فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الإخوان .. بين كُره المُغفّل ومحبة المُضَلّل

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      يشهد المشهد المصريّ اليوم، على ما فيه من تعقيد وتشابك في الرؤية والتحليل، مزيداً من اختلاط التوجهات التي تفت في عضد الحركة المسلمة التي نريد، ويريد لها كلّ مسلم، أن تتبَلور صافية قوية، لتواجه قوى الكفر العلماني العسكريّ، وهو الخَلط في تقييم الإخوان وحركتهم، قيادة وشباباً، فيما قدمت في الماضي القريب والبعيد.

      (1)

      وأسباب ذلك الخلط عديدة، منها الجهل بالشريعة عامة، وبتلك الجماعة خاصة، تاريخاً وعقيدة. لكن أهمها اليوم هو تصدى من لا رأي له في الحديث في شؤون المسلمين، وشيوع ذلك الأمر بين أنصاف العوام، وإن حملوا القاباً علمية، توهم العوام والدهماء. فإن أمر العلم الشرعيّ ليس أمر من يكتب ما يسميه "مقالاً" ويضعه على صفحة تواصل اجتماعيّ، وكل رويبضة يفعل هذا اليوم، بل هو أمر دراسة الشريعة كعلم، بأصولها وفقهها ومصطلح حديثها وتفسيرها ومذاهبها وفرقها وأشياععا ونظائرها، ثم لا يكتفي بهذا، فالدارس المثحصّل شئ والباحث المُنتج ش آخر، فنرى له النتاج العلميّ من كتٍ وأبحاثٍ تضيف للعلم الشرعي، لا تكراراً وسرداً، بل استنباطاً وتحليلاً. واليوم يكتب كلّ من هبّ ودبّ "مقالات"، لكن الفيصل هو فيمن له من العلم الشرعيّ ما يؤيد به تلك "المقالات"، وإلا فهو، إن تعرض للإفتاء للمسلمين بفعلٍ أو بإمساكٍ عن فعل، فهو ضالٌ مضل. وإنك لواجدٌ أن التأرجح النفسي لبعض هؤلاء الكتبة هو الحاكم على ما يدونون، حسب حالة المتحدث، بلا ضبط شرعي، لذلك تجده يتأرجح في آرائه، بين تأييد أوتعريض.

      وهذا الموضوع الذي نحن بصدده هو من تلك الموضوعات التي ستصيب الحركة المُسلمة بشلل، وستوقع بين أهلها العداوة والبغضاء.

      ولعل كلّ من يدّعى لنفسه علماً بما يجرى على السّاحة الإسلامية، لا علماَ شرعياً بالذات، يعلم أن كاتب هذا المقال، كان، ولا يزال، أكثر من تناول النهج الإخوانيّ بالنقد والتعريض وتوضيح العِلل والبلاءات المتراكمة فيه، عقدياً وسياسياً، على مدى الخمسة والثلاثين عاماً الماضية، منذ أصدر كتاب "فتح المنان في بيان حقيقة الإيمان" عام 1979، الذي فيه بيان الخلل العقدي في كتاب "دعاة لا قضاة"، قبل أن يعرف العالم مواقع الإنترنت، وقبل أن يبرز غالب كتّاب "المقالات" اليوم على صفحات مواقع التواصل الإجتماعيّ، بل قبل أن يولد كثيرٌ منهم، والله تعالى أعلم.

      نحن نعلم أنّ هناك الكثير ممن أصابته يد الإنحراف الإخواني بمصائب في الأهل والأقارب، ومن هنا فإن مثل هؤلاء، مع تعاطفنا التام والكامل معهم، لا يصلح أحد منهم في الحكم على الإخوان، أو توجيه الجمهور في هذه المرحلة من تاريخنا، وهذا مبدأ قانونيّ وأصوليّ وعقليّ بسيط، لقيام شبهة التعارض في المصلحة، ودخول الهوى في الحكم.

      وقد رأينا فئات من المسلمين يتّبعون الإخوان كأنهم رسل من الله جُددٌ، لا يُخَطّؤنهم في شئ ولا يرون فيهم عوجاً ولا انحرافاً في أمر.

      كما رأينا فئاتٍ من المسلمين لا يرون أسوأ من الإخوان على البسيطة، فهم شياطين مُتمثلة في أجساد بشرٍ، يجب حرقها تقرّباً إلى الله. ومنهم من أسس جماعاتٍ بذاتها على هذا المبدأ.

      وكلاهما على خطأٍ بينٍ وضلال في ناحية من النواحي، وجريرتهما معا هي الهوى المُردى، الذي إن أصاب النفس أفقدها بوصلة الحق وعماها عنه.

