئاسية تضمن وصول مرشحٍ ليبراليّ، كالصباحيّ اللاديني أو محمد على اليساري أو حتى البرادعي الليبراليّ، بعد أن يعود إلى مصر عودة البطل المنتصر. وقد رأينا تحوّلاً في الأيام الأخيرة في توجّه الصبايّ، الذي أعلن مؤخراً نيته للترشح، بل أطلق حملته الإنتخابية مبكراً، بعد أن كان أعلن أنه لن يقف في معسكر انتخابيّ ضد السيسي، أميره وسيده.
- ضمان عدم تحرك أيّ قوى إسلامية "جهادية" أو "تكفيرية" أو "خارجية[1]" ضد النظام الجديد، واستمرار وقوف هذه القوى الجديدة، "العلمسلامية"[2] ضد هذه القوى بالقوة أو بالقانون، أو بكليهما.
- السماح للإخوان بالعمل السياسي مرة أخرى، بصورة محدودة، كما كان أيام مبارك، بشرط قبولهم بقواعد اللعبة الجديدة، وإلا فالقضاء الفاسد سيكون دائما في الإنتظار.
- أن يكون الإسلام في مصر، من نوعية إسلام إلهام شاهين ويسرا وعمرو أديب، لا علاقة له بإسلام محمدٍ صلى الله عليه وسلم. فلا حجيث عن شرع ولا حكمٍ لله، ولا أمور من هذا القبيل.
ثامناً، أن أمريكا، وغالب دول العالم، لم تعترف بهذا النظام القائم، إنتظاراً للحظة تحقيق هذا السيناريو على الأرض. وهذا يظهر جلياً في الموقف الأمريكيّ المتميّع من الإنقلاب، فهم يدعمونه سراً، ويرفضونه علناً، لحين تحقيق مخطط التغيير المرتقب. فالموقف الأمريكيّ ليس مضطرباً بالمرة، بل هو متناسقٌ تناسقاً تاماً مع الصورة التي رسموها من أول الأمر، بعد أن فَشلوا في احتواء محمد مرسى ضِمن منظومة الفساد والإفساد التي يديرونها في الدول العربية الأخرى وخاصة الخليجية.
تاسعاً، أنّ السيسي قد تضخمت شخصيته ذاتياً، وحسب، لشدة غبائه، أنه هو الذي يدير الأمور حقيقة، فرفع سقف العنف ومُظاهَرة الفساد، ، وبدأ في محاولة تثبيت صورته كرئيس، بمعاونة سحرة الإعلام طبعاً، وبإعطاء الدول "الصديقة" كل ما طلبوه من مصر وثرواتها وأرضها ليقفوا إلى جانبه في الصراع المتوقع. كما استأجر تلك الشركة الصهيوينة لتحسين مظهره فيالخارج، أملاً في أن تقبل به دول الغرب. ثم اكتشف هذا التوجه لإزاحته منذ فترة وجيزة، وعَكَفَ من ساعتها على محاولة تمكين بقائه، وهو ما يُبرر اختفاءه من الصورة لمدة طويلة، كما يبرر هذا التعاون المفاجئ مع روسيا، التي تلعب دور العاهرة في المنظقة، كما تلعبه مع بشار، تستفيد مادياً، وتكسب تواجداً دولياً، ثم ما عليها أن يسقط من يسقط بعدها.
عاشراً، أنّ التحرك اليوم سيكون سريعاً حاسماً على الأرض، بين أصحاب "السّلمية والشرعية"، بعد أن سقط حزب الزور، ومن معه، وتم استغلالهم واستغفالهم، وبين القوى الليبرالية "المعتدلة" على الأرض.
هذا، والله تعالى أعلم، ما قرأته، وقرأه عددٌ من الذين أباحثهم في الأمر، على صفحات المستقبل القريب لمصر وأهلها وإسلامها.
والله غالبٌ على أمره.
[1] أي من الخوارج.
[2] أي العلمانية بنكهة إسلامية!