فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار ..! 5

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

       الجزء الخامس

      خلصنا إلى نقطة هي "أنّ تقييم هذا الواقع الحاضر في يومنا هذا وإمكانية الحركة فيه، وإدراك أبعاد الحركة الإسلامية اليوم وإمكاناتها المتاحة، هو سبيل استشراف المستقبل، ورسم الخطى للسالك في طريق الهداية ومدراج النصر". وهو ما سنحاول التفصيل فيه في هذا المقال.

      يتراوح تقييم الواقع اليوم بين شعور الأمل والتفاءل، وشعور اليأس والتشاؤم، على حسب علمِ من تتحدث اليه، وادراكه للتاريخ عامة واستيعابه للأحداث ودلالاتها، وإن كانت سمة عصرنا التكنولوجيّ هذا أنّ كل امرءٍ يدلي بدلوه، ويسميه رأياً، في كلِّ أمرٍ شرعيّ أو واقعيّ، فالفتوى مباحة للجميع، أو على الأصح مُستباحة بالجميع.

      لكن الأمر ليس أمر تفاؤل أو تشاؤم، بل هو أمر حسابات دقيقة وتحليلات موثّقة، مرتكزة على قواعد شرعية ووقائع مجردة، إذ الواقع، كما ذكرنا سابقا، غالبا ما يأتي ملوناً بلون صاحبه، قبل أن يعرضه عل أية قوعد عقلية أو شرعية.

      (7)

      من المهم الحاسم هنا أن نبين بعض المفاهيم الشرعية التي تلقى الضوء على "رؤيتنا للواقع" كما هو اليوم، بناءً على تحليلنا السابق لمعطياته. وهذه المفاهيم تتعلق أساساً بموضعيّ الإنحراف العقديّ عند الإخوان، وهما "التكفير" و"الجهاد".

      أحكام الإسلام والردة:

       نبدأ بأن نقرر، كما قلنا سابقاً، أن أحكام الإسلام والردة هي أحكامٌ شرعية، تتناولها كتب الفقه عامة، كما تتناول أحكام الوضوء والطهارة والزواج والربا والبيوع وغير ذلك من شرائع الإسلام. وقد درج ينقسم الناس، في التصور الإسلامي، إلى

      مسلمٌ أو كافرٌ أصليٌّ أو مرتدٌ.

      والمسلمُ إما سنيّ في مقابل البدعيّ، أو تقيّ في مقابل العاصي.

      والكافر الأصليّ، وهم أهل الكتاب من نصارى ويهود.

      والمرتدُ، وهو كافر كذلك، هو من تحول عن الإسلام وخرج من دين الله بصورة من صور الردة، بالقول أو العمل أو الإقرار.

      ثم المنافق، وهو خليطٌ بين مرتد أو كافر، يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فيلحق بهذا القسم.

      ثم الأعمال في التصور الإسلاميّ، أما بالقلب أو اللسان أو الجوارج. وتنقسم إلى

      أعمال طاعة، أو معصية أو بدعة أو كفر وردة.

      أعمال الطاعة هي ما أوجب الله سبحانه على عباده بدءاً بالإقرار بوحدانيته وألوهيته وتفرده بحق التشريع والحكم في حياة الناس، ثم يترتب علي ذلك إقامة الشعائر من صلاة وزكاة وحجٍ وبيوع وأحكام زواج وطلاق وجهاد وغير ذلك من تصاريف الحياة كلها.

      أعمال المعصية: وهي مخالفة ما نهى الله عنه قصداً وعمداً، ضعفا وشهوة، وهي ما طلب الله الكف عنها، تحريما أو كراهة كتناول المسكرات أو القتل أو الزنا، أو الظلم، العزل لقطع النسل.

      أعمال البدعة: وهي تلك الأعمال التي تخالف مقاصد الشرع الحنيف وإن اشتبهت على المبتدع وتشابهت عليه كأنها من الشرع، جهلاً وشبهة.

      أعمال الردة: وهي أساساً كلّ ما يناقض الحكم الأوليّ بالإسلام.

      وأبواب الكفر كثيرة، أساسها

      الطعن على الله في ربوبيته، مثل إدعاء الولد والشريك والنظير له سبحانه،

      أو مشاركته في ألوهيته، وهي بالخروج عن طاعة الله في حكمه والإحتكام إلى غير شرعه، والرضا بالحكم الوضعيّ بديلا له،

      ثم موالاة الكافرين ونصرتهم ودعمهم والوقوف في صفهم، وإن لم يرتكب المرء الكفر بنفسه، فالموالاة كفر في ذاتها.

      ثم التوجه بالشعائر والنسك إلى غيره، تعظيما للغير ومساواة بينه سبحانه وبين الخلق، كمن دعا ولياً معتقداً أنه يتحكم في مصائر الناس وأرزاقهم، فهذا الدعاء هو عبادة بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدعاء هو العبادة".

