فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نظرة تحليلية في واقع الحركات الدّعوية والجِهاديّة

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      إذا استعرضنا الوسائل التي طرحت على الساحة الإسلامية، وتبناها "مسلمون" أو "إسلاميون"، منذ سقوط الخلافة بغرض الحفاظ على الهوية الإسلامية، وجدنا أنها تتلخص في أربعة وسائل أساسية، خلاف بعض وسائل أخرى جانبية، قليلة النفع مجدبة النتاج. هذه الوسائل الأربعة هي:

      1. وسيلة المشاركة السياسية والمغالبة الديموقراطية للوصول إلى الحكم.
      2. وسيلة الدعوة إلى التوحيد النظريّ، دون العمليّ، فالحاكم مسلمٌ، والخروج عليه حرامٌ، ولا معنى للجهاد أصلاً، إلا كبابٍ من أبواب الفقه.
      3. وسيلة الدعوة إلى إحياء الأمة، بالعلم والوعي ثم العمل والجهاد للوصول إلى التمكين.
      4. وسيلة الجهاد الآنيّ، وتشكيل الفصائل المحاربة والتصادم المباشر مع العدو الداخليّ والخارجيّ.

      وقد تمثلت الوسيلة الأولى في حركة الإخوان، وامتد عملها إلى أكثر من ثمانين عاماُ. وقد ثبت فشلها في تحقيق هدفها الذي أعلن عنه مؤسسها، بل تخلت الحركة عنه تماما، بل سارت في طريقٍ مضادٍ له، مع تأويلات شتى، إن درأت عنهم حكم التكفير، فإنها لا تدرأ عنهم حكم التبديع، والوقوع في الشركيات كجماعة، بل الشرك من بعض أفرادها. وقد قررنا فشلها من حيث أنّ الوصول إلى الحكم لم يكن من صنعها أولاً، وأنّ سياساتها لم تعكس إسلاماً على أي مستوً، رغم ما يشيعونه من صعوبة ذلك، ومحاولة الخروج على الناس بصورة المحنك الحذر، وما هو إلا جبنٌ وتقصير.

      أما الوسيلة الثانية، فهي أخطر على الإسلام من الأولى، وأسوأ أثراً، إذ إننا قد رأينا ما حدث لأصحابها رأي العين، لمّا فُتحت لهم أبواب السياسة على مصراعيها، فادّاركوا فيها كما يدّارك الفراش في النار، لقلة وعيهم، أو قلة إخلاصهم أو مزيج من الإثنين معا. وانقلب هؤلاء بغضبٍ من الله، كأصحاب السبيل الأول، بل أسوأ منهم تخبّطاً، وصاروا يسيؤن للإسلام من حيث يتمثلون به في الهدي الظاهر، وما قصة بيع غترة محمد حسان وجلبابه ببعيد[1].

      أما الوسيلة الثالثة والرابعة، فهما المقصودتان بحديثنا اليوم. ونبدأ بتقرير أنهما متحدتان في الغاية والهدف، لدي المخلصين، بلا فرق. فالدعوة لدي أهلها، هي مرحلةٌ في طريق الجهاد، إذ ما لا يُحسم بالمَعروف، حَسمتْه السيوف. هذا لا خلاف عليه. وإنما الأمر بين الوسيلتين، عند الواعين الفاهمين في كليهما، أمرُ توقيتٍ، وإمكانات، وظروف محيطة، بشرية وجغرافية.

      إذا نظرنا الي البلاد التي نَجَحَت فيها وسيلة الجهاد المُسلح أن تُنشأ حركة ذات فاعلية وتأثير، مثل حركة "دولة العراق الإسلامية" في العراق، أو حركة "شباب المجاهدين" في الصومال، أو حركة الجهاد الشيشاني، أو طالبان الأفغان، وجدنا أن هناك سمات تجتمع عليها تلك الحركات.

