فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار ..! 18

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء الثامن عشر: توقفنا على الحديث عن تلك الدعاوى الفارغة بشأن عدم تفريق الشمل وتقطيع أواصر المودة وشق الصف، وانتهينا إلى نتيجة أنْ " اصرف وجهك أخي المسلم عن مثل الدعاوى الداهيات وأصحابها، فهي مرض للقلب، وهزيمة للنفس، وسحق للإرادة، وبعدٌ عن منهج الله سبحانه، مهما استعمل أصحابها آيات وأحاديث صُرفت عن مواضعها واستُعملت في غير محلها". إذن، فخلاصة القول في منهج التعامل مع تلك الفئة من الطائفة المرتدة، أن تُقاطع ابتداءً، ثم يثستأنس منها من بقيت فيه بقية من فطرة سليمة، وهو الأقل الأندر، ثم تبدأ دعوتهم للإسلام إبتداءً، من مفهوم التوحيد صاعداً، لا من تصحيح وترقيعٍ لمفاهيم سياسية أة قضايا فقهية جزئية، فالخلل في عقول هؤلاء ونفوسهم أعمق مدى أبعد غوراً من تلك الجزئيات. (24) الدعوة والإعلام المسلم: وهذا البعد من الحركة المسلمة المرتقبة من أخطر جوانبها وأبعدها أثراً في نجاحها بإذن الله. إذ إن الإعلام هو عمود الفكر في أيام الناس هذه. فقد نبذ الناس القراءة وخاصموا الكتب، لضعف العقل وقلة العلم، وحلت محلهما المواد المرئية، التي تغذى العقل بما تقدم له، حقاً أو باطلاً. وقد عرفت الصهيونية قيمة الإعلام منذ بداية القرن العشرين، فأنشأت هوليوود، لتخرب من خلالها الإخلاق والقيم المسيحية وتهدم الدين المسيحي، وتفرض السيطرة الصهيونية على العالم المسيحي الغربيّ. وقد نجحت الصهيونية في هذا الغرض نجاحاً فاق تقديرات كبار رجالاتها، رغم أنّ بعض رجال المسيحية المتدينين، مثل هنرى فورد الأب، مؤسس شركة فورد الشهيرة، الذي أخرج كتاباً هاماً عن النشاط اليهودي في أمريكا[1]، وعزا ذلك السقوط الخلقي المسيحي في الغرب إلى الجهد الصَهيوني من خلال هوليوود بالتحديد. وهو ما جعله عرضة للإغتيال عدة مراتٍ آنذاك. وبطبيعة الحال، فإن المَطبخ الإعلامي الفاجر، الذي تتحكم فيه الصهيونية، قد انبرى، بعد أن انتهى عمله في تحطيم القيم المسيحية الغربية، والتي كانت لاتزال تتحكم في مجتمعهم حتى بداية القرن العشرين، إلى توجيه ماكينته الفاسدة الملحدة إلى العالم الإسلاميّ، وزرع بدايات ذلك من خلال بداية السينما المصرية في الثلاثينيات، والتي ساهمت بشكل شبه كليّ على تكوين عقلية ذلك الجيل الذي أشرنا اليه في مقالاتنا الأولى في هذه السلسلة، والذي "تعلمن" دون وعي منه. فصارت قضية حرية المرأة تعنى سفورها واختلاطها بلا قيود مع الرجل، وانتجت أفلاماً تُمجّد العواهر، وتحقّر من دور الزوجة وقيمة الزواج، وتضع "الحب" خارج إطار الزواج هو الأكثر رومانتيكية، وسائر تلك المفاهيم التي أنشأت لنا أمثال نبوية موسى وسيزا نبراوى ودرية شفيق وهدى شعراوى وأمينة السعيد ثم أمثال تهاني الجبالي، تلك الرجل المتخفي في زي امرأة، وجيهان السادات، ثم سوزان مبارك! ينادون "بتَحرّر" المرأة من