فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المصريون .. بين شعبين وعقيدتين!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أود أن أؤكد، قبل، أن أبدأ في المقال، أننى حين أتحدث عن المصريين، فلأنهم هم اليوم أصحاب الحراك في مواجهة الإنقلابّ العسكريّ الوليد سِفاحاً، وهم من يتخبط في الحسم في المواجهة، من حيث أن الإخوة السوريين مثلا حسموا أمرهم لصالح المواجهة المسلحة، التي فُرضت عليهم. لكن الصورة التي أرسمها للمصريين هنا، وفي أي موضع من حديثى، هي صورة لكافة شعوبنا العربيّة في سائر البقاع، بل والإسلامية، إذ إن مقومات هذه الشعوب كلها قد تشكّلت بصورة متطابقة، وعاشت في ظلّ نفس الهجوم العلمانيّ الثقافي والعسكريّ، وأنتجت نفس الخَلطة المُتشابكة التي سنتحدث عنها.

      الوضع القائم في مصر اليوم يقوم على ركيزتين:

      ركيزة عسكرية، تتمثل في كل من يحمل سلاحاً في وجه المدنيين، سواء كتائب جيش الإحتلال المصري الصهيونيّ، أو فرق الشرطة والأمن المركزيّ الخونة، أو البلطجية المأجورين (الشبيحة بتعبير أهل اشام)، فكلهم بلطجية في التوصيف، إذ أن البلطجة في التعريف هي أن يفرض البلطجي رأيه على من حوله من مدنيين بقوة ساعده أو سلاحه، فلا يصح أن تسمى تلك التشكيلات البطجية جيشاً ولا شرطة حينذاك.

      ثم، ركيزة مدنية، وهي التي تؤيد وتعَضد وتفوّض في فرض القوة واستعمال العنف وتقف في صفّ البلطجية بكل أنواعهم التي ذكرنا.

      هذه الركيزة المدنية، هي شعب في حدّ ذاته، له عقيدته وبناءه النفسيّ والأخلاقيّ والثقافي والحضاريّ. شعبٌ مستقلٌ استقلالاً تاماً عن الشعب الآخر الذي يرفض العلمانية والعسكرية وما يتبعهما من معالم ثقافة الشعب الآخر، إلا أنه يشاركه العيش على ذات الرقعة من الأرض.

      ذلك أن الثقافة، التي هي موضوع الحضارة وقالبها، في أفضل تعريفاتها العلمية "هي أن يتصرف الناس بطريقة واحدة - في المواقف المختلفة - دون تفكير مُسبقٍ في هذا التصرف"[1]. فأنت ترى أن تلك الركيزة المدنية من الشعب العلمانيّ المؤيد للسيسيّ تكاد تتطابق كلماتهم وتعبيراتهم عن وصف الأحداث الجارية على أرض مصر. فالسيسي بطلٌ قوميّ، وهو منقذ مصر من تطرف الإخوان وتشدّدهم في الدين، والمتظاهرون الرافضون للسيسي خونة إرهابيون، ويجب قتلهم جميعاً دون رحمة ... وهكذا.

      هذا التطابق يجعل هذه الطائفة شعبا منفصلا له عقيدته التي هي، سواءً وَعوا ذلك أم لم يَعوه، هي فصل الدين عن الدولة، وكراهة تطبيق شرع الله كما أُنزِل، والرضا بالذل ومحبته والخضوع للعسكر، مع انحطاط مشترك في القيم الخلقية ومحبة الفساد المتمثل في "الفن الإبداعيّ" والخلود للدنيا وجفاء الآخرة، وإن صلى منهم مصلٍ وصام وزعم أنه مسلم. هذا هو دين الليبرالية العلمانية سواءً رضوا أم تنصّلوا. فمن هذا الشعب من لا يتحرج في أن يعلن عقيدته صراحة، ومنهم من يلتوى بها ويحاول إلباسها لباس الوسطية الشركية، ومنهم من لا يدرى رأسه من قفاه، فهو تابعٌ في الكفر كحال قوم فرعون.

