فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار ..! 8

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

       الجزء الثامن

      قبل أن نبدأ في حديثنا في هذه الحلقة، أود أن أعلن استيائي من حقيقة أنّ كافة الدعاة والعلماء المخلصين، ممن يناهض الإنقلاب الكفريّ في مصر، لا يوجّه الفكر والحديث عن "تصور المستقبل وتطوّر الحركة الإسلامية في ظلّ الأحداث الواقعة على الأرض، والتمكن الفعليّ للنظام الكفريّ من السلطة".

      ولا شكّ أنّ نقطة بداية البداية هي، على سبيل المثال، إنشاء مجلس لوضع مثل هذه الخطوات، نظرياً وعملياً، تتحرك به الدعوة. وهو عين ما أحاول في هذه السلسلة من المقالات. ولعلنا نوجّه الدعوة قريباً لعدد من هؤلاء المخلصين لمثل هذا الحوار، إذن كما سبق أنْ ذكرت في مقدمة الحلقة السابقة، "لا يمكن أن يَزعم أحدٌ اليوم معرفة الحلّ الناجِع والنهائي للوضع الحاليّ الذي تمر به أمتنا المسلمة في مصر، أو الطريق إلى الخروج من ظُلمة الكفر التي أحاطت بها من كل جانب، إلى نور الإسلام وضيائه".

      (11)

      في حديثنا اليوم نتناول مفهوم "الجهاد" الذي نعنى به دفعَ الصائل في بلادنا الإسلامية. وننبه، مرة أخرى، أنّ دفع الصَائل المُعتدى، ليس مباحاً، بل واجباً حَتماً على كلّ مُسلمٍ وجوباً عينياً مؤكداً.

       وهذا المفهوم، والجهاد بشكلٍّ عام، قد غاب عن الدعوة الإخوانية المحدثة، بعد أن هجره الجيل الثالث من أجيالهم، واستبدلوا به الجهاد الديموقراطيّ، من أمثال عصام العريان والكتاتني وعبد المنعم عبد الفتاح، مع خيانة الأخير لدينه. وكان أثر ذلك مدمراً على جيل الشباب الإخوانيّ الحاليّ، بل وعلى من تعاطفوا معهم من عَوام الشعب المصري، المتدين فطرة.

      لن نستفيض في هذا الموضع في إيراد أدلة وجوب الجهاد ودفع الصائل، بل يكفي أن نورد هنا قول الله تعالى "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا۟ ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"الحج 39. وما ذكره شيخ الإسلام بن تيمية في فتاواه"أما قتال الدفع وهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان".

      ودفع الصائل أمرٌ فطريّ لا حاجة فيه لكثير استدلال، إنما ينشأ الهروب منه من جراء اختلال الفطرة كما في بعض الديانات الهندية. وهو يجب على كلّ مسلمٍ ومسلمة بقدر ما يمكنهم وما يتيسر لهم بشكلٍ فرديّ أو جماعيّ، دون أن تنعقد له راية. وما نحن فيه في مصر اليوم هو من باب جهاد الدفع أو دفع الصائل ولا شك. فإن التسميات لا تغنى عن حقائق الأشياء. وتسمية الجيش الملحد المعتدى بالجيش المصري لا يرفع عنه صفة الصائل، إذ هو يصول على أبناء الديار من المسلمين خاصة، بل وعلى جيرانهم من الفلسطينيين المنتمين لحركة إسلامية، والمعادين لحركة فتح الملحدة، فيقطع عنهم الغذاء والدواء، ولو استطاع لقطع عنهم الماء والهواء، قاتله الله من جيش ردة وكفر، قيادة وجنوداً، أجمعين.

      إذن فيجب على من تصدى للحركة الإسلامية اليوم أن يكون ممن يرون الخلل الذي حدث في البنية الفكرية الإسلامية، وأن يعمل على تصحيحها في هذا الباب الأهم من أبواب الفقه، ونقصد به باب الجهاد ودفع الصائل.

      إن خطر هذه الجيوش العربية، وعلى رأسها جيش الإحتلال المصريّ، هو أنها الجلاد والسجّان لشعوب مِنطقتنا العربية المسلمة، وهي يد الصهاينة الباطشة، ودرعهم الواقي من أن تواجههم القوة المسلمة يوماً.

      إنّ استمرار هذا الخلل، والذي يتمثل في فكر "السلمية" الإخوانيّ، واعتباره مبدأً من مبادئ الدين، لهو قارعةٌ قاضيةٌ في حد ذاته، إذ هو تدجين مُمَنهج لأفراد الشعبِ المُسلم في وجه قوة عسكرية باطشة وكتلة مدنية مرتدة.