      فلننظر، مرة أخرى، لعلها تكون الأخيرة، في قضية الإخوان، ونزنهم بميزان الشرع لا الهوى، فننصفهم في موضع التعديل، وننسلخهم في وضع النقد والتجريح.

      (2)

      مواضع النقد والتجريح:

      وما أكثرها، فالإخوان، كجماعة" قد أصابوا الأمة كلها بكوارث تلاحقت عليها بسبب انحرافهم العقديّ أصالة السياسيّ نتيجةً. فالإخوان قد تبنوا مذهب الإرجاء القديم، في صورة محدثة. فالإرجاء، كفكر قديم، ينص على أنه لا يضر مع الإسلام معصية، وأنه طالما أنّ المرء نظق بالشهادتين، فلا يضره ما يفعل بعدها. وقد اصّلوا لذلك في مسائل الإيمان أصولاً تضمن مثل هذا التصور العقديّ، منها أن الإيمان قول لا عمل، ومنها أنه ثابتٌ لا يتغير، وأنّ متساوٍ عند كلّ مسلم فإيمان أخس أهل الأرض مثل إيمان جبريل، وغُلاتهم فرقة ادّعت أن مجرد النطق بالشهادتين ولو مع إنكارهما بالقلب هو الإيمان![1] وسائر ما ادّعوه. إلا أنهم وقفوا عند حدّ المعصية في قولهم هذا في مسائل الإيمان، ولم يذهبوا إلى أنّ أعمال الكفر ينجو صاحبها بقول الشهادتين.

      لكن الإضافة التي أضافها الإخوان لهذا المذهب في عصرنا الحديث، وهو أنه لا يرتدّ أحدٌ بذنب وإن كان مكفّراً. وراحت فقهاؤهم يحملون النصوص الشرعية فوق ما تحتمل، ووراء ما تقصد، يلتوون بمفهوم الإيمان ليّاً ليثبت لهم في آخر الأمر، عملياً وإن أنكروه نظرياً، أنه لا ردّة في الإسلام، وأنه ما أن ينطق أحد الشهادتين فلا مخرج له من الإسلام إلا إن قال صراحة وعلانية "أنه يشهد وهو في كامل قواي العقلية أنه كفر بالله العظيم كفراً بواحاً، وأنه ارتد عن دين الإسلام طواعية". هذا، عملياً هو مآل مذهبهم الذي فصلوه في كتب مأمون الهضيبي "دعاة لا قضاة"، والذي كتبنا ردّاً مفصلاُ عليه في 1979، في كتابنا "فتح المنان في بيان حقيقة الإيمان".

      فقد زعمت الإخوان أن الحكم بما غير ما أنزل الله تشريعاً وتأصيلاً هو معصية ليس كفراًن وذلك حتى يتخلص لهم عدم تكفير الحكام الذين يشرعون من دون الله، وحتى يتثنى لهم قبول الأشكال السياسية التي يتبناها الغرب، بدعوى المرونة، كالديموقراطية وغيرها. وذهبوا في قولهم هذا إلى أبعد الحدود، وعاشوا به، ولقنوه لأجيالهم الشابة، حتى ظنا أنه دين الله المنزّل، وحتى رأيتهم إلى يوم الناس هذا، وهم يقولون عن السيسي وصحبه، الذي كفر بالله تشريعاً وولاء كأوضح ما يكون الكفر، أنه أخاهم بغى عليهم!! وما هذا إلا أنَفة أن يرجعوا عمّا تبنوه ديناً لهم عقوداً متتالية. فسبحان من بيده القلوب.

      وكان من نتيجة هذا الإنحراف العقديّ الشنيع، أن خرجت كلّ أفعالهم السياسية التي اعتمدت على المفاوضات وحلول الوسط ومبدأ "المشاركة لا المغالبة"، إذ كيف يعلنون مذهباً كهذا إن اعترفوا بأن خصمهم كافر؟ خصومهم إذن مسلمون موحدون، لذلك يمكن التآمر معهم والتفاوض والتحاور، كما فعلوا في كامب سليمان، إذ عمر سليمان بالنسبة لهم مسلماً، ويمكن أن يكون ولياً إن لزم الأمر! ولذلك قابلوا الفنانين "المبدعين"، فهم مسلمون عاصون، لا موالون للكفر مرتدون ردة سببها ولاؤهم للكفر وتبنيهم للعلمانية لا بسبب الفسق والخلاعة، وسائر مواقفهم السياسية المخزية التي أدت إلى هذا الموقف الذي يواجهه الإسلام اليوم.