      والأمر أن الخلفية النفسية لهذه الطائفة تكمن في أمرين أحدهما الإنتكاس التام في الفطرة، خاى اصبحت قلونهم كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم عن حذيفة رضى الله عنه قال"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه". والأمر الثاني هو طبيعة الإستعباد التي ترَسّخت في قلوب هؤلاء فأفقدتهم الثقة بالنفس أولاً، ومن ثم ألجأتهم نفسياً إلى الإعتماد على "غيرٍ"، أيا كان هذا الغير، إذ الحُرّ مكلّف، وهؤلا ليسوا أحراراً نفسياً، بل هم مُكبّلون تكبيل العبيد، فصارت حاجتهم النفسية إلى اللجوء إلى "كبيرٍ"،و"قوي" يحمل عنهم عبء التكاليف التي يتحملها الحرً في رسم حياته وتحمل أعبائها. وقد ساعدهم هذا الضعف النفسيّ على ممارسة حرفة الشكوى. فهؤلاء أمهر الناس في الشكوى من أيّ أمرٍ، والشكوى هي عادة مخرج العبيد أمام أحوال العبيد. يشتكي العبد، ثم يلقى عبء الواقع على سيده. فهو راضٍ بالعبودية، ساخطٌ على أحوالها "أولئك كالأنعام بل هم أضلّ".

      أما الشعب الآخر الذي أرادت حكمة الله سبحانه ألا تتشوه فطرته، بل أبقى عليها، بدرجاتٍ متفاوتة، فقد أبرأه الله من تلك الأمراض النفسية التي وصفنا، فشعر بمعنى الحرية، ورضى بتكاليفها، حتى أن من زهرات شبابه من ضحى بحياته لأجلها. فالمسلم لا يمكن أن يكون مستعبداً ذاك الإستعباد النفسيّ، إذ تأبى فطرته الخضوع لغير الله تعالى. ومن ثم، فإن أفراد هذا الشعب، على ضحالة معرفة غالبيتهم بالشرع، قد أبوا أن يستسلموا لكلاب العسكر، وأن يكونوا عالة على ديكتاتور قاتل، يشتكون من حياتهم، ثم يصفقون لمن يُخَرِّبَها عليهم، دنيا وآخرة.

      • شعبٌ منحطّ الخلق، مُشوّهُ الفطرة، فاقدُ البصيرة، ذليل في نفسه، مرتدّ عن دينه.
      • وشعبٌ حرٌّ أبيُّ يعرف ربه، فيلجأ اليه، وإن شابت عقيدته بعض شوائب، فإنها لم تخرجها عن الصفاء، ولم تنحرف بها جملة عن الصواب.

      تماما كما انقسم شعب مكة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، طائفة تبنّت الكفر، وساندت وفوّضت أبا جهل وأبا لهب لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفعت باموالها وأولادها لحربه في جيش من الكفار، رغم أنهم قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعمامه وأخواله وأبناء عماته وأبناء خالاته، وأقاربه ورفقاء شبابه صلى الله عليه وسلم. وطائفةٌ أقليةٌ آمنت فتحررت من عبودية البشر وصفت نفوسها وصغت قلوبها لله سبحانه، فكانوا كتائب الحق المُحاربة ضد جيوش الأهل والعشيرة الكفار.

      هذان هما الشعبان في مصر، لا حجة بينهما، يحكم الله بينهما يوم القيامة. لا تفاهم ولا توادّ ولا تعاطف، حتى يحكم الله بينهما، فقد أعلن كلاهما ما يؤمن به، بلا غبشٍ ولا غشاوة، إلا عند جاهلٍ مريضٍ أو منافق مغرض.

      وستكون النصرة للمسلمين بعون الله، فإن الله مُنجٍ عباده "ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ۚ كَذَ‌ٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ"يونس 103، ثم ناصرهم "وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ" الصافات 173.


      [1] “Without thinking about it, people behave alike”.