فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار ..! 11

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الجزء الحادي عشر:

      من المهم الحاسم هنا، ونحن نتحدث عن الجمهرة العلمية السُنية المُخلصة، أن نشدد على أنها جمهرة تعي الواقع الحاليّ بكافة أبعاده الشرعية والواقعية. ومن ثم، فإن الخلفية العلمية التي يتطلبها تحقق هذا الوصف يجب أن تكون في مجال العلم الشرعيّ أصالة، ثم العلوم التابعة مثل علم الإجتماع أو التاريخ أو اللغة. لكن كلا المجالين يجب أن يكون على درجة عالية من التحقيق بما يكفي لا أن يجنب صاحبه الخلل الشرعيّ أو السذاجة الواقعية فحسب، بل يجعل له نظراً مستقلاً واستشرافاً واعياً.

      (16)

      نعلم أنّ الواقع الحاليّ لم يُنتج نظراء سيد قطب أو محمود شاكر وأضرابهما، لكن هذا لا يعنى أن تعتمد الحركة المسلمة على كفاءات علمية توجه حركتها وترسم خطواتها، ثم لا تتمتع بقدر وافٍ من صفات العالم أو الداعية بحقٍ، وعلى أساس شرعيّ مكينٍ لا على أساس شهرة أو دعاية، حتى لا يقع العامة، الذين هم موضوع هذه الدعوة ووقودها، في شبهات وانحرافات وتنظيرات باطلة أو واهمة.

      وهذه الجمهرة لا تتقيد بقطرٍ أو بلد معينٍ، بل هي تشمل كافة من تتحقق فيه الشروط التي ذكرنا من أي بلدٍ كان على اتساع خارطة العالم الإسلامي.  

      والبحث عن هذه الجمهرة من العلماء، وتوحيد صفّها وانشاء خطوط اتصالاتها هو عمل كل فرد منها. ولا نرى ذلك إلا من خلال التواصل بين أفرادها ممن يجدون في أنفسهم الكفاءة من خلال من يعرفون في دائرة العمل الإسلامي، ثم يتم وصل الحلقات المختلفة بعضها ببعض لاحقاً. وهو عين ما نحاوله من خلال دعوتنا للحوار التي نشرناها في الأسبوع الماضى.

      وعمل هذه الجمهرة من العلماء يكون أساساً في دائرتي التنظير والتبصير. فالتنظير يعنى وضع الأسس النظرية الشرعية التي ينطلق على أساسها العمل الحركيّ، والتبصير هو دعم العمل الحركيّ بالتوجيه ورسم التوجه العام، لا التفاصيل الميدانية.

      أولاً: دور التنظير: ويتلخص دور هذه الصفوة في دائرة التنظير في تقاط عدة، منها، على سبيل المثال لا الحصر:

      • إعادة صياغة أبحاث التوحيد في ضوء الواقع الحاليّ، واستناداً على أحداث السيرة النبوية الشريفة.
      •  رسم معالم الطريق وتحديد منطلقاته الكبرى بناءً على الصياغة التي ذكرنا.
      • تدوين القواعد الأصولية التي ترتكز عليها تلك المعالم والمنطلقات، حتى لا تكون عرضة لمشاغباتٍ غير مدعومة بأصول محددة. ونذكر في هذا الشأن، على سبيل المثال، ما دونّاه في توضيح أصل "المصلحة" وما شغب به المنحرفون على هذه الأصل العظيم، في كتابنا "المصلحة في الشريعة الإسلامية"[1]. وهو ما يجب أن تقوم به هذه النخبة في صدد كافة القواعد الأصولية التي تُعنى برسم معالم الطريق ومنطلقاته.
      • الرد على شبخات المبطلين ودعاوى المرجفين، وإن كنا نرى أن يكون ذلك في أضيق الحدود، حتى لا يضيع جهدها في مناوشات جانبية أثرها محدود بأثر من يشعل فتنتها.
      • وضع إطارٍ نظريّ للعمل الحركي، يكون من الليونة والاستيعاب ما يُمكنه من الملاءمة والمواءمة حسب المكان والزمان الظروف.

      ثانياً: دور التبصير: ونعنى به دور هذه النخبة في متابعة ما يدور على الساحة الحركية، بناءً على تلك التصورات والمنطلقات التي رسموها وأرسوا أصولها. وإن من أشدّ عوامل الفشل في أية حركة دعوية، هو الإنفصال بين الفكر والحركة، بين العالم والعامل، إذ ساعتها يتسلل العدو المتربص من الشرخ الواقع بينهما، سواء عدو النفس والجهل، أو عدو الأرض والساحة. ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر:

      • المساهمة في اختيار قيادات العمل الحركي الميداني على أسس شرعية ثابتة صارمة. وكفانا مثالا بخطورة التغافل عن هذا الدور ما رأيناه من عمل الإخوان في اختيار قياداتهم الميدانية الذي بنوه على مبدأ "الولاء قبل الكفاءة"، فكان ما كان.
      • توجيه القيادات في أمور الحَركة الكبرى، والعمل كمرجعية علمية في أمور الدعوة والحركة، بشكلٍ متفاعلٍ متكاملٍ دراسة المتغيرات الواقعية على خارطة السياسة والواقع، لتحديد التَعامل الشّرعي على أساسها، حيث أن استمرار الحركة دون مواكبة المُتغيرات ينشأ عنه كوارث مدمرة. ولا سبيل إلى مثل هذه المرونة ومواكبة الأحداث في الحركة إلا من خلال التفاعل المُستمر لتلك النخبة.
      • من ثمّ، يجب أن تتكون هيئة علمية سُنّية، لا على نسق هيئة علماء المسلمين القرضاوية، بل هيئة مستقلة لا ترتبط بدول أو تجمعات حالية، وتتسع عضويتها لمن يحمل الكفاءة والخبرة للتصدى لهذا الدور.

      ونوالي الحديث في الحلقة التالية إن شاء الله تعالى.

        

      [1]  http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-70583