فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المِعْبر الآثم بين الحق والباطل

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      يعرف ذووا العقول أنّه ما من نفعٍ في الدنيا إلا وشابَهُ شرّ، وما من شرٍّ إلا وشابه نفع، بوجه من الوجوه. هكذا بنى الله الدنيا، دون نفعٍ خالصٍ أو شرٍ محض. ومن المصلحة النافعة التي جاء بها شرُّ السيسي وانقلابه الإلحاديّ، هو ذلك التَمايز في الصف بين معسكريّ الكفر والإسلام، إذ ذلك فيه تحقيق لمقصدٍ هائلٍ من مقاصد الشريعة "حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ". وبدون ذلك التمايز الواضح الصريح الحاسم، فإنّ الأمر يصير خلطاً عابثاً، لا يُعرف فيه حقٌ من باطل، كما كانت عليه الأمور قبل نكسة 30 يونية.

      وقد قسّم علماء السّلف أنواع الكفر إلى أربعة أقسام، كفر الجهل، وكفر التكذيب، وكفر الجحود، وكفر العِناد والاستكبار. ووالله قد أتانا هذا الزمان بنوعٍ خامسٍ جديد، هو كُفر التغفيل. وهذا يختلفُ عن كفر الجهل بأن الجاهل لا يعرف الحق، أما المُغفل فمع أن الحق معروض عليه، لكنه تُقلب له الحقائق، فيرى الأبيض أسوداً، ويحسب الأعلى أسفلا، ويصدّق المستحيل من الأمور. وصَدَق من قال:

      وليس يصحُ في الأذهان شئ              إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ

      لكن هناك طائفة أخرى من الغافلين هي التي أقصدها في حديث اليوم. وهي ليست أولئك الذين في معسكر السيسي، جنوداً وقواداً وعوامٍ كافرة كفر التغفيل. بل هم أولئك الذين عرفوا الحق، وعرفوا الباطل، ثم استمروا على علاقاتهم بأهل الباطل، أخوة ومودة ومعرفة، يزورونهم ويتحدثون اليهم، كأنهم على خلافٍ في رأي سياسيّ أو في تفاصيل مشروعٍ إصلاحيّ!

      ويتحجّج هؤلاء بأنهم "حلماء"، لا يريدون أن يسرعوا في مقاطعة أهل الكفر التغفيليّ، لأنهم قد يرجعون، ويتبيّن لهم الحق بعد الضلال.

      والحمد لله الذي منّ عليّ بأننى لا أعرف واحداً فرداً من أهل الكفر التغفيليّ أصالة، فإن كلّ من أعرف هم من أهل الإسلام، وذلك لعدم قدرتي ابتداءً مخالطة من هم على هذا القدر من السَفاهة والخسة. وصدقني عزيزى القارئ، فإن هؤلاء معروفون في كلّ عائلة وبين كل وسطٍ، قبل الإنقلاب، لكن تأكّد، لغير الخبير بالناس، خِسّتهم وسفاهتهم بعده، لا غير.

      هذه الزُمرة من أصحاب الأعراف، الذين عرفوا الحق، لكنهم أبقوا على علاقتهم بالباطل، تذرّعاً بذلك الهدف الخائب الذي ذكرنا. وهؤلاء، كما نوّهتُ من قبل، مرضى بالغفلة والذهول عن الحق كذلك، ذهولٌ عن قواعد البراء، بل هم، كما ذكرت من قبل، قد يكونوا أخطر على الوضع القائم من الذين تميّزت اتجاهاتهم ووضح نهجهم، إما إسلاما وإما كفراً، ذلك أنهم يقدمون عذراً سائغاً لأصحاب كفر التغفيل على أنهم "مقبولون" بدرجة من الدرجات داخل إطار هذا الدين.

      إنّ التمايز اليوم هو سِمة المرحلة التي تمر بها أمتنا، لا محل للخَلط فيها أو التميّع، فمن ليس معنا كان علينا، بلا ثالث بينهما. بحتُ الولاء والبَراء في أعلى صُوَرِه. ولا يكفي أن يوالى المسلم المسلمين، بل يجب أن يبرأ من الكافرين كذلك، شقين لا يصلح أحدهما دون الآخر.

      وخطورة هذه الزمرة، أنهم يمثلون جسراً بين الحق والباطل، يقفون عليه، بين هؤلاء وأولئك، فيلوّثون جانب الحق بنجس الباطل لاشتراكهما في هذا المَعبر الآثم.

