فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      إسلام .. بلا حدود

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الإسلام لا يعرف الحدود. تلك الخطوط التي رسمها الإستعمار على الأرض ليفرق بها اجتماع المسلمين. فإن البشر في التصور الإسلامي ينقسمون إلى قسمين، قسمٌ يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبما يترتب على ذلك من بقية تصورات الإيمان، ولوازم العمل. وقسمٌ آخر أنكر أحد هذه الثوابت في التصورات، إذ إنكار أحدها يهدم الآخر كلية، فأصبح كافراً في مصطلح الإسلام. والمسلمون إذن، يوحّدهم الإنتماء لهذا الدين، فهو موضع الإنتماء بينهم. والولاء هو الظاهر الذي يتأسّس على هذا التصور، فإما أن يوجد الولاء، فيوجد الإسلام، وإما لا يوجد الولاء، فلا يوجد الإسلام.

      لكنّ الله سبحانه قد خلق الناس، بقسميهما، وفرقهما شعوباً وقبائل، قال تعالى "يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًۭا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُم" الحجرات 13. هذا الخلق، الذي جعله الله سمة للبشر، سواءً على مستوى الفرد، ذكر وأنثى، أو مستوى الجماعة، شعوباً وقبائل، هو أمر واقع من سنن الله الكونية التي لا تُجحَد. والحق أنّ هذا التفريق بين الناس، شعوباً وقبائل له حكمة عند خالق الناس يبحانه، وهي أنْ يتعارفوا بينهم، ثم يكون الاحتكاك ثم التدافع. وفي هذا كله، يكون الأكرم عند الله هو الأتقى. والأتقى هم من يلتزمون شرع الله، فيكونوا هم الأعلون دنيا وآخرة. وإلا فالعلو في الدنيا له شرائطه التي قد تتحقق بقويّ غير تقى، في غياب الأقوياء الأتقياء.

      والشاهد هنا أنّ الله سبحانه حين فرّق الناس إلى شعوبٍ وقبائل، لم يَعِبْ عليهم ذلك، ولم يطلب منهم الإنخلاع عن هوية شعوبهم وقبائلهم، ولم يفعل ذلك محمد صلى الله عليه وسلم ذلك، قبل الفتح ولا بعده، بل أقر الناس على قبائلهم التي ينتمون لها. وليس في هذا منكرٌ، وحاشا رسول الله أن يفعل منكراً، بل هو من إقرار الطبع وملازمة الفطرة التي هي كهوية الذكورة والأنوثة في البشر.

      لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو وما القومية إذن، أليس الإسلام يوحد بين الناس فيقتلع القوميات ويحتزّ جذور الشعوبيات؟ ولا شك أننا نرى الجدال دائراً في كثيرٍ من مواقع التواصل الإجتماعي بشأ، القومية وكونها ليست من الإسلام في شئ. فما هي حقيقة هذا الأمر إذن؟

      الحق أنّ قولنا أن الإسلام برئ من القوميات، لا يعنى أن ينخلع المرء من قبيلته التي تؤويه، أو شعبه الذي نشأ فيه، أو وطنه الذي ينتمى اليه. فهذا كما راينا أمرٌ لم يكن ولن يكون ما دامت الدنيا.، وقد كان على عهد رسول الله والخلفاء الراشدين شامٌ وعراقٌ ويمنٌ، ولم ينكر أحدٌ ذلك. لكن الأمر أنّ القوميات التي يبرأ منها الإسلام هي ما تصنع الحواجز بين المسلمين، فيكون بمقتضاها السعوديّ متميزٌ عن المصريّ، والمصريّ له حقوق غير السوريّ، وهكذا. ثم أن يكون هذا التمايز سببٌ في قطع أوصال الأمة الى بلاد متطاحنة غير متكاملة، يأخذ كل ملك أو أميرٍ أو رئيس منها قطعة أرضٍ، فيستوى على هذه الأرض لديه المسلم والنصراني والمجوسيّ، ويصبح النصرانيّ المصري مقدماً على المسلم السوريّ، أو العراقي الرافضي مقدم على المسلم اليمنيّ، لأنه ينتمى لهذه القومية أو لذاك الشعب بالذات.

      المرفوض في الإسلام هو تلك النعرة الجاهلية التي تفرق بين الإخوة في الإسلام، وتجعل البعض "غيرٌ" عند البعض الآخر، والكلّ ينتمى للإسلام.

      المرفوض في الإسلام هو اتباع النهج الغربيّ الإستعماريّ الذى قسّم بلاد المسلمين، لا إلى شعوباً وقبائل، فهم كانوا وسيظلوا شعوباً وقبائل ليتعارفوا، ولكن ليجعلهم أضعف قوة وأكثر تفرقاً وأشد اختلافاً، فيمزقهم شرّ ممزق.

      المرفوض في الإسلام هوالاستسلام لسايكس بيكو، التي حطمت وحدة المسلمين الناطقين بالعربية، لا وحدة تذيب الشعوب والقبائل، لكن الوحدة التي يسير فيها المسلم من اليمن إلى الشام لا يخشى إلا الله والذئبَ على غنمه.

      المرفوض في الإسلام هي تلك الصبغة الشعوبية المتعصبة التي أوجدتها العروش والرئاسات التي تسعى إلى تكريس وجودها وحفظ تيجانها ومناصبها على حساب وحدة الدولة الإسلامية، الدولة التي تضم شعوباً وقبائل.

      وقد رأينا المقاتلين والشهداء في أفغانستان من الخليج ومصر وغيرهما، وفي الشام من أهل المغرب ومصر وسواهما، والمقاتلين في العراق والشيشان والبوسنة، واليمن منذ السبعينيات. كلهم من مختلف الشعوب والقبائل. لم يوقفهم ذلك عن الإنتماء للإسلام في كلّ مكان، والقتال في سبيله، بلا حدود.

      الأمر إذن لا يتعلق بإنتماء المسلم إلى شعبه وقبيلته، ولكن يتعلق باستخدام هذا الإنتماء فيما يعارض الإسلام، وينشر الشعوبية والقومية المضادة لوحدة الشعوب المسلمة، في دولة واحدة تحكمها الشريعة ولا تفصل الحدود بين قبائلها وشعوبها.

      هذا هو مربط الفرس في هذا المضمار