فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار ..! 16

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الجزء السادس عشر:

      انتهيت في المرة السابقة إلى أنه "علينا أن نعزم على الخطوة الأولى، وإلا فسنحير في مكاننا، وندور في دوائر مفرغة، تظاهر، قتلى، ظهور دولة السيسي الملحد، تظاهر قتلي، استمرار للكفر والعهر وتعاظم دولة  يسرا وإلهام شاهين. إن من يعتقد أنّ هذه التظاهرات تفتّ في عضد هذه العصابة المجرمة، واهم وهماً قاتلاً، يصل إلى حد الغباء المفرط، كما عرفنا عن الإخوان سابقاً".

      أود بداية أن أبيّن نقطة هامة، نقلها لي أحد الأخوة القراء، قال إنني كنت أدعو منذ أسابيع إلى المقاومة المسلحة وإلى القتال والضرب والعنف، بينما الآن أدعو إلى بناء قاعدة أولاً وعدم اللجوء للسلاح حالياً. وقد شكرت الأخ الكريم إذ بيّن لي ما عجزت أنّ أبينه مما قد يشتبه على القراء، في بعض المواضع، وهي طبيعة الكتابة البشرية، الإشتباه في المعنى.

      إن راجع القارئ المدقق كل ما كتبت منذ بداية النكسة الكفرية في مصر، وجد أنني كنت، ولا زلت أدعو إلى المقاومة "المسلحة"، بمعنى أنه لا يجوز الخروج في تلك التظاهرات، كاشفي الصدر، دون تسليح، تحت شعار السلمية الواهم، إذ يجب، وأكرر، يجب على من أراد الخروج أن يعد له عدته. أما هذا الإنتحار الجماعي المسمى "بالسلمية"، فهو لا يجوز على وجه الإطلاق. إذن، فقد قلت ولا أزال، إن خرجتم فاخرجوا مسلحين بأيّ شئ كان وأي شكلٍ كان، فإنه حينذاك، تكون الفرصة 50% سانحة للنكاية في العدو، أمّا إن خرجتم كاشفي الصدر دون تسليح، تحت شعار السلمية الواهم، فإن الفرصة صفر مربع منذ أول لحظة! والله سبحانه يقول "يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" التوبة 111، فلاحظ حبيبنا القارئ، أنهم َيَقْتُلُونَ، كذلك َيُقْتَلُونَ، لا أنهم َيُقْتَلُونَ فقط لا غير. أن تتخذ جماعة من البشر المسلم السلمية هذه مبدأً تتحرك به في مواجهة العدو الكافر، هو إثم عظيم وجرم مبين، لا مُسوّغ له شرعاً إلا ضعف الإرادة أو قلة العلم، أو كلاهما.

      فنحن إذا لم نغير ما قلنا، بل نحن، في هذه السلسلة نؤسس للحركة المُسلمة التي يمكن أن يأتي التغيير علي يديها، وهي حركة يجب أن تؤسس على الفكر السنيّ الشرعيّ البحت، بلا شوائب بدعية أو شواغب إرجائية، وتقدم الإسلام للناس كاملاً غير منقوص أو مختصر مبتسر، وتضع الجهاد في سبيل دفع الصائل في مصر، أو غيرها من بلاد المسلمين، على رأس خطتها المنهجية، بعد أن أزاحته القوى الإخوانية لعقود عدة.

      (22)

      الطائفة المفتونة عن دينها:

      وحين أتحدث عن هذه الطائفة، فإننى أعنى تلك الفئة التي دعمت وفوضت وباركت حكم السيسي العسكريّ الملحد في 30 يونيو الماضي، وفي المجازر التي اقترفها في حق الطائفة المسلمة. وهي تتكون من ذلك الخليط النكد:

      فئة علمانية بحتة، لا تومن بأديان إبتداءً، وهي غالباً من الإعلاميين الفجرة، والممثلين العهرة، وكثير من "رجال الإعمال" السارقين، وغالب السياسيين وكثير من القضاة، وعدد من المتعلمين، ولا أقول المثقفين، ممن اتخذ الكفر بالإسلام ديناً، من أطباء ومهندسين وغير ذلك من المهن، وعدد من "رجال الدين" القطاع العام، كبابا الأزهر وعاهر الإفتاء وملحد الأوقاف الحاليّ وأضرابهم.