      فقيادات الإخوان إذا، قيادات ضالة عقدياً، وكما قلنا من قبل، إن الاعتقال والتعذيب والسجن لا يدل شرعاً على صحة مذهب المعتقل أو المقتول أو السجين، وأن هذا المنطق البسيط، الذي يجعل الإخوان على صحة رأي أو عقيدة بسبب ما عانوه ويعانوه من ظلمٍ، لا يقبله إلا العوام الذين يفهمون بطريقة "واحد + واحد = اثنين" ولا أبعد من ذلك.

      ومن هنا فإننى، كما ذكرت من قبل أيضاً، أحملهم مسؤولية دماء الشهداء الذذين سقطوا بسبب عماهم السياسيّ وانحرافهم العقديّ. وهم سبب ما تعانيه الأمة اليوم من خلل في فهم موضع الجهاد ومعناه لدفع الصائل المعتدى.

       (3)

      مواضع الفضل والتعديل:

      فمنها ما بينهم وبين ربهم من صبرٍ على المحن، واحتساب أبنائهم وبناتهم وأنفسهم شهداء عند الله، وهو قدرٌ نرجو الله أنْ يجعله في ميزان حسناتهم، حين يأتي يوم الوزن والحساب.

      أما حديثاً، فإن دورهم، في التصدى لكفار الداخلية، في أحداث يناير لا يُنكر، حتى تدخلت السياسة اللعينة في قرارات قادتهم، فخرّبت الدنيا. وهم اليوم يخرجون في المظاهرات ويُقتلون يومياً، مع بقية أبناء الشعب المسلم. فهم لا يتأخرون عن الخروج وعن التضحية بأنفسهم وأهليهم.

      ومنها ما كان في صالح الأمة عامة، فإن وجود هذه الجماعة، في وجه الموجة العاتية من الشيوعية في عهد الهالك عبد الناصر، ثم العلمانية والماسونية في عهد الهالك السادات والمُلحد الغيرمبارك، قد ساهم في الحدّ من أثرها لدرجةٍ كبيرة.  

      كذلك فإنهم يكثّرون سواد المسلمين اليومن على بدعتهم. فكم من أهل بدعة أعانوا على النصر ضد الصليبية وقوى الكفر في تاريخنا، وهذا لا يعنى إقرارنا لبدعتهم، لكنه كذلك لا يعنى أن ننكر دورهم البتّة، فقد قال تعالى " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ ۚ ٱعْدِلُوا۟ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ" المائدة 8.

      يجب أن يكون هناك تمييز بين قيادات الإخوان الذين أسسوا للوضع الراهن بغبائهم السياسيّ وانحرافهم العقديّ، وبين الجمهور الإخوانيّ الذي أصبح اليوم يتحرك على الأرض دون قياداتٍ على الإطلاق. وهؤلاء بلا شك ملوثون بالفيروس الإخوانيّ، فهم على بدعة قياداتهم، لكن هؤلاء يمثلون اليوم جمهوراً لا يمكن ولا يصح معاداته، فهم لا يستوون مع ذلك الجماهير التي دعمت وفوّضت السيسي الملحد، وإن قيل إن كليهما مخدوعٌ بباطل، لكن شتان بين باطلين، باطلٍ ينتصر للإسلام على الجملة على تفصيل في ذلك، وبين باطلٍ يؤيد الكفر البواح وينصره ويدعمه ويفوّضه في قتل المسلمين وحرق المساجد وتعطيل الصلوات ونشر الفسق والفساد، سواءً في ذلك من أيّد وفوضّ أو من وقف حائراً لا يدرى حقاً من باطلٍ، ويعتقد أن ما يحدث يقع في دائرة "الخلاف السياسيّ"، وهؤلاء الحائرين هم أغبى المجموعتين وأضلهما سبيلاً وأبعدهما عن دين الله.

      الحكم إذن على الإخوان يجب أن يكون مبنياً على جانبيّ الجرح والتعديل، بلا هوى ولا غضب، بل حسب الرؤية الشرعية البحتة.

      وأمر الإسلام اليوم في مصر أخطر من أن ينصرف فيه المسلمون إلى الصراع الداخليّ بين الإخوان وبين غيرهم، فالعدو الأصيل واحد اليوم، وهو السيسي وجيشه المرتد وقومه المفتونين عن دينهم، يجب أن يكون هذا العدو هو موضع اهتمام القائمين على أمر هذه الأمة، بلا خلاف.

      [1]  راجع "الفصل في الملل والأهواء والنحل" لإبن حزم