فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أضواء من سورة محمد 1

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      سبحان الله، ما أجملها من سورة، تحمل اسم سيد البرية، وتعكس أقوى المعانى وأشدها تأثيراً على نفس المسلم.

      ورغم أنّ سورة محمد سورة مدنية، لكنك تحس فيها قوة القرآن المكيّ، وشدة آياته على الكفار، ووضوح التمييز بين الكفار والمسلمين. ترى وقعها يتراوح بين القوة والسرعة، وبين الهدوء والتأني. فلا هي كالآيات المدنية صرفاً بطول آياتها واسترسالها في المعاني، ولا هي كالآيات المكية صرفاً بقصر كلماتها وقوة نبراتها. بل هي بين النبرتين قواماً.

      وتبدأ سورة محمد بآية في غاية الشدة على الكفار "ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ"1 فهي جملة اسمية، يتصدرها اسم الإشارة "الذين"، وهذا مبالغة في الإتهام والإدانة للمَدين. والكفار لهم أعمال، لا ينكرها الناظر، بل يظنها الجاهل طيبة، لكنها ضالة ساقطة لا قيمة لها، فقد يكون الكافر طيب القلب، يحسن معاملة الجار والزميل بل قد ينفق على الفقراء والمحتاجين، لكن أعماله هذه مردودة عليه لكفره، ولأن وجه الله ليس مقصوداً بها، فهي كلها تيسر في اتجاه خاطئ، فلا تؤدى لصاحبها نفعاً، ولا تكون له عوناً.

      ثم يتبعها آية أطول وأهدأ وقعاً، تتحدث عن المؤمنين وأعمالهم، في مقابلة الكفار وأعمالهم، "وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَءَامَنُوا۟ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍۢ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّـَٔاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ"2، تشعر فيها بالرفق والحنان والدفء، فالذين آمنوا لهم سيئات كذلك، إذ هم بشرٌ من البشر، لكنّ الله سبحانه كفّر عنهم هذه السيئات، بصفة وصفهم بالإيمان، ثم العمل الصالح الذي يبتغون به وجه الله وحده، ثم اتّبَاع محمد صلى الله عليه وسلم، وهي مركبات الإيمان، لا تَنقُص شيئاً. والله سبحانه لم يكفّر عنهم سيئاتهم في الآخرة فقط، بل منّ عليهم بصلاح البال في الدنيا، وهو في المرتبة الثانية من المَنّ عليهم. وإصلاح البال، وهدوء الخاطر والإطمئنان لأحداث الزمان كلها لا يعرف فيمتها إلا من ابتلي بعكسها، فهي كنوز من الرحمة تتنزلّ على المرء فتجعل حياته سلسة طيبة ناعمة.

      ثم بعد أن يقرر الله سبحانه الجزاء الأوفي للكافرين والمؤمنين، يعود لبيان السبب في هذا الجزاء "ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱتَّبَعُوا۟ ٱلْبَـٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّبَعُوا۟ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ"3، والْحظْ أنّ بيان السبب جاء متأخراً عن النتيجة، إذ النتيجة محسومة مقررة لا جدال فيها ولا شكّ ولا تراجع.

      ثم يتبع الله بعد ذلك البيان للنهاية المرتقبة والسبب الفاعل، التوجيهات التي تترتب على ذلك في الدنيا، والتي يجب أن يتبعها المؤمنون في هذه الحياة، وإبّان هذا الصراع، "فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ"4. نعم، لا هوادة مع الكفر حين المواجهة ووقوع العدوان، بل هو ضرب الرقاب، لا أقل من ذلك. والله لم يكتفي بخسران الآخرة جزاءً للكافرين، بل أمر أمراً جازماً، جاء في صيغة وصفٍ لا فعل – قوله سبحانه ضَرْب بتسكين الراء لا اضربوا – هو أبلغ في تثبيت الأمر والحزم فيه.