      فئة منافقة مثل مشايخ القطاع الخاص، كالعاهر البرهاميّ ومحمد حسان وعلى جمعة، وأضرابهم، وعدد كبير من القضاة وأصحاب المناصب الحكومية المتنفذه، كوكلاء الوزارت ورؤساء الهيئات. كذلك كثير غالبٌ من أصحاب الوظائف الحكومية

      فئة من عامة الناس، ممن لا عقل له، وممن فَسَدت فطرته ابتداءً، استمعوا إلى إعلام الإجرام والكفر، وأصغوا له وأنصتوا، ولم يكن لديهم أصلاً رصيد من القدرة على التفكير البسيط أو المنطق السديد، فاتبعوا كبراءهم وسادتهم، وساروا وراء فراعينهم، ورددوا أكاذيب سحرتهم.[1]

      وهذه الفئات الثلاثة، كلها مرتدة عن دين الله. وقد لا يجادلنا في الفئتين الأولتين كثير من الناس، لكن الفئة الثالثة هي التي يقع كثيرٌ من المسلمين، بل من الدعاة، بل من بعض أفاضلهم، في خطأ توصيفهم الشرعيّ، إذ يحكم هؤلاء بالشبه لا بالشرع، فهم يرونهم جهلة مساكين، اغتروا بسحر الإعلام، ومنهم من يصلى ويصوم، ويقرأ القرآن، ومنهن من ترتدى الحجاب وتقيم الصلاة.

      هذا موضع يظهر فيه الفرقُ بين حكم العاميّ وحكم العالم، وبين الحكم بظاهر الرأي والهوى وبين الحكم بأدلة الشرع ومقتضياته وقواعده.

      لقد قص الله علينا قصة موسى عليه السلام مع أهل مصر، وبين أن هناك من صدقه واتبعه في رحلة الخروج إلى سيناء وهم بنو إسرائيل ممن دخلوا مصر في عهد يوسف عليه السلام، وذرية الأسباط، ومنهم بقية أهل مصر ممن لم يصدق بموسى عليه السلام، واتبع سحرة فرعون. كان من هؤلاء المصريين ملآ فرعون، أي سادة القوم وكبراءهم، ثم كان غالب البقية من عوام الناس والدهماء، ممن استمع للسحر وجَيَّش منهم فرعون جيشه وحشد جنده. فجند فرعون لم يكونوا بلا أهلٍ أو أقارب يعملون ويتحركون في جنبات مصر للرزق والسعي في الحياة، تماما كجند السيسي اليوم، لهم أهل وأقارب يتحركون في جنبات مصر للرزق والسعي في الحياة. كما كان هناك عامة ليسوا من أهل الجند، لكنهم تابعوا فرعون وصدّقوا قوله أنه مرشد أمين "قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ" غافر29، كما يقول السيسي اليوم لأتباعه "وبكره تشوفوا مصر!!). فمع أنّ هؤلاء المصريين كانوا من العامة والدهماء فإنهم كفروا بالله ورسوله موسى، فإن الله قد حكم بكفر فرعون وجنده "إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا۟ خَـٰطِـِٔينَ" القصص 8، لكنه حكم كذلك بكفر بقية أهل مصر ممن لم يتبع موسى، كلهم أجمعين، وهم من سماهم "قوم فرعون" و"آل فرعون" وهم أكثر من جنده وملإه وآلته العسكرية، قال تعالى "كَدَأْبِ آلفِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ"آل عمران 11، "بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔايَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦفَظَلَمُوا۟ بِهَا ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ" الأعراف 103، "وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُۥ وَمَا هَدَىٰ" طه 79. فالآل والملآ والقوم، كلّ له دوره في آلة الكفر الفرعونية، القديمة والحديثة.

      هذه الطائفة المرتدة المفتونة عن دينها إذن هي "قوم السيسي"، والمجلس العسكريّ والوزراء والكبراء والسياسيون هم "ملأ السيسي" و"آل السيسي"، والإعلاميون والفنانون و"المبدعون" هم "سحرة السيسي". هكذا يجب أن يُقرأ القرآن، وأن تُستلهم آياته، وإلا كان قوله تعالى "لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌۭ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَـٰبِ"يوسف 111، إما ليس بعبرة تعبر بها العقول من مشهدٍ إلى مشهد، وهذا تكذيبٌ لله سبحانه، أو إننا لسنا من ذوى الألباب الذي يستطيعون قراءة هذه العبرة والإستفادة منها.

      ثم يأتي القائل: لكن قوم فرعون "كذبوا بآيات الله ولم يتبعوا رسوله موسى عليه السلام"، فنقول نعم، لكن التكذيب هو صورة واحدة من آلاف من صور الكفر، فكيف عن كفر الإعراض بلا تكذيب[2]؟ وكيف بكفر الجهل[3]؟ وكيف بكفر العناد والإستكبار مع العلم والتصديق؟ ولست بصدد شرح هذه الأنواع من الكفر، فقد تناولناها في عدد من كتبنا بالتفصيل والتحليل، كما تناولها غيرنا من أفاضل العلماء، بارك الله في عملهم، قديماً وحديثاً هذا الأمر، فليرجع اليه من شاء.