      والدخول في الإسلام يكون بإقرار الطاعة لله وحده لا شريك له، وعنوان هذا الإقرار شهادة لا إلى إلا الله محمد رسول الله. فشهادة بلا إقرارٌ بالطاعة لا تنفع. والطاعة هنا ليست الطاعة في أعمال المعصية أو أداء الواجبات، بل هي الطاعة في التحليل والتحريم كما في حديث عدي بن حاتم "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ، قال : قلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم" حسن في الترمذي، والطاعة في الحكم بالشرع عامة، واتخاذه قاعدة الحكم في حياة الناس، وعدم الزامهم بتشريعٍ موازٍ من صنع البشر. فمن فعل هذا فقد أخل بما أقر به في القول بالشهادتين، وخرج عن حدّ الطاعة الواجب على من أراد الإنتساب لهذا الدين، وكفر بربِ العالمين.

      فإجراء الحكم بالكفر يأتي من إتيان عمل من أعمال الردة، لا أعمال المعصية أو البدعة، إلا أن كانت بدعة مكفرة. وهذا الحكم الشرعيّ وأن كان لا يجب الإفتاء به إلا لمن حاز قدرا كافيا من العلم احترازا من الولوغ في دماء وأموال المسلمين، فإن من الأمور، في بعض الأزمان، ما يصبح حُكمه شائعاً معروفاً كحكم كفر التتار في أيام بن تيمية.

      ودون أن ندخل في تفاصيل موضوع العذر بالجهل في هذا الموضع، فليرجع من شاء إلى كتابنا "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد"[1]، لكن يجب هنا أن نفرّق بين العلم بالعمل، والعلم بتبعات العمل، أو بين التوصيف والتكييف، في أعمال الكفر بالذات. فإن من قام بعملٍ مكفرٍ ولم يعرف ما هو لم يكفر، مثل أن يرى كتابا في مكانٍ مظلم فيلقيه على الأرض، ثم يكتشف أنه قرآن، فتوصيف عمل الرجل أنه ألقى القرآن على الأرض أنه عمل كفر، لكن تكييفه الشرعي أن لا يكفر فاعله لأنه لم يعلم أنه قرآناً. أما إن علم الرجل أنه قرآناً فألقاه على الأرض، وقال لا أعلم أن إلقاء المصحف كفراً، فتكييفه الشرعي أنّ فاعله كافرٌ. والفرق بينهما واضح، كمن سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم وقال أنه لم يقصد اهانته إذ السبّ موضوع للإهانة أصالة.

      الأمر إذن لا يتعلق بأنّ "والله يا شيخ دا راجل طيب" أو "والنبي دي ست محجبة" أو "دا راجل بيصلى وأنا باشوفه" وكل هذه التعليقات العامية التي لا محلّ لها في أي تكييف شرعيّ. إنما الأمر أمر طاعة في التشريع، وبراء ممن يكفر ويحارب الشرع.

       هذا، بإختصار شديد، هو ما يقوم عليه التصور الإسلامي في مسألة الحكم بالكفر. ومن هنا يمكن أن نفهم قولة ذلك العاهر المرتد على الحجار حيث قرر أن مصر انقسمت إلى شعبين، كلٌّ له رب. فإنّ ذلك الجزء من شعب مصر، الذي رضي وتابع ودعم وفوّض الملاحدة العلمانيين في مسخ هوية مصر وهدم الإسلام بها، هم مرتدون عن دين الله، بارتكابهم أعمال الردة الصريحة من موالاة على الكفر.

      ولا يصح هنا أن يُعتذر بالجهل، فإن العلم بأن هؤلاء العلمانيين يريدون سحق الإسلام أصبح من المعلوم بالضرورة لإنتشاره في كل أخبارهم وتصرفاتهم وتصريحاتهم، من قتل للأبرياء رجالا وأطفالا ونساء، ومطاردة مظاهر الإسلام كالحِجاب واللحية، بما لا يحدث حتى في بلاد الغرب أو في دولة الكيان الصهيوني، وإغلاق مساجد الله ومنع ذكر اسم الله فيها، وحرقها "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَ ۚ لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌۭ وَلَهُمْ فِى ٱلآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌۭ" البقرة 114، والإستهزاء بالدين علنا. ثم يأتي من يتحدث عن جهل هؤلاء التابعين المُرتدين بحقيقة ما يحدث على أرض مصر.

      إن من يزعم أن الصفوفَ لم تتمايز اليوم في مصر، وأن معسكريّ الكفر والإسلام لم يتبيّنا، هو أعمي بصر وبصيرة، منافق محضٌ وجاهل جهل كفر ناقل عن الملة،  بل اليوم يتلو المسلمون "قُلْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ ﴿١﴾ لَآ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴿٢﴾ وَلَآ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴿٣﴾ وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٌۭ مَّا عَبَدتُّمْ ﴿٤﴾ وَلَآ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴿٥﴾ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ". والفائدة في هذا التقريرهو معرفة ما ينبغي قوله أو فعله في مواجهة السلطة الكافرة العسكرية السيسية، وداعميها من أبناء الشعب الآخر الموازى للشعب المسلم.

      ثم يبقى أن نتحدث عن مفهوم الجهاد في واقع حالنا اليوم، فإلى الحلقة القادمة إن شاء الله.  

      [1]  http://tariqabdelhaleem.com/new/Artical-17