فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تعقيب على مقال

      • مجرد رأي
      • 1817 قراءة
      • 0 تعليق
      • 06:02 - 02 نوفمبر, 2013

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أثارت مقالتي الأخيرة "بين دُعاة الإستبدال .. ودُعاة التَمكين"، عدداً من رود الأفعال التي تراوحت بين أسئلة بريئة تستفسر عن بعض النقاط التي وردت بها، وبين السب والقذف، حتى أن منهم من رماني بالغلو ومنهم بالكبر ومنهم من رماني بما اسماه "الخبل العلمي"! جزاهمّ الله ما يستحقون. وعلى كلّ حال، هذا الأذى يسير في جنب الله إن شاء الله.

      لكنى أردت أن أبين عدة نقاط لعلها ترد على أسئلة المحبين الراغبين في الفهم، وتُخرس من تقوّل عليّ بلجاجة وغباء.

      1. إنني في حديثي عن "دعاة النت" إنما أردت "طائفة منهم" لا كلهم، ولا جُلهم، إذ أنا من دعاة النت كذلك، فيخرج منهم، بدليل المفهوم لا المنطوق، من هو على الحق، ومن يرتكز على علمٍ شرعيّ، كما عبرت باللفظ، حيث قلت في المرفوضين منهم "وكثيراً ما يكون رأيهم صحيحاً، لكن دون أن يرتكز على علم شرعيّ، مما يجعله باطلاً وإن صح" اهـ. فيجب أن ينظر كلّ إمرئ لنفسه من هذا المنظار ليرى أين يقع في هذه المنظومة من الدعاة قبل أن يحمل هذا الحديث محملاً شخصياً.
      2. إنني لم أقصد أن يتوقف الناس عن التبليغ عن الله سبحانه، فإنه صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "بلغوا عنى ولو آية"، وإنما قصدت أن هذا البلاغ يجب أن يكون متناسباً مع القدر العلمي للمتحدث، وهو ما يعرفه كلّ واحدٍ في نفسه، بينه وبين ربّه. فإنه لا يُعقل أن يتوقف مسلم في أن يقول أن الزنا حرامٌ أو أنّ القتل وشرب الخمر حرام، أو أن ينهى الناس عن هذه المحرمات التي ثبتت وأصبحت من المعلوم من الدين بالضرورة، أو أن يتوقف عن حثهم على مكارم الأخلاق، التي بُعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه أنه قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". لكن القول هنا عن الحديث في الأمور التي تحتاج فقهاً في الدين، وما يترتب عليه إراقة دماء أو ضرر عامٍ أو ضياع مال، أو ارتكاب محرماتٍ أو العفو عن زلاتٍ، أو توجيه عام في أمور العامة، أو تحريم حلال و تحليل حرام في الجملة. هذا ما نرى تلك الطائفة الإلكترونية تعتدى في القول فيه وتتجاوز، فتقع تحت مضمون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صحّ عنه في مسلم "المتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور".
      3. إنّني في تقسيم طوائف الدعاة اليوم، مُتّبِع ولست بمبتدع، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيّن في حديث حذيفة أصناف الدعاة في أحوال الزمان، فعن حذيفة رضى الله عنه قال "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: « نَعَمْ »، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: « نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ »، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ »، قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: « نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا »، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا". إذن فقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الدعاة يتغيرون مع الأوقات، وأنّ الأزمنة تتبدل من خير إلى شرّ فيه دخن، إلى شرٍ محض، ثم إلى خير، وأنّ هذا الشر يأتي من دعاة هم من جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا. والصنف الذين هم "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ"، هم أشبه بكثير من دعاة الصنف الأول، أو دعاة جيل الإستبدال، وثلة من صنف "دعاة الجيل الوسيط".  أما أولئك الذين وصفتهم بأنهم طائفة من دعاة النت، فهولاء على هامش هذا الأمر كله.

      وإني والله قد شعرت بفرح غامرٍ حين ذكرني أحد المشايخ الأفاضل بهذا الحديث لمّا اشتكيت له من مرض قلة الفهم الذي رأيته بعد كتابة هذا المقال، إذ وجدت أنّ توجّهي في النظر فيه متابعةٌ تامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في نهجه، فما عليّ إذن، وليغضب من يغضب، وليلتوى من يلتوى، فوالله ما قصدت إلا أن أبيّن أن هناك أصناف ممن يدعون إلى الله، منهم من أحسن، ومنهم خلّط ومنهم من أساء، وحال المسلمين اليوم دالٌ على ذلك التخليط، وليضع كلّ إمرء نفسه حيث وضعه الله.