الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
المشهد المصريّ اليوم، 30 يونيو ينبؤ عن سلسلة من "الأخطاء"، التي هي معاصٍ وآثامٍ في لغة الإسلام، تراكبت خلال عقود طويلة، ثم تركزت مؤخراً في السنتين الآخيرتين، بعد ثورة دومة ونوارة، ارتكبها أبناء ما يسمى التيار الإسلاميّ، متمثلة في الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية، سأتعرض لها بشكل مختصر.
أول هذه المعاصى هو الخطاب العقدي الإرجائي، من الإخوان، أصالة، ثم من الجماعة الإسلامية بعد تراجعاتها. وهذا الخطاب البدعيّ قد تسبب في الإلتواء بمفهوم التوحيد والإسلام في تصوّر العامة من الناس. وكانت نتيجة ذلك ما نراه من جحافل تسعى لإسقاط الإخوان، خلاف الفلول، لأجل الخبز والغاز.
ثم ثانيها هو من تداعيات ذلك المنهج في العامين السابقين، وهو سياسات التميّع والإلتواء والمفاوضات والمحاورات وحلول الوسط والمناورات، ثم تبني النهج الديموقراطيّ الشركيّ، وعدم أخذ الأمور بقوة، ونشر مبادئ لا علاقة لها بالمنهج السنيّ، كما رأينا في تصميم قادات الإخوان على التضرّع للمرتدين للجلوس اليهم، وأنهم يحترمون السلمية ويتمسكون بها، بل ويقرؤون قول الله تعالي في ابنيّ آدم "لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٍۢ يَدِىَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ" تبارك 28. ويعلم الله أن في هذا تضليلٌ عمدٌ للحق، إذ إن هذه ليست من شرعتنا، هذا من شرعة من قبلنا، وقد نُسخت بشريعتنا "فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ" .
ثم ثالثها، ذلك الخطاب الأسيف الأهطل الذي يتحدث به دعاة الإخوان، وآخرهم القرضاوى، بالدعوة إلى الإئتلاف والإجتماع، والمحاربة في سبيل الله صفاً!! عجيب غريب. كيف يا شيخ الإخوان تظن أنّ هؤلاء سيستمعون إلى خطابك، وكيف يحاربون صفاً واحداً مع المسلمين وهم العدو! عجيبٌ غريبٌ أمر الإخوان، غير قابلين للتعلم من مصائبهم.
ثم الأخطر، هو ذلك الخطاب الشركيّ للشارع المصريّ، والمُنادي "بالمواطنة" تحت شعار "المصرية". يتحدث هؤلاء، كما في خطاب القرضاوى، إلى "المصريين"، داعين لهم بالتوحد في حبّ مصر! لا أدرى أين الإسلام في هذا؟ أليس هذا لبّ العلمانية؟
إنّ إنقسام الشارع المصري اليوم، ليس صراعاً بين مصريين، إن كان هناك من لا يزال فيه شبهة عقل، بل هو صراعٌ بين ردة وإسلام، بين إيمان وكفر، بين دين وإلحاد، ببساطة ومباشرة.
وطالما أنّ الخطاب السياسي الإخواني لا يُقيّم هذا الإنقسام بهذا الميزان، فلن يفلحوا إذا أبداً.
لقد تسبّب الخطاب الإخوانيّ، ثم السلفيّ المُنْتكس، إلى هذا الوضع الذي شاعت فيه موجات الرِدّة بين العوام، وركبتها قوى العلمانية، وزحفت تحت ردائها الصليبية الخائنة، وأصبح الوضع متفجراً لا ينبؤ بخيرٍ للإسلام.
إن محمد مرسى، إلى جانب بدعيته، ضعيفٌ لا يصلح لرئاسة مصر في هذه المرحلة الصعبة. المرحلة تستدعى رئيساً يفهم طبيعة الثورات وسننها التي لا تتخلف. إن الثورات، إسلامية أو غير إسلامية، تفرض على الثوار أن يبطشوا بعدوهم بطشاً شديداً لا هوادة فيه ولا رحمة، ثم تستمر في هذا البطش حتى تتطهّر الأرض من أعدائها، ثم تخفّ قبضتها شيئاً فشيئاً، ثم تبدأ المقاومة في شدّ ساعدها، ثمّ تعود الكَرّة مرة أخرى، ويؤتى الله الملك من يشاء.
أما الثورة التي قفز الإخوان علي ظهرها، وقادوا مسيرتها، لثقة الشعب بهم، ثم انتُخبوا في الحكم، فلم يسيروا سير الثورات وانتهاج سننها، بل تعاملوا معها من منطقٍ "ديموقراطيّ" لا "إسلامي" ولا "كونيّ"، ولم يقدّروا أن الديموقراطيات، على كفرها كنظام، تتخذ مجراها في حياة الشعوب بعد تصفية النظم التي خرجت عليها، وبعد أن تستقر لها أمور الحكم، وتشدد قبضتها عليه، لا قبل ذلك كما توهم واهموا الإخوان، الذين وضعوا الوطنية محل الإسلام، وخالفوا سنن الله الكونية في قواعد الإجتماع، فخسروا الثورة التي أعطاهم الله ثمرتها دون عمل منهم، ونسوا الله فنسيهم ...