الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء السابع لا يمكن أن يَزعم أحدٌ اليوم معرفة الحلّ الناجِع والنهائي للوضع الحاليّ الذي تمر به أمتنا المسلمة في مصر، أو الطريق إلى الخروج من ظُلمة الكفر التي أحاطت بها من كل جانب، إلى نور الإسلام وضيائه. فالوضع غاية في التعقيد والصعوبة، والتاريخ الذي أوصلنا إلى هذه النقطة، والآثار التي ترتّبت على الأخطاء المُتراكمة فيه، جعل هذا الطريق وذلك الحلّ كجنين متوارٍ عن أعين محبيه ومنتظريه، لا يرون منه إلا ظاهراً من بطنِ أمه غير مُحدّد المعالم. إلا إننا نرى أن التصدّر لتحديد معالم هذا الطريق، بل ومساره وبنياته، رغم صعوبته وتعقيده، أصبح الواجب الأهم الذي يجب أن يُرَكِّز عليه المُهتمون بالقضية الإسلامية، من العلماء والدعاة المؤهلين لهذا النظر، فهو أمرٌ ما لا يَجْشَمُه إلا القادرون عليه. هناك نقاط ، منها شرعية ومنها عملية، يجب أن ينطلق منها تصوّر الحلّ، الذي ينحصر، فيما نرى، في تصورين عامين لا ثالث لهما، سنبيّنهما بعد. تلك النقاط، التي يجب أن يتفق عليها العقلاء من العلماء والدعاة[1]، في تصورنا، هي: أن كلمة "السلمية" كلمة مستحدثة لا أصل لها في الألفاظ الشرعية، ولم تستخدم بهذا المفهوم المُستحدث إلا في عصرنا الحديث. فإن دعوة رسول الله لم توصف قطّ السلمية، بل وصفت في العهد المكي بالمهادنة وكف الأذى. فاشتقاق السلمية من المسالمة والسِلْم اشتقاق لا يصح في هذه المناط. ومصيبة المسلمين اليوم فيما استحدثوه من ألفاظ تعكس مفاهيماً غريبة على الإسلام، بمجرد تشابه تلك الألفاظ مع ما يظنونه من الشرع. ففتنة المفاهيم المضللة ما جاءت إلا من فتنة الألفاظ المُوَلّدة المُستحدثة. والإسلام لا يعرف "السلمية"، بل يعرف إما عهدا أو ذمة أو حرباً، والناس إما معاهداً وإما ذمياَ وإما محارباً. والمعاهد يحفظ عليه عهده ما استقام عليه. والذمي لا تُخفر ذِمته إلا إنْ خان وبَرِأ من الذمة، والمُحارب لا سلام معه على وجه الإطلاقُ بل يُنبذ اليه على سواء. لكن نرى عدد من المحدثين يستخدم هذا التعبير ويفرضه على الأذهان فرضاً، ومثال على ذلك، في بعض ما كتب راغب السرجانيّ في معاهدات رسول الله ، يقول السرجانيّ الإخوانيّ "إلى هذا الحدِّ كان الأمر كله بيد المسلمين، وليس أمام اليهود اختيار غير الخروج، ومع ذلك ولرغبة رسول الله في التعايش السلمي مع الآخر". وتعبير "التعايش السلمي" "والآخر"، هما من التعبيرات الخطيرة السّامة في كتابات المُحْدَثين. وقد بنى الناس، وكثير من "قيادات العمل الإسلامي"[2] على هذه الكلمة، ومفهومها المُستحدث، تصورات نظرية ومواقف عملية لا أصل لها في أحكام الله سبحانه. إذ أصبحت "سلمية" منهجاً للتعامل مع الخارجين على الشريعة، لا الطرق الثلاثة التي ذكرنا. والإخوان، ومن نحا نحوهم، لا يرون بأساً في استحداث ما يرونه مناسباً بطريقٍ عقليّ، ثم يرغِمونه تحت مفهوم "المصلحة"، أي هم يحدّدون المصلحة أولاً، ثم يلحقونها بالشرع ثانياً، وهذا سَمتُ المبتدعة في كلّ زمانٍ، الذين يقدّمون بين يديّ الله ورسوله ، وإن كانوا لا يزالون تحت مظلة الإسلام العامة، كما عاملهم أئمة أهل السنة. هذا المفهوم المُحْدَث، لا علاقة له بالخروج في التظاهرات التي دعينا اليها منذ أن أسّسنا "التيار السنيّ لإنقاذ مصر"[3] في يناير 2012، للوقوف في وجه الدولة العميقة المشركة، والتي جالفها الإخوان في كلّ خطوة خطوها