      أول تلك السمات وأهمها، أنها كلها تتحرك في واقع إحتلال خارجيّ، بلا استثناء. فالإحتلال الروسيّ، ثم الأمريكي في أفغانستان، والإحتلال الأمريكي ثم الأثيوبي في الصومال، والإحتلال الروسيّ في جمهورية الشيشان، والإحتلال الأمريكيّ والفارسيّ للعراق، كلها تمثل وحدة متجانسة مؤججة لجهاد الدفع. وما ذلك إلا نتيجة لعوامل دينية، يدفعها ويؤجّجها الإسلام بمبادئه الحاضّة على الجهاد، وتُزْكيها روح المقاومة الشرعية التي تنشأ في كل أمة حين تتعرض للغزو. حتى إننا نجد أن الدول التي ليست تحت احتلال رسميّ، تتشكل حركات الجهاد المسلح فيها في أحضان البلاد المحتلة، مثل حركة أوزباكستان الإسلامية التي تتحرك من أرض الأفغان، لوجود خطٍّ حدودي بينهما. وتلك السمة العامة المشتركة، تنبني على حقيقة أنّ الفعل له ردّ فعلٍ، وهي حقيقة يغفل عنها المحتل، أو يتغافل عنها مخاطراً في سبيل ما يراه أهم له في وقته.

      والإحتلال عادة ما يمزق الحكومات المركزية، ويضعفها، بل ويستبدلها بحكومات عميلة، مما يمنح الفرصة أمام الإسلاميين أن يتحركوا في الإتجاه الجهاديّ المسلح، مع الفوضى وإمكانية الحصول على السلاح.

      لذلك تجد أن بلاد المسلمين التي قامت بها ما اسموه بثورات الربيع العربيّ، لم تقم بها حركات جهادية مسلحة واحدة، من حيث أنّ الوازع النفسيّ لم يتواجد فيها من ناحية، ومن ناحية أخرى أنّ الحكومات البديلة مستسلمة عميلة متخفية تحت رداء الإسلام، كما في مصر وتونس، وهو ما يفوّت الفرصة على الجهاد المسلح أن يكتسب عوناً مادياً أو بشرياً. ومن ثمّ،  فإننا نصنّف تلك الجماعات التي يطلقون عليها السلفية الجهادية في مصر، على أنها حركات دعوية، لا جهادية[2]. والفارق بينهما حمل السلاح، لا الفكر، إذ الجهاد فكر كلّ مسلم سنيّ مخلص واعٍ لسنن التاريخ. فلا يصح إذن أن نفترض فجوة بين الواقعين، واقع الجهاد (الذي يعني المسلح بالضرورة)، وواقع الدعوة، التي ترى الجهاد غاية وإن لم تقدر عليه.

      ثم السمة الثانية تتعلق بطبيعة الجغرافيا في البلاد التي ظهرت فيها غالب تلك الجماعات المسلحة. ونلحط أنها نشأت في بلاد آسيا الوسطى التي يغلب عليها الجبلية الوَعرة، أو في الصومال التي تتميز بالهضاب والمرتفعات. وتلك الطبيعة الجبلية تعين على سهولة الحركة والمناورة ومجابهة القوات النظامية.

      ثم السمة الثالثة، وفي غياب أحد السمتين الأولتين، تتعلق بالتركيبة الإجتماعية للشعوب التي ظهرت فيها تلك الحركات المسلحة. والعراق أكبر مثال على ذلك، حيث إن تركيبتها الطائفية الحادة، اجتمعت مع أثر الاحتلال، إلى جانب الحكومة العميلة، مما جعلها أرض خصبة لنشأة حركة جهادية مسلحة ناجحة كحركة دولة العراق الإسلامية، وإن تكالبت عليها قوى الإحتلال الخارجيّ، وقوى الخيانة الداخلية حتى من صفوف من يدّعون الإسلام، وأعنى بهم الصحوات. كما تتعلق بقدرٍ ما بطبيعة الشعوب ذاتها، من حيث قدرتها على استيعاب القتال الداخليّ، وعلى مدى سيطرة الإعلام والتشويه الفكريّ الذي تعرض له شعب ما.

