فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار ..! 13

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الجزء الثالث عشر:

      نستكمل في هذا المقال ما بدأنا سردَه من صفات القيادة المقبلة للحركة المسلمة، كما نتصورها. وهي صِفات تنقسم إلى صفاتٍ خَلقِيةٍ طَبَعيّة، وعِلمية مُكتسبة كما ذكرنا من قبل.

      (18)

      • أن يكون القائد من ذوى العزيمة الماضية، أبعدُ ما يكون عن التردّد في اتخاذ قراره، بعد أنْ يدرس الخِيارات المُتاحة، ويستشير ذوى الرأي في المسألة، بقدر الطاقة، فإنه من المعروف أنّ قراراً أبعد شيئا ما عن الأصوب أفضل من لا قرار البتة. والتردّد آفة قاتلة في جميع شؤون الحياة، خاصة لمن في موقعٍ قياديّ. ويجب أن نفرّق بين التردد والتثبت، فالمتردد يرى بين يديه كافة الخيارات المتاحة، لكنه، لضعفٍ نفسيّ، يتهيأ له أنّ هناك إمكانية أخرى لم يمكنه أن يضع يده عليها بعد، ولا تزال في دائرة الممكن المتاح، فلا يتخذ قراره. والمتثبت ينظر فيما بين يديه من خيارات ممكنة متاحة، ثم يتخذ قراره بعد التثبت منها، دون تلكؤ أو تردد.
      • أن يكون ممن يتقن العربية، إذ إنها من الأمور الفارقة في التوجيه والتأثير. والعامية لا تؤدى التأثير المطلوب، كما إنها تهبط بمستوى التواصل إلى أدنى مما يجب أن يكون عليه، وتقطع العامة عن مصادر القراءة في كتب السنة والفقه والتاريخ. والأصل أن يرتفع القائد بمن حوله فكراً ولغة لا أن يهبطوا به.
      • أن يكون ممن ترقى في مستوى الإدارة والقيادة خلال فترة مناسبة من الزمن، لا أن يكون ممن فُرِضَ على القيادة غير مستحقٍ لها. وهذا، مرة أخرى، كان من سلبيات الإخوان الخطيرة. ويجب هنا أن يخضع القائد لدورات تدريبية مكثفة في علم القيادة، إن توفرت فيه بقية الصفات التي ذكرنا، أو جُلّها.  وهي دوراتٍ يجب أن تضطلع بها الهيئة العلمية المُشرفة على الحركة.
      • أن يكون في أواسط العمر، تجاوز مرحلة الشباب (تحت الثلاثين) لكن لم يطعن كثيراً في الكهولة (فوق الخمسين)، يتمتع بصحة جيدة وروح عالية.

      هذا بعضٌ مما يجب أن يتوفّـر في قيادة الحَركة المسلمة، خاصة في الصف الأول منها.

      ثمّ يأتي شباب الصف الثاني، وهؤلاء من الأهمية بمكان، وإن لم يدرك ذلك كثيرٌ ممن عمل بالحركة الإسلامية في ماضيها القريب. ذلك أنّ أولئك هم قادة المستقبل، ويجب أن يراعي قادة الصف الأول في ذلك الصفّ ما يلي من الصفات:

      • الإخلاص والعزم، والشجاعة والحسم، وصواب المنطق وصحة التصور.
      • القدرة على التحصيل العلمي الشرعي بما يكفي لتوجيه من هم تحت إشرافهم.
      • إحترام القيادة مع روح الإتباع لا التقليد الأعمى.
      • بين مرحلة الشباب والرجولة (فوق الثلاثين ودون الخمسين).
      • الإستعداد للتضحية في موضعها.

      (19)

      أبناء الحركة المسلمة وقاعدتُها:

      وهؤلاء هم المركب الأساس والأصيل للحركة ولُحمتها، إذ لا فائدة من دعوة بلا قاعدة تحملها وتعيش بها حياتها. هذه القاعدة، من شباب وشيوخ، رجال ونساء هم موضوع الدعوة، وهم جنودها وحراسها وبنيتها الأساسية. ومن ثمّ، فإنه يجب العناية بهذه القاعدة وتحديد ما يلزم لتربيتها أولاً وقياداتها ثانياً، من خلال كافة أنواع التعليم والتوجيه بمستوياته المختلفة.