حتى جاءهم اليقين! يجب أن يتفق العَاقلون أنّ صورة الخروج للشارع بمئات الآلاف من المسلمين، ثم يأتي بلطجيّ واحدٌ، أو حفهة منهم بمطواة يلوّح بها في أوجه الآمواج المتلاطمة من البشر، فيرفع المتظاهرون أيديهم في الهواء، يلوحون بها ويهتفون "سلمية سلمية"، هذه الصورة هي خَبلٌ مَحضٌ وخروجٌ عن شرع الله في مثل هذا الأمر وقتلٌ للنفس، وإهدار للدم دون وجه حق. إن الدفاع عن النفس ضد المعتدي مبدأ أصيل في التصور الإسلاميّ لم يأت ما يخرجه عن أصوليته في أي صورة أو بأي شكلٍ، جاء في الحديث الصحيح "حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، " أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ : فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : قَاتِلْهُ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : فَأَنْتَ شَهِيدٌ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ : هُوَ فِي النَّارِ" مسلم. جاء هذا عن رسول الله في الدفاع عن المال، فما بالك بالعرض والدم، وما بالك بالدين والشرع، وما بالك بمستقبل أمة بأكملها، يُستلب ويُسرق؟ هذا لعمرى لا يستوى في عقل عاقل، إلا من اتبع هواه. وقال تعالى "فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ" البقرة 194. ثم إنّ من يحتجّ بأن رسول الله قد اعتُدي عليه في مكة فلم يردّ العدوان، نقول، البقرة سورة مدنية نزلت بعد الهجرة واستقرار أحكام الإسلام، ثمّ إن الوضع في حالة رسول الله وصحابته الأطهار في مبدأ الدعوة في مكة لا يُسَوّيه بوضع المسلمين اليوم في مصر إلا مَخبول أو جاهلٌ أو مُغرضٌ، اختر لنفسك ما شئت! فإن الصحابة أيّامها كانوا يواجهون العدوان فرداً فرداً، ليس لأحدهم نصير يحميه. أما اليوم، فأن يخرج مئات الآلاف فتهددهم حفنة بلطجية، فيرفعون أيديهم يلوّحون بها في الهواء "سلمية سلمية"، فهذا ليس له شاهدٌ من أيّ واقعة في السيرة المُحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. علينا أن نتفق إذن، منذ الآن، أنّ هذا المبدأ ليس بمبدإ شرعيّ، بل هو، على الأكثر "موقفٌ عمليّ" لا مبدأٌ، يمكن للمتظاهرون أن يتخذوه أمام القوة الغاشمة الباطشة، لا أمام حفنة من البلطجية التي تُعد على أصابع اليد، وأنّ اتخاذه كمبدأً عامٍ هو ما جعل المتظاهرين يقفون هذا الموقف ويُسوّون بين القوة الغاشمة الباطشة وبين حفنة من البلطجية التي تعد على أصابع اليد! وهو خللٌ في التَصوّر وانحرافٌ في الطريق، يقودنا اليه الإخوان، مرة أخرى، بل مرة عاشرة، بعيداً عن منهج الله سبحانه. ثم ننتقل إلى الحديث عن نقطة "الجهاد" وما يجب أن نتفق عليه بشأنه في المرحلة المقبلة، قبل الشروع في الحديث عن حلول آنية أو آجلة. يتبع إن شاء الله تعالى. [1] إذ قد رأينا في أيامنا هذه "علماء ودعاة" أخبث وأحطّ من دود الأرض، كما رأينا منهم من هم أجهل من دوابها التي تمشى على أربع، فلا حول ولا قوة إلا بالله. [2] مرة أخرى، كثيرٌ من هذه القيادات قد تصدّت لهذا العمل دون تأهيل من علمٍ شرعيّ حقيقيّ، أو من واقع خلفية بدعية إبتداءً. [3] راجع كتبنا التي طبعت في القاهرة عام 2012 تحي عنوان "التيار السني لإنقاذ مصر"، و"عقيدتنا" و"حركتنا"، ومنها ما هو منشور على موقعنا http://www.tariqabdelhaleem.com/new/ArticalList-114، وعلى موقع المقريزي، وعلى موقع التيار السني لإنقاذ مصر http://www.tayarsunni.com/ar/index.php.