قيود الإسلام، ومن الحِجاب وتبنّى الأزياء الغربية والمفاهيم العلمانية في مفهوم الصداقة بين الرجل والمرأة. ولم يقتَصر الدور الإعلامي العلمانيّ على تحطيم القيم الإسلامية، بل تحوّل إلى الأخطر من ذلك، من ترسيخ مفاهيم سياسية وفكرية، تُروّج للدكتاتورية حيناً، وللديموقراطية حيناً، وللشيوعية حينا، حسب السلطة القائمة، فأصبح الإعلام بوقاً للسلطة الحاكمة، وأصبح الإعلاميون مجموعة من المهرجين الساقطين، من عهرة النظام، يبثون خُبْثُهم وخَبَثَهم بين الناس. وقد ظهرت آثار ذلك، كأوضح ما يكون، في مسرح الأحداث المصرية على مدار السنوات الثلاثة الأخيرة. فقد نجح الإعلام المُلحد في تبديل عقائد الناس وتغيير هويتهم بالكامل، فصار قتل المسلمين واعتقالهم وحَرقِهم وحَرق المَساجد ورَشقها بالرصاص مقبولٌ مُبررٌ، بل مُرحّبٌ به من قِبَل أكثر العامة من الطائفة المرتدة في مصر للقضاء على "الإرهابيين". من ثم، فإنّ واجب الحركة المسلمة أن تتبنى إعلاماً سنياً صحيحاً، يقوم بما يلى: تقديم الإسلام صحيحا متكاملاً غير منقوص، وذلك بعرض مفهوم التوحيد بمركباته، من حكمٍ وولاء ونسكٍ وشعائر. التركيز على نقاط الضعف التي استطاع أن يشوّهها إعلام الكفر الملحد، سواءً في الناحية الإجتماعية مثل قضية المرأة، أو في الناحية السياسية كإيضاح ضلال مفهوم الديموقراطية الغربية، أو الناحية الفكرية الشرعية مثل إلقاء الضوء على قضية تصحيح المفاهيم بشكلٍ عام، طمفهوم التجديد والوسطية والحداثة وعيرها مما تلاعب به الإعلام، مدعوماً من ضلال "المفكرين الإسلاميين"، وما روجت له جماعة الإخوان المسلمين من ضلالات عقدية. الردّ على الضلالات اليومية التي ينشرها الإعلام الفاجر، سواءً إخبارياً أو شرعياً، مثل فتوى الملحد مغتى الكفر على جمعة. تكوين جبهة إعلامية موحدة، تتحدث بخطابٍ شرعيّ واحد، ليجتمع عليه الناس، بدلاً من النشتت وراء آلافٍ من اليوتيوب والفيديوهات التي تمثل تفرق الأمة لا اجتماعها. وذلك الهدف عزيزٌ صعبٌ لا محالة، لكن العملَ على إنجازه لا بد أن يبدأ خطوة خطوة، ما استطاعت الحركة الإسلامية اليه سبيلا. وذلك عن طريق: إنشاء محطة تليفزيونية حسب المُمكن المَاديّ المُتاح. تأمين الكفاءات الشرعية والإدارية التي تضمن استمرار العمل رسم الخطة الدعوية، سواءً في مجال الردّ على المُضلين، أو الدعوة للإسلام والتوحيد، أو التعليق على الأحداث الجارية، أو غير ذلك من الأغراض. إنشاء موقع الكتروني للتواصل مع العامة. إنشاء صحيفة تحمل الفِكر السُنيّ الصحيح، وتكون مركزاً للتجمع السنيّ. (25) الإنتشار الحركيّ ومراكزه: لاشك أن المشكلة الإسلامية هي مشكلة تتجاوز حدود القطر المصريّ إلى بقية أقطار بلاد الإسلام التي اغتُصبت من قِبَلِ حكومات مُشركة علمانية، إمّا علانية أو تخفياً وراء ستار إسلاميّ باهت مفضوح. ومن هنا، فإن هذا الذي ذكرنا، يخرج بالتطبيق من حيز مصر إلى حيز كافة الدول العربية التي تعاني كلها نفس