فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار ..! 14

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الجزء الرابع عشر:

      انتهينا إلى القول في منهج التوجيه والإصلاح والإعداد للطائفة المسلمة، ومنهج الدعوة لمن هم من الطائفة التي أزَلّها الشيطان السيسي وسَحرته عن دينها. وقد بنينا هذا التقسيم على الحال الحاضر، شَرعاً وواقعاً، من حيث انقسام الشعب إلى هاتين الطائفتين، ووجوب التمييز بينهما في طُرق المعاملة وفي سبل الدعوة.

      (20)

      التوجيه والإصلاح والإعداد للطائفة المسلمة:

      من المهم الرئيس أن يقرر القائمون على منهج الإصلاح والتوجيه والإعداد معالم هذا المنهج وأهدافه وحدوده ومن ثمّ ترتيب أوّلياته وتفاصيله ودرجاته. ثم عليهم أن يدركوا طبيعة الفئة التي يتعاملون معها لممارسة هذا التوجيه والإصلاح، وطرق الإعداد.

      أولاً: الفئة المسلمة:

      تمخضت الأحداث التي جرت في مصر مؤخراً عن تميّزٍ واضحٍ بيّنٍ فئات الشعب كما ذكرنا. والفئة المسلمة هي، وياللحسرة، الأقلية في هذا الشعب.

      لكن الميّزة الكبرى في هذه الفئة اليوم هي ازدياد الوعي بالإسلام ومعناه وحدوده، وعمق الفهم للقوى المحاربة له، بعد أن واجهوها عياناً. فأين هؤلاء من شعب 1952، أيام استغفلهم عبد الناصر وركب موجة الإخوان ثم ضرب البلاد كلها بدكتاتورية عسكرية فاشية ملحدة، أنتجت هزيمة العرب أجمع، وخلّفت أمثال السيسي ليكون أنتن خَلفٍ لأنجس سَلف.

      ويمكن النظر في الطائفة المسلمة اليوم من عدة نواح، ديموجرافية، واجتماعية، وتعليمية، إلى جانب الخلفية الإسلامية. فهم ينقسمون ديموجرافيا إلى كافة فئات الأعمار، وينتمون اجتماعياً في غالبهم إلى الفئة المتوسطة التي هي إلى الفقر أقرب منها إلى التوسط الماديّ، كما تغلب عليهم الأمية، ومنهم التعليم المتوسط، وإن كانت منهم كذلك فئة جامعية قليلة محدودة.

      أما عن الخلفية الإسلامية، فهم في غالب أمرهم ممن يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فطرة، تبعاً للنشأة المسلمة في مجتمعاتنا الشرقية، على بساطة تامة وسطحية مطلقة في فهم الإسلام والتوحيد، وعلى قدر في غاية الضآلة من التحصيل الشرعي بين الغالبية المطلقة منهم، سواء أميين أو متعلمين. كذلك، فإن نسبة ضئيلة منهم تنتمى إلى جماعاتٍ "إسلامية" على رأسها الإخوان، وقليل من الضئيل إلى الجماعة الإسلامية. ثم بعض منهم ينتمى إلى الفكر السُنيّ السلفيّ، وهم أقل القليل النادر. أما أتباع حركات السلفية الأمنية من صنائع أمن الدولة، فهم العدو، فاحذرهم.

      هذا التصنيف، وإن كان محتاجاً إلى دعمٍ إحصائيّ، في غاية الأهمية، إذ يمكن من خلاله التمييز بين مستويات الخطاب الإصلاحيّ الذي يجب توجيهه إلى هذه الفئة بنوعياتها المختلفة، وإن كان النقاط الرئيسة فيه ثابتة لا تتغير، نجملها، أو أكثرها، فيما يلي:

      1)       بيان التوحيد، في الحكم والتشريع، والولاء والبراء، والنسك والشعائر، وشرح مقتضياته وتفصيل القدر الواجب منه للحكم بالإسلام، مع التركيز على الأدلة القرآنية والحديثية في دعم هذا المفهوم.

      2)       بيان ما يضاد هذا التوحيد في مراتبه كلها، حكماً وولاءً ونُسكاً، والقدر الذي يخرج بالمرء عن الإسلام منه، مع التركيز على الأدلة القرآنية والحديثية في دعم هذا المفهوم.

      3)       بيان مدلول الشهادتين، ومعناهما ومقتضاهما من طاعة الله والعمل بشريعته والقيام بشعائره.

      4)       بيان العلاقة بين أحكام التوحيد وبين أركان الإسلام الخمسة، وموقع الشهادتين من ذلك.

      5)       بيان الواجبات الشرعية التي أوجبها الله على عباده، من صلاة وصومٍ، وزكاة وحجٍ، وما حرّمه عليهم من المحرمات كالرِبا والزنى والفسوق والمعاصى والبدع، مع توضيح الدرجات الخمس للحكم الشرعيّ.

      6)       بيان مقاصد وضع الشريعة للعباد، وهي حفظ الضرورات الخمس، الدين والنفس والعقل والمال والنسب، ومبادئها من إقامة العدل والإحسان والحرية والكرامة والمساواة، من المنطلق التوحيديً الإسلاميّ، لا الإنسانيّ العلمانيّ[1].

