الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إِنَّكَ مَيِّتٌۭ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ" الزمر 30.
وصدق المتنبي
خاللت توديعَ الأصادقِ للنوى فمتى أودّع خليّ التوديعا
وصدق لبيد بن ربيعة
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم وبَقيتُ في خَلَفٍ كجلد الأجربِ
علمٌ آخرٌ فقدناه بعد رحيل الشيخ رفاعي سرور، هو العلامة الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمهما الله تعالى.
كان أول لقاء لي بالشيخ الحبيب من خلال أخ شيخٍ حبيب، أدعو الله أن ينجيه اليوم من أيدى طواغيت كفار مصر وملاحدة السيسي، وذلك في عام 1976، في زيارة لي لمصر من السعودية، حيث كنت أعمل وقتها بعقد هناك، وكان رحمه الله قد خرج لتوه من المعتقل الذي قضى فيه قرابة عشرة أعوم، بعد أن حكم عليه وباقة من تلامذة سيد قطب رحمهم الله في القضية التي عُرفت بقضية تنظيم 65.
كنت وقتها أجادل النفس، وبعض الإخوة الأحباء ممن زاملني في حياتي منذ الأيام الأولى للجامعة في الستينيات، في جدوى العمل بالسعودية، ومصرنا تحتاج إلى الدعاة العاملين، ونحتاج نحن إلى بذل الجهد أمانة لهذا الدين. وكان أن حزمت أمرى، وتركت العمل في السعودية، وعدت إلى القاهرة عام 1977، حيث توطدت علاقتي بالشيخ رحمه الله، وبالشيخ الأخ الحبيب مجدى عبد العزيز أطال الله في عمره، حيث تعودنا أن نلتقي في بيتي بمدينة نصر أو في بيت حبيبنا الشيخ عبد الهادي المصري، مرات عديدة أسبوعيا، نتحاور في مسائل الفقه والأصول والدعوة. وكنا نقضى أيامها ثلاثة أيام أو أكثر لا نخرج من البيت، عاكفين على الدراسة والبحث، لا نكلّ ولا نملّ.
واستمرت علاقتنا الدعوية، سنين عددا، حتى اضررت، بعد مقتل السادات أن أخرج من مصر إلى الأردن، هرباً من بطش أمن مبارك قاتله الله.
وكان أن قابلت الشيخ عدة مرات بعد ذلك في زياراتي لمصر، وكان آخر لقاء لي به عام 2012، في بيته بالإسكندرية.
وقد كان الشيخ أصولياً فذاً، ومنظّراً في مجال العقيدة، وكيف لا وقد تتلمذ على يد سيد قطب، وكفاك ذلك مقاماً. وكان أبرع كتبه "حد الإسلام" الذي ليس له نظير في موضوعه.
وكعادة الغرباء في عصرنا، لم يكن للشيخ حظٌ في شهرة ولا مال، لكنه، يعلم الله، كان قمة في إخلاصه نحسبه كذلك، لم يأبه لشئ إلا قولة الحق الذي آمن بها ودافع عنها طوال حياته. وإن اختلفتُ مع الشيخ في موقفه من دعم الإخوان في مسيرتهم الديموقراطية مؤخراً، إلا أن هذا لم يغيّر من حبه في قلبي ذرة يشهد الله.
رحم الله الشيخ عبد المجيد الشاذلي، وأسكنه فسيح جناته وتجاوز عن زلاته .. آمين