      لكنّ القتال فيه القاتلُ والمقتول، فيه الصريع والشهيد، فلم ينس الله، وحاشاه، أن يبين نهاية الشهداء في سبيله، "وَٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ ﴿٤﴾ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴿٥﴾ وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴿٦﴾". فهم الذين سيصلح بالهم في الدنيا، ثم يدخلهم الجنة بفضله ومنه. والحظ أن إصلاح البال قد وُعد به المؤمنون المقاتلون، لكنّ دخول الجنة اختص به الشهداء، إذ حال المومنين، في بقية حياتهم لا يزال غفلاً، فهم تحت الإختبار والابتلاء ما حيوا، لكن الشهيد قضى ما عليه وانتقل إلى جوار ربه راضياً مرضياً، فجزاءه الجنة عرّفها له، أي جعلها كيبة الرائحة كالعرف، أو أي أشهدها لهم قبل أن يدخلوها، زكلا التفسيرين جائز محتمل مقبول.

      ثم يقرر الله قاعدة عامة، تأتي بعد وصف حال المؤمنين المجاهدين، وحال الكافرين المخذولين، وهي جملة شرطية تبدأ ب"إنْ"، " يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"7. فإن النصر لا يرتبط بالإيمان ارتباطاً لازماً، بل يرتبط بنصر الله. ونصر الله سبحانه لا يحتاج إلى بيان معناه، فالله غنيّ عن نصرٍ ماديّ، إنما هو نصره بنصره دينه وإقامة شرعه، في الحياة الخاصة والعامة، ومحاربة أعدائه المحاربين له وضرب رقابهم في المواجهة. هذا هو نصر الله، الذي يُشترط لنصر المومنين، لا جزء منه. فالصلاة وحدها لا تأتي بنصر، والصوم وحده لا يأتي بنصر، لكن النصر مرهون بنصرِ المؤمنين لله، والمسلمون حين يأخذوا بفريضة ويتركوا غيرها، إنما هم ينصرون الله في تلك الفريضة، ويخذلونه في الفريضة المتروكة، كما فعل الناس في إهمال فريضة الجهاد وصد العدوان كما هو مشاهد في بلاد المسلمين اليوم التي غزاها واحتلها كفارها من أبنائها، لا من أبناء عيرها.

      ثم تعود السورة لتُلحى على الكافرين وتؤكد خسارتهم وتحيلهم على شواهد التاريخ وعبر الماضي "وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَتَعْسًۭا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ ﴿٨﴾ ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَـٰلَهُمْ ﴿٩﴾ ۞ أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَـٰفِرِينَ أَمْثَالها (10)".

      ويقرر الله بعدها قاعدة عامة أخرى، تتعلق بأحد أركان التوحيد، وهو الولاء، "ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَأَنَّ ٱلْكَـٰفِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ﴿١١﴾" فنصر المومنين يأتي كذلك من حقيقة لا يتحقق إلا بها، وهي مَنْ وليّ الله ومن ولي الذين كفروا. الله وليّ الذين آمنوا، زمن ثمّ هم يوالونه، ولا يوالون غيره، لسبب من أسباب الدنيا مهما كان. ونحن نرى اليوم موالاة الكفار للدمويين الملاحدة في مصر وغيرها بالتفويض والدعم والمساندة بل وإصدار الفتاوى المؤيدة لقتل المسلمين وإعلاء كلمة الكفر، وهذا الولاء هو الباب الذي كفر به الموالون لغير الله سبحانه، وهو الباب الذي سيأتي ببنيانهم من القواعد يوماً، حين يأتي جيل ينصر الله سبحانه نصراً حقيقياً متكاملاً. وقد يظن البعض أن المفوضين والداعمين والمساندين للكافرين يمثلون ركيزة وقوة للكفر، لا والله، ليس حسب هذه الآيات الكريمة، فهو ولاء سطحيّ لا يثبت في مواجهة قط، فهم "لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ" في حقيقة الأمر. وانظر ما فعل كفار الإنقلاب في مصر، حشدوا الصليبيين والبلطجية وبعض الشعب الثاني المفتون عن دينه مرة، ثم عجزوا عن جمعهم أخرى، ذلك أنهم خُشبٌ منخورة بالية لا يرتكن عليها إلا خاسر.

      وإلى تكملة مع الآيات الكريمة إن شاء الله تعالى.