      إن مخالفة السنن الكونية والركائز الفطرية والمسلمات العقلية في هذا الأمر، وهو وجوب دفع الصائل، قد أدى بالفعل إلى كثيرٍ من الضرر بالمسلمين، وهو، بلا شك، إن استمر، سيؤدى إلى استحالة النصر، ولا نقول تأخّره. إن التحرر من الفكرة "السلمية"، هو واجبٌ على كلّ داعية مخلصٍ أن يعمل على تصحيحه، كما يعمل على تصحيح مفهوم التوحيد، أو فكرة "التكفير"، أو ما شئت من تصورات منحرفة ومحرّفة في عقول العوام.

      ولسنا نزعم هنا، قبل أن يهاجمنا العوام ممن يسبق لسانُه عقلَه، أنّ المواجهة مع هذا الصائل الباطش الملحد يجب ان تتحقق اليومن وفي كل موضع، وعلى أي حال، بل نحن نزعم أنه يجب أولاً أن ننتزع فكرة السلمية من عقول الناس، وأن نستبدل بها فكرة الجهاد ودفع الصائل، ثم أن يكن هناك ترتيب لهذا الدفع والذود عن النفس، منه ما هو حالٌ عاجلٌ لحماية المتظاهرين العُزّل – ولا أقول المسالمين، فالمسلم ليس مسالما، إلا لمن سالمه – ومنه ما هو آجل لضرب الجيش الصائل في مفاصله وتعجيزه، كما سنبين بعد.

      هذا القدر الذي ذكرنا، لا جدوى من الحراك الإسلاميّ دون وعيه والإيمان به والتحرك في اتجاهه، قولاً واحداً. ولا جدوى من مناقشة أو محاورة إلا أن يكون أطرافها ممن يوافقون على هذا التصور ابتداءً، وغير ذلك عبثٌ لا طائل من ورائه.

      (12)

       ثم ننتقل إلى تعبيرٍ يُثار كثيراً، وإن خفّت وتيرته في الأيام القليلة الماضية، وهو تعبير "المصالحة الوطنية".

      و"المصالحة الوطنية" تعبيرٌ باطلٌ شرعاً ووضعاً في شقيه جميعاً. فالوطنية تقوم على مفهومٍ باطلٍ شركيّ، هو مفهوم "المواطنة"، والذي يعنى أننا، ككتلة من البشر، نوصف بالجماعة على أساس الرقعة الجغرافية التي نتقاسمها، تماما كالبهائم تنتمى إلى حظيرة واحدة، لا على أساس الدين السائد على هذه الرقعة، كما في دولة الكيان الصهيونيّ، التي تتخذ اليهودية المحرّفة طامهاً لوحدتها، والتي هي الوحيدة في العالم لا تزال ترفض مفهوم العلمانية ولا تحيا على أساسه.

      وقد استخدم هذا المفهوم كثير من "المفكرين الإسلاميين" كالعوا وهويدي والبشرى، وتبنّته الإخوان كعادتها في تبنى ما هو مخلّط عقدياً، وقد كتبنا في نقد هذا المفهوم الشركيّ ما يمكن أى يرجع اليه القارئ إن شاء[1].

      أمّا عن "المصلحة" فهي فكرة باطلة شرعاً ووضعاً. فالشرع لا يُقر مصالحة مع الخارجين عن الدين، المرتدين من المحاربين لله ورسوله ظاهراً وباطناً، هؤلاء المحاربين لا تصح معهم مصالحة، بل يمكن أن يكون معهم عهدٌ إلي حين، لا إلى أبد الآبدين، وهو ما يمكن تصوره في حالة المحارب المقيم كهذه الطائفة المرتدة من المصريين. فالحديث عن المصالحة باطلٌ شَرعاً.

      أما عن "المُصالحة" واقعاً، فهذا أمر يدعو إلى السخرية الحزينة والفكاهة المرّة! كيف يتحدث من يتحدث عن المصالحة وهؤلاء المرتدين يقتلون ويعتقلون ويزورون ويخربون المساجد ويحرقون المصاحف ويعطلون الصلوات. أية مصالحة يمكن أن تكون مع هؤلاء الكفرة الملاحدة قياداتٍ وجنوداً؟ هم أنفسهم لا يقولون بمصالحة لأنهم أوعى من "الإسلاميين"، إذ يعرفون أنّ لا مصالحة مع خصم الدين، دينهم العلمانية والإلحاد، ولن يقبلوا أيّ مشاركة للإسلام من أي نوعٍ ولو كان إسلاماً إخوانياً أو أمريكياً.

      هذه نقاطٌ يجب أن يجتمع عليها من يريد أن يرى طريقاً للخروج من الأزمة الحالية التي يعيشها المسلمون، في مصر وبقية العالم العربيّ المسلم. فما هي معالم طريق هذا الطريق إذن؟ هذا ما سنتناوله في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى.

      [1]  راجع مقال "مفهوم المواطنة بين الإسلام والعلمانية" http://tariqabdelhaleem.com/new/Artical-455، ومقالنا "محمد عمارة في ركب أرباب المواطنة"http://tariqabdelhaleem.com/new/Artical-461 وكتابنا "دفاع عن الشريعة" المطبوع في مصر برقم ايداع 13498-2012