      7)       بيان موقع الجهاد وأهميته ودوره في حياة الأمم وبناء الحضارات وزوالها، مع بيان المفارقة بين هذا المفهوم وما ورثته أجيال عصرنا من خوفٍ ورهبة منه، وما تحاوله أجهزة الكفر بالداخل والخارج من تدجين المسلمين ووصم الجهاد بالإرهاب. مع دعم ذلك بأمثلة من سنة رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، وتاريخ الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم، وبالأمثلة التاريخية في التاريخ المُدوّن، كأمم الفرس والروم واليونان وأمة الإسلام، وأمة يهودٍ والصليبيين حتى عصرنا هذا، وبالأمثلة المعاصرة في صراع الإسلام الحاضر مع قوى الكفر والعدوان، وبيان مواضع هذا الجهاد ومحله وشرح معني دفع الصائل، وتفصيل دور الأسرة في ذرع هذا المفهوم لدى الأجيال القادمة.

      8)       بيان أحكام "التكفير" وبيان أنها حكم شرعيّ، مثله مثل أحكام الطهارة والنكاح والمواريث، مع الرد على شبهات المرجئة والمنافقين من تحريم ذلك وإنكار أن المسلم ولادةً قد يرتد بقولٍ أو فعل، وبيان معنى ما يردّده هؤلاء المرجئة والمنافقين من أحاديث يُشبّهون بها على العامة. مع ضرورة تحذير العوام من إجراء مثل تلك الأحكام بأنفسهم، والرجوع فيها إلى العلماء الموثوق بعلمِهم وفَضلِهم وسُنّيَتِهم، تماماً كما يرجعون اليهم في شؤون نكاحهم وطلاقهم وبيعهم وشرائهم، وصلاتهم وزكاتهم.

      9)       بيان أسباب اندحار الأمم واندثار الحضارات، سواءً منها ما هو في التاريخ المدون، أو الأمم البائدة قبل عصر تدوين التاريخ، كعادٍ وثمود وقوم نوحٍ ولوطٍ وصالح عليهم السلام.

      10)   بيان موضع أهل الكتاب المدنيين في الدول الغربية وضرورة قيام المسلمين المقيمين بها بالدعوة بالحسنى في تلك الديار، وبيان دور الرأي العام بين أبناء تلك الدول في توجيه حكوماتهم، بغرض تخفيف الضغط على المسلمين، لا تحسين وضعهم أو رفع شانهم، فإن تلك الحكومات لن تراعي في المسلمين إلاّ ولا ذمة، فهي عدو مريد لهم، وإنما تراعى الرأي العام الداخليّ إلى حدٍ ما.

      11)   بيان دور التربية وأهمية التعليم والصلة بينهما. فالتربية تدور حول توجيه الأخلاق والتصرفات، والتعليم يدور حول إنشاء المفاهيم والتصورات. ولا غنى لأحدهما عن الآخر، فتعليم بلا تربية نفاق، وتربية بلا تعليم جهل وضلال.

      12)   بيان التصور الإسلاميّ في القضايا الإجتماعية والإقتصادية والسياسية الكبرى خاصة ما اختص به عصرنا، كالمرأة والبنوك والبرلمانات والإنتخابات، مع ربطها وبيان علاقتها بالتوحيد.

      13)   تصحيح مفاهيم خربها الإعلام، وأعان على تخريبها "المفكرون الإسلاميون"، كالمواطنة والحداثة والتجديد والوسطية، مع دعم ذلك بالأدلة القرآنية والحديثية.

      وبطبيعة الحال، فإن بيان تلك النقاط التي ذكرنا يجب أن يكون مدوناً على عدة مستوياتٍ للفهم والإستيعاب، مع مراعاة ما أشرنا اليه من مركبات الطائفة المسلمة التي يتوجه لها الخطاب. فخطاب الجامعيّ غير خطاب الأميّ على سبيل المثال، وإن كان مستوى الذكاء والقدرة على الإستيعاب لا يتناسب طردياً مع درجة التعليم الرسميّ، فقد رأينا آلافاً من أساتذة وقضاة ومحامين ومهندسين وأطباء ممن دعم الملحد السيسي وفوّضه في قتل المسلمين. والقاعدة أن المَرء غيرُ قادرٍ على أن يدرك سقف فهمه وذكائه، فهو واجبُ المُخاطِبِ أن يحدد قدر المُخاطّبْ وقدرته على الإستيعاب، وأن يحدد على أساسها الجرعة الدعوية وأسلوبها.

      وعلى طبقة العلماء والمنظّرين أن يقوموا بهذا الدور التدوينيّ، في صورته الكلية على أقل تقديرٍ، وأن يراعوا فيه وحدة التوجّه، حتى لا يجد العامة أنفسهم أمام تصوراتٍ مختلفة ومفاهيم مشتتة متضاربة، وهو ما نراه ماثلاً أمام أعيننا في واقعنا المسلم اليوم. فترى "عالماً" يحث على الجهاد، وآخر يحذر من تبعاته، وترى، من ثمّ، جماعة تدعو للجهاد، حسب ما تسميه جهاداً، وجماعة تدعو إلى السلمية ونبذ الجهاد وتسميه "العنف". وهذا التشتت والتخبط هو سبب فرقة المسلمين، حتى بين أبناء الطائفة الواعية منهم، فاختلاف المفاهيم والتصورات ينشأ عنه تلقائياً التضارب في الأعمال والتصرفات، ومن ثم التنابذ والتفرق.

      وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى


      [1]  وهذا بالطبع يجب ان يكون مفصلاً على مستويات الفهم المختلفة، مع استخدام الألفاظ المناسبة لعقلية المُخَاطَب، حتى لا تكون كالمعميات، وتؤدى إلى التنفير.