      إن قطع هذا الجَسر بين الطائفتين هي أول خطوات العلاج، إن كان ثمّة علاج قريبٍ للوضع القائم.

      إن وجود هذا المعبر الآثم بين الحق والباطل يقف حائلاً بذاته دون تحقيق ذاك الهدف الذي يَتحجّج به رواد هذا المِعْبر، وهو احتمال أن يرجعوا. إن أثر المُقاطعة عليهم أشدّ من أثر التميّع وإبقاء الأحبال موصولة، بعد أن قطعها الله سبحانه بنصل البراء من الكفر.

      لقد عاون الذين كفروا كفر التغفيل، على القتل والسحل والتعذيب وإزهاق الإسلام، بالفعل لا بالقول، وتغيير الهوية المصرية ونصرة القبط الصليبيين وحماية اليهود الصهاينة، فماذا بعد هذه الأصالة في الإجرام تنتظر تلك الزُمرة المغيّبة من من أهل معبر الإثم، من أولئك الكفار المعينين على الكفر؟ كيف يبرّرون وقوفهم على ذلك المعبر الآثم أمام الله سبحانه، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؟ لا والله لا يكفيهم أن يشجُبوا الإنقلاب، ويمقتوا السيسي. بل لا عذر لهم إلا بكراهة ومقاطعة من هيأ للسيسي الفرصة وأعانه على الكفر والقتل والسحل والتعذيب، إخواناً أو آباء أو أزواجا أو ذرية، فبدون زيد وعبيدٍ هؤلاء من كفرة التغفيل لم يكن للسيسي وجنده أن يفعلوا ما يفعلون "قلإِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَ‌ٰنُكُمْ وَأَزْوَ‌ٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَ‌ٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌۭ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍۢ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ" التوبة 24. إنا هؤلاء الذين يخونون دينهم باستمرار العلاقة مع ذويهم، هم المقصودون في هذه الآية، لمن عَقَلَ.

      إن "كسرَ خاطر" كفرة التغفيل، أحب إلى هذه الزُمرة التي لم تبرأ منهم، من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وممن ماتوا في سبيل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هدم دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي يشاركُ فيه كفرة التغفيل بالقول والعمل والنية.

      إنّ هذه الزمرة تتمتع بصفتين، أولهما أنها ليست عارفة بأصول دينها، في حقيقة الأمر، وإن ادّعت غير ذلك، أو توهّمته. والثانية أنها ليست مُدركة لبشاعةِ الجُرم الذي يرتكبه أصحاب كفر التغفيل، من دعمٍ وتفويض لجيش الإحتلال وللقتلة والمجرمين من الشرطة والبلطجية، على سحق هوية الإسلام وشرعه من فوق أرض مصر كلها. لا يدرك هؤلاء أنّ من يتحدثون اليهم هم القوة التي تقف وراء القتلة والمجرمين، تُبرر جرائمهم وتدعَم هدمهم لدين الله.

      وإني أقف هذا اليوم موقف الناصح لزمرةٍ سيهلكها الله سبحانه باتصالها بالكفر وعدم التبرئ منه، والإبقاء على نوع ولاءٍ له، تحت دعاوى غافلة مردودة، قبل أن يَعمّها الله بعذابٍ سيقع حتما على رؤوس كفار الجيش والشرطة وبقية كفار التغفيل، فهؤلاء انتهى أمرهم، إلا ما شاء الله، وحتى أقيم علي هذه الزمرة التائهة حجة الله البالغة، قال الله تعالى "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌۭ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًۭا شَدِيدًۭا ۖ قَالُوا۟ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"الأعراف 164. والمدهش هنا أنّ هذه الآية نزلت في سورة الأعراف، الذين هم ليسوا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، متأرجحين بين الحق والباطل.

      ولئن تحَجّجَت هذه الزمرة بأنها تنصَح لكفار التغفيل، فنقول، انصحوا بعد البراء، حتى يكون نصحاً شَرعياً نابعاً من موقفٍ شرعيٍّ واضحٍ حاسم "إِذْ قَالُوا۟ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَ‌ٰٓؤُا۟ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَ‌ٰوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَدًا" الممتحنة 4. فإن لم تبد البغضاء بينكم ظاهرة فلا براء إذن، وأنتم إياهم صف واحد مهما توهمتم غير ذلك.

      الأمر يا أهل الزمرة التائهة، أمر ولاء وبراء، أمر كفر وإسلام، فإن لم تروه هكذا، فقد والله ضَللتم ضلالا بعيداً.