      وفي غياب تلك السمات، أو العناصر، تقف الحالة المصرية والتونسية، لا إحتلال، ولا طائفيات، لكن عدو داخليّ يتمثل في حكومات متعاونة مع العلمانية الملحدة، تعتمد على خداع العامة برداءٍ إسلاميّ.

      والطريق الآخر المطروح في تلك البلاد هو طريق المواجهة العامة الشاملة لقوى الفساد بالقوة والردع الساحق، بل وبالسلاح إن لزم الأمر، وهو ما تُميته في نفوس الشباب الجماعات الخائنة كالإخوان والسلفية المنزلية، من أحباب الصليبيين. وهاهم يقفون "كالولايا محسورى الرأس" أمام عنف جماعات الفلول مثل "تمرد" والبلاك بلوك" وغيرها، بينما يستأسدون على تجمعات الإسلاميين من أهل السنة. هم العدو فاحذروهم، قاتلهم الله أني يؤفكون. فالدعوة إذن في تلك الأنحاء من بلاد المسلمين يجب أن تشمل بصراحة وقوة، إلى جانب التوحيد والإيمان، بيان أنّ جهاد العدو الداخليّ واجب لا يحل تركه إلا لكل جبانٍ رعديد، وإن تفصّل ذلك وتمهدت سبله بالدعوة.

      فالوسيلة، إذن في ذلك الواقع خاصة في مصر، هي الدعوة. فإنّ الحديث عن جماعات جهادٍ مسلحٍ ليس هناك ما يدعمه بأي شكلٍ من الأشكال. والواقع يشهد بصحة ما ذهبنا اليه، إذ لم تقم للجهاد المسلح قائمة في مصر[3]، إلا تلك المحاولات الجديدة التي ظهرت في سيناء، والتي يلاحظ فيها المراقب بعض السمات التي تحدثنا عنها، من اتساع الرقعة الصحراوية، والقدرة على المناورة، ومجاورة العدو الأول للأمة، بني صهيون.

      الدعوة إذن هي الوسيلة المطروحة في بعض بلاد الإسلام، حتى يتحقق ظرف الجهاد، والجهاد المسلح إذن هو المتاح والممكن في ظروفه وباكتمال عناصره، في بلاد الإسلام التي ظهر فيها بالفعل.

      ولقائل أن يقول، فماذا عن سوريا؟ أمّا سوريا الحبيبة، فإنّ أثر النصيريين أقوى من أي أثرٍ آخر على وجه الأرض، وقد فُرض علي أهل السنة الجهاد المسلح، وهم منصورون بعون الله، وإن كنا نلحظ كذلك أن الطائفية كذلك عنصر متوفر في المُعادلة السّورية.

      طريق الدعوة وطريق الجهاد المسلح إذن واحد. وإنما تحكم اللجوء الي أيهما ظروفٌ وسنن من سنن الله في الأرض، ولابد من تتبعها ووعيها، وتدبرها. والداعية في مقام الدعوة، ليس بقاعدٍ عن الجهاد، والمجاهد في محل الجهاد وبشروطه ليس بتارك للدعوة، وكلاهما قائمٌ بأمر الله، حسب ضوابط الأمر الكونيّ والشرعيّ.

       

      [1]  ولعله يبيع شعر لحيته قريبا في مزاد علني كما فعل من قبله الفيس بريسلي ومايكل جاكسون!

       [2]  إلا ما كان من بعض الصبية القابعين على الكيبورد يتلاغطون فيما بينهم بالحديث عن الجهاد، فمثل هؤلاء لا يحسب المراقب لهم حساباً.

      [3]  ولا نسمي تلك المحاولات القليلة التي وإن كانت مخلصة إلا إنها فاقدة للرؤية العامة، ولذلك اختفت وانزوت، أو تراجعت قياداتها واستسلمت.