الأعراض والأمراض التي تعاني منها مصر، فالمسلمون في الدول العربية هم نفس التركيبة الإجتماعية والإنفلات الخلقيّ والإنحراف العقديّ التي في مصر، حذو القذة بالقذة. ومن ثمّ، فإنّ حصر الحركة في مصر خطأ كبير لا يجب أن تقع فيه الحركة المسلمة المُرتقبة. بل الواجب هو التفاعل مع سائر الحركات التي تخطو على نفس الطريق، سواء منها الجهادية في سوريا أو اليمن أو العراق، أو ما تنتظر الظهير والتوجيه، كما في تونس والمغرب، أو ما ينتظر الحفز والبدء كما في دول الخليج. لكن الأولى اليوم هو ما بدء بالفعل، كما في سوريا أو العراق. والواجب على قيادات الحركة المسلمة أن يكون اهتمامها شاملاً عاماً لكلّ الحركات التي تقاوم عدوان الباطل الملحد العسكري في بلادها الإسلامية وعلى رأسها بلاد الشام خاصة. (26) الخاتمة بعد تلك الجولة التي استعرضنا فيها، باختصار، معالم المرحلة الحاضرة في صِراعِنا مع الحُكم الكافر العلمانيّ، الذي بات يسيطر على مفاصل الساحة الإسلامية كافة في كلّ بقاعها، بعد أنْ تمَكّنت قوات الغَدر والخيانة من القضاء على ما أسماه البعض "الربيع العربيّ"، فحوّلوه إلى خريفٍ تَساقَطت فيه أوراق العمل الإسلاميّ تحت وطأة جفاف الباطل الكفريّ، ورأينا مقدمات تلك الكارثة ني التاريخ القريب، وحاولنا أن نضع خريطة للعمل المسلم في المستقبل، دون أن يشتتنا الواقع في متاهات جزئياته، أو أن يجرنا التنظير وأحلام اليقظة بعيداً عنه. ما نحاوله إذن، كما قلنا من قبل، في هذه الوثيقة، أن نؤسس لدولة مسلمة، وأمة مسلمة، تواجه طغيان الكفر العربيّ وباطله، الذي بات أوضح من أن ينكره إلا من هم على دينه وشاكلته. وأن نلفت أنظار شيوخنا الأفاضل في كلّ مكان إلى ضرورة الاجتماع على عملٍ موحّدٍ، يتبنى خطاباً شرعياً واحداً، لا تتضارب فيه الأصول ولا تتعارض فيه المبادي ولا تتخالف فيه القواعد، فهذا شرُ ما يمكن أن يصيب العمل المسلم ويجعله مشلولاً محسورا. كما نلفت أنظار شبابن إلى أنّه لا عصمة لجماعة مهما ادعت لنفسها من فضل، وأنّ الإمتثال لقواعد الشرع وأدلة الشريعة هو مقتضى دين الله وحقيقة طاعته، لا حديث مرشدٍ ولا توجيهات قياديّ في جماعة. إنه مما لا يشك فيه عاقل اليوم، إلا أصحاب الجهل أو الهوى ممن لا يعترف بخطأ قادته ولو كان أظهر من الشمس، أن المذهب التي اتبعته الإخوان المسلمون عقديا، والطريق الذي سلَكَته سياسيا لم يحققا إلا الفشل الذريع والهزيمة المنكرة والإندحار الشائن. ولو كنا نأخذ على عبد الناصر الهالك أنه حوّل هزيمته في 67 إلى نصر وهميّ، فلماذا نحوّل هزيمة النهج الإخوانيّ إلى نصرٍ وبطولة؟ كيلٌ بمكيالين لا يصح في عرف المسلم العاقل. إذن، فلنبدأ رحلة الدعوة، والحركة، ثم المقاومة والمواجهة، فإننا مدينون لله بهذا، لأمتنا ولعامة المسلمين.   [1] “The International Jews“ By Henry Ford, Sr. Vol. II: Jewish Activities in the United States, Publisher: Liberty Bell Publications.