الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لاشك أنّ الإعتصامات والتظاهرات، التي تسود مدن مصر منذ الإنقلاب الإلحاديّ العلماني العسكريّ في 3 يوليو الماضى، ضرورة واجبة لإعادة الأمور إلى نصابها، وإعلاء راية الشريعة، التي لا شك أصبحت أظهر كثيراً في نداءات المتظاهرين وفي راياتهم المرفوعة، مقابل نداءات الشرعية الدستورية، التي تخالف نهج الإسلام.
لكن ما يجب أن يدركه المعتصمون، أو بالأحرى، القائمون على الإعتصامات، أنها لن تغير من مواقف العسكر، ولا أنملة واحدة.
يجب أن ندرك أنّ الأمر بالنسبة للعسكر أمر حياة أو موت، بقاء أو فناء. فأن يتصور أحدٌ أنهم سيعلنون التنازل طواعية، لمجرد الضغط الشعبيّ التظاهريّ أو الإعتصامات، هذا غاية في تبسيط الأمور الذي يصل إلى حدّ السذاجة.
العسكر لن يتنازل إلا أن "يزال" من كرسيه، بالقوة، بالصدام، بالمهاجمات، بالعنف. هذا أمرٌ مفروغٌ منه، وهو تصورٌ فطريّ لا يتعامل بالعواطف والأمانيّ والأوهام، رغم صعوبته وبشاعة تكاليفه.
الكفار سائرون على طريقهم. يعيّنون المحافظين، وينصّبون أعضاء مجلس الشعب، ويصدرون القرارات الإقتصادية، ويعدّلون الدستور، ويشوّهون هوية لأمة، ويعتقلون كلّ قيادات الإتجاه "الإسلاميّ"، ويلفقون التهم للكلّ بلا حياء أو ضمير.
الإعتصامات والتظاهرات السلمية، يجب أن تصل إلى حدٍ تتحول فيه إلى قوة إيجابية، تؤدى إلى تغيير على الأرض، لا مجرد تعبيرٍ عن رأي، مهما كانت قوة هذا التعبير. أما أن تبقى هكذا، وسيلة للتعبير "الحضاريّ" نفخر به بين الأمم، فهذا ليس من طبائع الأشياء، وليس من سنن الله في التغيير.
لقد أزال الله دولاً وأفنى أمماً بطريق الإبادة العنيفة المدمرة، لا بغيرها. انظر ماذا فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد. انظر ماذا فعل ربك بقوم ثمود، وقوم لوط، وغيرهم من الأمم البائدة. ثم انظر ماذا فعل بفارس والروم على أيدى المسلمين الفاتحين. كلها كانت تغيّرات تاريخية بطريق القوة والتصادم، لا المحاورة والتفاوض.
ويقول قائل، وهو لا يدرى ما يقول "لكن نحن أمة واحدة، كلنا مصريون، يجب أن نتحاور ونتفاوض"! ونقول، لا والله لسنا أمة واحدة، بل منا المسلمون ومنا الكافرون، ومنا المنافقون. لقد حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وأهله وعشيرته من كفار قريش. لم يقل صلى الله عليه وسلم هؤلاء من أمتى، لا أقاتلهم. فالهوية التي يقاتل عليها المسلم هي الهوية الإسلامية، لا غيرها، لا وطن ولا أرض ولا عصبية قبلية ولا جاهلية. بل الإسلام وحده. هذا من الناحية العقدية.
ومن الناحية الواقعية العملية، فإنّ الباطل لم يستسلم في تاريخ البشرية كلها إلا بالعنف والقهر. هذا تاريخ الثورات أمامكم في كلّ أنحاء الأرض، على مساحة الزمان كله، هل رأيتم باطلاً تنازل بملئ إرادته، وهو على عرش السلطة، ممسك بمقاليد الأمور، متحكم في القوة العسكرية؟ لا والله لا يوجد مثالاً واحداً لهذا الأمر.
لا بدّ أن يتم تصعيد الأمور شيئاً فشيئاً. أن تتوقف عجلة الدولة بالكامل، لا في أيامٍ معدودة لا غير. ثم أن يبدأ تخطيط ممنهج للسيطرة على مراكز الشرطة في أنحاء البلاد بالتدريج. يجب أن يُطرد هؤلاء من مقارهم، بتحرّكٍ جماعيّ منسقٍ، يربك جيش الإحتلال، فلا يعرف أين ولا كيف يرد الصفعات.
إن الحصار والهجوم المتوقع، لابد أن يكون متزامناً مع تحرك مضادٍ من القوى المسلمة، تحرك إيجابيّ لا سلبيّ، يعمل على تولد قوة طردٍ للمحاصِرين، وقلقٍ حقيقيّ للسلطات الغاصبة.
لقد عرضت في مقال سابق على الموقع، أنّه لابد من أن يكون هناك عاملٌ حافزٌ يحرك الركود الحادث على جبهتيّ الكفر والإسلام. وقد أدركت قوى الكفر هذا التصور، فكان أن قرروا حركة فضّ الإعتصام بالقوة، رجاءَ أن يكون ذلك هو العامل المرجّح لكفتهم، وهيهات!
لذلك، يجب على المسلمين أن يكونوا فاعلين في إيجاد هذا العامل، وامتلاك ناصيته، فإن الطرف الذي سينجح في تفعيل هذا العامل الحافز، سيكون له السبق في النصر.
وقد كتبت مقالاً بتاريخ 20 يوليو الماضى تحت عنوان "ماذا يمنعكم من العصيان المدني؟"، قلت فيه بالحرف الواحد "مع هذه الأعداد الهائلة من البشر، لا أدرى ما يمنع من إعلانها العصيان المدنيّ؟ قلنا مراراً وتكراراً، لن يؤدي هذا الجمع غرضه إلا إن أصاب كيان الدولة في مقتل، وأوقف حركتها وشلّ أطرافها. غير ذلك لن يكون له أثر على الأرض إلا صرخات تتعالى ثم تتلاشى، وأمواج بشرية تتلاطم ثم تنحسر.
الأمر الأهون اليوم، خلاف الخيار المسلح، هو العِصيان المَدنيّ. ما الذي يمنع قادة هذه التجمعات أن تعلن هذا العِصيان، وأن يوجّه الجماهير إلى البقاء في المنازل أو الإحتشاد مع إغلاق كافة الأعمال التي يديرونها؟
هذا الأمر اليوم أصبح الخيار الوحيد الباقي، الذي يمكن أن يؤثر في الواقع على الأرض، والذي لن يتحرك بهذه الوتيرة الحالية قيد أنملة، ولو احتشد عشرات الملايين أسابيعاً وشهوراً.
الأهم اليوم أن يعمل القائمون على هذه الجموع وتوجيهها، أنْ يَسيروا في هذا الإتجاه دون تباطئ ولا تأخير. وهو خيار لا يستدعى عنفاً ولا يضع على الأكتاف عبئاً. هو مقاومة سلبية جماعية طالما أثبتت جدواها في وجه القوة الغاشمة الغادرة العسكرية الخائنة"[1].
ولعل هذا هو العامل الذي يجب أن يلعب دوره الآن لتحقيق الإمتياز على أهل الكفر والإلحاد.
والله وليّ الذين آمنوا
[1] http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-68510