      وحتى نتفاعل مع الواقع، فإن هذه القاعدة اليوم، هم أساساً تلك الطائفة التي احتفظت بإسلامها، في وجه الكفر البواح الذي اجتثّ أكثرية الشعب المصريّ، بعد أن تميز الخبيث من الطيب، والحق من الباطل، والكفر من الإسلام، على يد الملحد السيسي وأعوانه، الذين قادوا جنودهم إلى الكفر، وسحبوا من ورائهم الملايين ممن وقع في الكفر الأكبر، ولاءً ورضا بالكفر، من الطائفة التي أزلّها الشيطان السيسي وسحرته عن دينها.

      الطائفة المسلمة إذن، هي التي خرجت على كفر السيسي، ونفرت من دلائل الكفر الذي صَاحب حكمه، وبرأت منه وممن اتبعه، ووالت من جاهره بالعداء، ووصمه بالكفر الذي يستحقه. وهذا لا يعنى عدم التوجه بالدعوة إلى تلك الطائفة من شعب مصر التي ردّها السيسي وسحرتها عن دينها، لكن هذا توجيه وتصحيح، وتلك دعوة للإسلام ابتداءً. ومن العبث الجمع بينهما، كما أنه من العبث التغافل عن الفرق بينهما والتعامل مع كليهما علي أساس واحد. وهو ما يقع فيه عدد من الفضلاء ممن يسير على قواعد الرحمة وينسى قواعد الحكمة، فيظن أنه أرفق بعبادِ الله من الله. إن اعتبار هذه الطائفة مسلمة، هو امتداد للنهج الإخوانيّ الذي يبتعد عن التوصيفات الشرعية باسم مصالح متوهمة، كأن يقال هذا من باب تأليف القلوب أو تقريب النفوس، وكأن التوصيف الشرعيّ فيه تنفير للقلوب وتفريق بين النفوس! إن من ادعى هذا، فقد ضلّ عن مقصود الإسلام في باب الولاء والبراء. أرأيتك إن قال أحدٌ لموسى عليه السلام: "إن قومك ما كفروا لعبادتهم العجل لأنّ السامريّ ضحك عليهم واستغفلهم!"، أو لو أن أحدا قال عمن ساروا وراء سحرة فرعون "هؤلاء لم يصلوا لأن الإعلام ضلّلهم"! كذلك لو قال أحدٌ أن هذه الطائفة خرجت عن دين الله لأنها صدّقت إعلام السيسي أو أنها كارهة للإخوان، فلا يجب وصفها بما تستحق تأليفا للقلوب. سبحانك، هذا وهمٌ عظيمٌ يجب أن يرتدع عنه الدعاة، قبل أن نتجرّع أخطاءنا من جديد. فتأليف قلوب هذه الطائفة مطلوبٌ بلا شك، لكن ليس على حساب تشويه عقيدة الولاء والبراء أو الإلتواء في تطبيقها. . قد يكون تصديق إعلام السحرة أو كره الإخوان سبباً في هذا الكفر، لكنه ليس مبرراً له على وجه القطع.

      لقد نفض موسى عليه السلام يديه ممن استمع لسحرة فرعون قبل ايمانهم، كما أنه استمر في هداية قومه في الصحراء، بعدما كفروا مرة بعد مرة فقال لهم "إنكم قوم تجهلون"، وهو كفر جهلٍ[1] بلا خلاف بين المفسرين.

      أما القاعدة الجماهيرية المسلمة، على ما فيها من فطرة سليمة وتوجّه سديد، لديها الكثير من الإنحراف في التصوّر، والخطأ في الفهم، من الناحية الواقعية أو العقدية. ثم إن هذه القاعدة تحتاج إلى من ينسق حركتها ويلم شَمل قوتها، ويدفعها في طريقٍ واحدٍ إلى هدفٍ واحدٍ، واضحٍ محددٍ، لا عوج فيه ولا أمت.

      ومن هنا، فسنفصّل القول في منهج التوجيه والإصلاح والإعداد للطائفة المسلمة، ومنهج الدعوة لمن هم من الطائفة التي أزلّها الشيطان السيسي وسحرته عن دينها.


      [1]  راجع تفاصيل حكم عارض الجهل في كتابنا "الجواب المفيد" http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-17