      ثم، إن الأمر يتعلق، أصولياً، بشكل الفعل ونية الفاعل، وهي نقطة قد تناولناها في شرحنا لكتاب الموافقات، وتناولناها في كتابنا "مفتاح الدخول إلى علم الأصول" كما بينها كثيرٌ من العلماء، منهم الشيخ الجليل العلامة عبد المجيد الشاذلي رحمه الله تعالى. ذلك أنّ الفعل حين يقع من إمرء، فإنه يقع بلا تكييف شرعيّ ابتداءً حتى يصاحبه ثلاثة أمور، أولها النية، وثانيها إرادة الفعل بذاته، وثالثها الحكم الشرعي للفعل. ومثال ذلك أنه إن مزق أحدٌ كتاب الله، فحتى يحكم بكفره يجب أن تكون نية الفاعل تمزيق كتاب الله، فهو حين مزقه يعرف أنه كتاب الله، ولم يظنه كتاب عادي. ثم أن يكون مريداً لهذا الفعل بذاته، أي أنه أراد تمزيق هذا الكتاب بالذات، ولم يرد أن يحمله من مكان إلى آخر على سبيل المثال، ثم أن يكون الفعل في ذاته فعل كفرٍ لا فعل معصية، وتمزيق المصحف، عالماً بأنه مُصحف ومريداً للفعل، هو كفر يكفر فاعله بلا خلاف. وقس على ذلك كافة أعمال الكفر[4].

      فإذا نظرنا إلى هذه الطائفة، وجدنا أنها قد والت الكفار، وعادت المسلمين، مريدة لذلك عالمة بأنّ هذه الطغمة الملحدة التي يوالونها يرفضون الحكم بالشرع، ويقتلون "الإخوان المسلمين" و"المتطرفين"، الذين يريدون حكم الشرع "المتطرف"، ونيتهم مجتمعة على ذلك، يضاهئون قول الذين كفروا من الإعلاميين. وولاء الكفار، العاملين على إزالة شرع الله، في موضع القتال ضد المسلمين كفرٌ أكبرٌ لا خلاف عليه. وقد بيّنا أن قوم فرعون، من عوام المصريين كانوا يعتقدون أنّ فرعون يريد لهم الرشاد والسداد، وهل يظن أحدٌ أن فرعون قد كان يعلن أنه كافرً، يقول الله تعالى في تخاصِم أهل النار "وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ"سبأ 33. إذن هو مكر الليل والنهار من الذين أتُبِعوا، وهو الإتباع والولاء والتصديق من الذين أتبَعوا. هي إذن برامج  باسم يوسف وابراهيم عيسى وتوفيق عكاشة وعمرو أديب ولميس الحريري وأفلام يسرا وإلهام شاهين وخالد يوسف، مكر الليل والنهار، وإذن تتبع هذه الطائفة المفتونة عن دينها هؤلاء، والسيسي، في معاندة الله، عالمة بأن هذا الإتباع والتفويض يزيح شرع الله عن الحكم، وهم قاصدون للتفويض والدعم لا لغيره، كارهين للمسلمين الذين يخرجون دفاعاً عن الدين والشرع، متهمين لهم أنهم يريدون "خَراب البلد" وأن السيسي يريد بالبلد "الرشاد".

      كيف نتعامل إذن مع هذه الطائفة المارقة عن دين الله بكافة فئاتها الثلاثة؟

      نكمل في المقال التالي إن شاء الله.


      [1] استمعت اليوم لأحد هؤلاء، امرأة اسمها رحاب، التقت الجزيرة بأبيها في مكة، وطلب الحديث مع ابنته، هذه، فهاجمت الجزيرة على أنها تقدم كذباً وأنها تريد بمصر شراً، وأن الوضع الحالي في مصر هو من جراء نقل الجزيرة لأخبار مصطنعة!

      [2]  راجع كتابنا "فتح المنان في بيان حقيقة الإيمان"

      [3]  راجع كتابنا "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد"

      [4]  راجع في ذلك بالتفصيل كتاب شيخ الإسلام بن تيمية "الصارم المسلول على شاتم الرسول". يقول شيخ الإسلام نصاً "فبالجملة، من قال أو فعل ما هو كفر، كفر بذلك، وإن لم يكن يقصد أن يكون كافراً، فإنه لا يقصد أحدٌ الكفر إلا ما شاء الله".