فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار ..! 17

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء السابع عشر: وصلنا إلى القول بأنه "إذا نظرنا إلى هذه الطائفة، وجدنا أنها قد والت الكفار، وعادت المسلمين، مريدة لذلك، عالمة بأنّ هذه الطغمة الملحدة التي يوالونها يرفضون الحكم بالشرع، ويقتلون "الإخوان المسلمين" و"المتطرفين"، الذين يريدون حكم الشرع "المتطرف"، ونيتهم مجتمعة على ذلك، يضاهئون قول الذين كفروا من الإعلاميين. وولاء الكفار، العاملين على إزالة شرع الله، في موضع القتال ضد المسلمين، كفرٌ أكبرٌ لا خلاف عليه". وما يحضرنا هنا، قبل أن نتناول كيفية التعامل مع الطائفة المرتدة من أهل مصر، بفئاتها الثلاثة، أن نزيل هذا الوهم البارد الذي تتفوه به بعض العوام، بل وبعض أشباه الدعاة، من التعلق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مالك "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". وهو حديث صحيح، لكنه، كعادة أهل البدع، محمول على غير معناه، ومُستعملٌ في غير مساقه. فإن هذا الحديث يتحدث عمن يكفّر من عمل ذنباً أو فسقاً، ويمنع من إطلاق الكفر أو الشرك عليه، كما روى الحافظ بن عبد البر في التمهيد. لكنّ منطوق الحديث لا يمنع إطلاق الكفر على كلّ أحدٍ أيّاً كان، أو لأي عمل عمله، فقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ أحد الطرفين يكون كافراً بهذا الإطلاق، لكنه لم يقل "لا تطلق على أحدٍ لفظ الكفر بأيّ شكلٍ ولأي سبب"، وهذا أمرٌ واضح صريحٌ في كلمات الحديث، وفي المنطق الصحيح، وفي أصول الفهم والنظر، فإنه بهذا يناقض معنى الردة ويمنع وقوعها بإطلاق، ويجعل حدّها نظرياً لا معنى له. إنما المقصود هو أن يتثبت القائل من قوله، بأن يكون عالماً متمكناً مما يقول، له عليه أدلة ينافح بها عن قوله أمام الناس، وأمام الله سبحانه. (23) أما عن معاملة هذه الطائفة، فهي تختلف بإختلاف فئاتها التي ذكرنا. فالفئة الأولى والثانية، من كفار الإعلام والسياسيين وقادة الجيوش وضباط الجيش والشرطة والقضاة ومشايخ السلطان، من رفض حكم الله، ودعم وفوّض من رفضه، وولغ في دماء المسلمين وأفتى بقتلهم، فهؤلاء يجب التعامل معهم كما تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، كما في حديث النسائي، ننظر من يكفينا أذاهم. أما الفئة الثالثة، وهي التي يجب أن يكون المسلم الداعية حصيفاً في التعامل معها، فقد تختلف طرق دعوة هذه الطائفة من داعية إلى آخر حسب طريقته، لكن ما يجب أن يكون ثابتا لا خلاف عليه بينهم هو: عدم التنازل عن الثوابت، أو الإلتواء في البيان، بحجة الدعوة والتقريب والتأليف والترغيب. فإن كل هذه الأمور، وإن صحت  في مواضعها، لا تبدّل حكماً شرعياً أبداً. البدء بالمقاطعة وبيان سببها بوضوح، سواءً للأهل أو الأقارب أو الأصدقاء، مهما كانت مودتهم للمسلم. التقرب فقط ممن يرى المسلم أن فيه أو فيها بقية فطرة قد تتقبل الإسلام، وتتفهم مقتضياته ولوازمه. عدم قبول الحلول الوسط أو المواقف المتميّعة، فمن مثل هذه الميوعة أُصبنا في ديننا واستبيحت دماؤنا وأعراضنا. شرح معاني التوحيد ابتداءً، لا مجرد تصحيح مواقف سياسية أو آراءٍ اجتماعية، فإن ما بُنيَ على باطل، لن يثمر إلا باطلاً. ولتستحضر دائماً أيها المسلم قول الله تعالى "قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَ‌ٰنُكُمْ وَأَزْوَ‌ٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْواَ‌ٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌۭ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍۢ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ"التوبة 24، فهي آيات رادعات لمن يتحجج بصلة الرحم، والشفقة على الأخوة والأهل، وسائر تلك الحجج الباطلة في هذه الموضع. نعلم أنّ الأمر صعبٌ على النفس، شاقٌ على القلب، مؤرقٌ للضمير، لكنه تكليفٌ من الله سبحانه، والتكليف يحمل معنى المشقة في طياته أيّا كان. وهو مقتضى التوحيد، ومناط محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتقديمها على محبة الناس، أيّا كان هؤلاء الناس. إن من يقول بأن هذه دعوة لتفريق الشمل وتقطيع أواصر المودة وشق الصف، هو إما واهم جاهل، أو عميلٌ منافق، لا ثالث لهما. فإن الإسلام واضح صريح في قضية الولاء والبراء، وفي قضية تمييز الصفوف "مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ" آل عمران 179، وهو التمايّز في الدنيا كما سيكون تمايزاً في الآخرة "وَٱمْتَـٰزُوا۟ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ" يس 59. وأيّ صفٍ يتحدث عنه هؤلاء المرضى؟ كيف يتحد صفان، صفٌ يدعو إلى الله وشرعه، وصفٌ يدعم من يحارب الله ويدعمهم ويوفوضهم لحربه؟ ثمّ أيّة مودة يحملها المسلم لمن شاقّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ودعم وفوّض من يحاربوهما جهراً وعلناً "لَّا تَجِدُ قَوْمًۭا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوْ كَانُوٓا۟ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَ‌ٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ " المجادلة 22، وليس أوضح من ذلك قولٌ في هذه المسألة. وأسوق اليكم طريفة في التفسير تليق بهذا السياق. يقول الله سبحانه "وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادًۭا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَشَدُّ حُبًّۭا لِّلَّهِ ۗ " البقرة 165. والتفسير المتداول أنّ الذين آمنوا أشدّ حباً لله من حب الكفار لأصنامهم، على أنّ الأنداد هم الأصنام التي كانت تتخذها كفار قريشٍ آلهةً. إلا إنه إن أمعنا النظر في معنى "الأنداد"، وجدنا أنها كلّ ما يمكن أن يقوم مقام الإلوهية في نفس العبد، سواءً كان أصناماً، أو أفراداً، أو أفكاراً، كلها سواء في "النِدّية". فهنا يكون التفسير السابق غير كافٍ لشرح الآية الكريمة، في حالة أنّ الأنداد أفراد، أو أهل وعشيرة، فإن المؤمن يحبُ أهله وعشيرته كذلك، وإذن يكون التفسير اللائق هنا أنّه مع حُبكم لأهلكم وعشيرتكم، فإنّ حبكم لله يجب أن يكونَ أشدّ من حبكم لأهلكم وعشيرتكم، خاصة منهم من خان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما يتطابق مع آية التوبة، ومع مفهوم الولاء والبراء عامة. فاصرف وجهك أخي المسلم عن مثل الدعاوى الداهيات وأصحابها، فهي مرض للقلب، وهزيمة للنفس، وسحق للإرادة، وبعدٌ عن منهج الله سبحانه، مهما استعمل أصحابها آيات وأحاديث صُرفت عن مواضعها واستُعملت في غير محلها. وإلى المقال التالي إن شاء الله تعالى