فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      يا شباب الأمة .. لا تُهدِروا أوقاتكم

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لا شك أن للورطة التاريخية التي تعيشها أمتنا اليوم أسبابها وانعكاساتها، التي لا يسمح مثل هذا المقال أن يحصيها، بله أن يفسرها، أو أن يصف لها دواءً. وهذه الأسباب والمُسبَّبَات، أو النتائج، تأخذ بعضها برقاب بعض. فهي تتلاحم وتدور بينها في فلكٍ واحد، بعضها سبب، ثم نتيجة، والآخر نتيجة ثم سبباً، وهكذا ..، كأنه المريض ينشر الجراثيم في بيئته، ثم لا يزال يتنفسها، فيستمر في مرضه، ويستمر في نشر جراثيمه.

      لكن مقصودنا اليوم هو الحديث عن أحد تلك النتائج التي صارت سبباً في تكدس الظاهرة، وعموم بلائها، وسبباً مباشاً في استمرارها، وهي بكلمات معدودات "كيف نهدر أوقاتنا".

      العمر الإنسانيّ محدود بين طرفين غائيين، لا يمكن لأحدٍ أن يتدخل في توقيتهما، هما يوم الميلاد، ويوم الوفاة. هذان ثابتان لا يتغيران، مهما تقدم الإنسان في التحضّر أو التقنية أو غيرها، وهما، كلاهما، بيد خالق الإنسان وحده. هذه واحدة. والأخرى أنّ لكل إمرء أهدافاً يجب أن تكون نصب عينيه، يريد أن يصل اليها في حياته، وأن يحققها قبل مماته. والخيبة كلّ الخيبة لمن يحيا بلا أهدافٍ محددة يسعى لها ويعمل عليها، كمن يحتطب بليلٍ، لا يرى ما هو مُقدمٌ عليه، وهيهات لذاك أن يكون له دور في دينٍ أو دنيا.

      ولا يقول أخٌ، لكن يا شيخ، هدفنا هو إرضاء الله سبحانه، وهو هدف كل مسلمٍ؟ لأننا نقول هذا تبسيط للحق، بل تزييف للحقّ وابتعاد عن مراميه. فإن هذا الهدف غاية الخلق كله، إنما نتحدث هنا عن الأهداف التكتيكية المنتشرة على مدار عمر الإنسان، لتتحقق بها تلك الغاية الكبرى، غاية إرضاء الله سبحانه، على مستوى الفرد أو الجماعة والمجتمع. فإن الله يريد مسلماً قوياً وقادراً ومجتمعاً قوياً وقادراً، ولا يريد مسلماً لا يقدر على شئ في حياته، مغلوباً على أمره، مقهوراً في نفسه.

      فتحديد هذه الأهداف التي يسعى لها المسلم هي أول ما يجب على المرء أن يفعله. في مسائل المعاش، نتصور أن يكون هدف الشاب أن يتخرج من الثانوية، ثم من الجامعة أو المعهد، ثم يجد عملاً يقيم به أوده، وأن يكون له زوجة وأبناءً، ثم يلتزم بأمانة تربيتهم، وتأمين مصالح معاشهم، كهدف أعلى يتقدم على أي هدفٍ آخر. قال الله تعالى : "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" البقرة 233، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" رواه مسلم، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" صحيح رواه أبو داود. فهذه ثوابتٌ لا خلاف فيها. ثم أهداف الدعوة، لمن كان من أهلها، وهو أمر يجب التفطن له، فليس كل مسلم بداعية بالضرورة، ولكن كلّ ميسرٌ لما خلق له.

      فإن عرفنا ما تقدم، ووعيناه، وجبت الإشارة إلى أمرين هامين في هذا المجال، أولهما "بذل الجهد". والمصيبة التي يعاني منها مجتمعنا الحاضر هي عزوف الشباب عن بذل الجهد ابتداءً، حتى في سبيل تأمين معايش أهلهم، منهم من يتعلل بالدعوة، ومنهم من يتعلل بنقص العمل في المجتمع، وما شئت من عللٍ وأعذار، لا تنبؤ إلا عن انحطاط الهمة، وضعف العزيمة، وهوان النفس. إنّ تلك الظاهرة التي تنتشر بين الشباب، خاصة "الإسلاميين منهم"، هي المرض العضال الذي يضرب في جسد الأمة، أكثر مما تضربه يد الأمريكيين أو ترهات العلمانيين. التواكل والكسل والضعف ونقص الهمة، هي سرطان هذه الأمة. وهي أول عاملٍ في إهدار أوقات الشباب والرجال، وإن تهيأ لهم أنهم على الحق المبين، لأنهم مضيعين لجهدهم فيما ليس مطلوباً بالضرورة، استسهالاً وتكاسلاً واتباعاً للهوى.

      الأمر الآخر، هو "إضاعة الأوقات" بعدم حسن استغلالها. فإننا إذ سلّمنا بأن طول العمر لا مجال لزيادته، وأنّ هناك عدد معين من الأهداف يسعى المرء لتحقيقها في حياته، فإنه بمعادلة حسابية بسيطة، نجد أنّ عدد الأهداف التي يمكن للمرء أن يبلغها، يتضاعف إن سعى في أكثر من إتجاه واحد في آن واحد، لا أن ينتظر تحقق هدفٍ ثم ينتقل إلى الآخر، وهو ما اسميه بطريقة "الحياة الموازية"[1]. والعقل البشريّ قد خلقه الله سبحانه يعمل طالما صاحبه مستيقط واعٍ لما حوله، إنما نحن نشغله بما يعمل فيه. فالأجدر بالمسلم ألا يصرف وقته لاه عن الإنتاج، سواء بالتفكر المثمر، أو التخطيط أو التنفيذ. لا في إتجاه واحدٍ بل في اتجاهاتٍ عدة، ليجعل من العمر الواحد أعماراً متوازية. فتراه يعمل في مهنة يتكسب منها عيشه، لا يتركها لآيّ سبب كان، حفاظاً على كرامته أن تمتد يده إلى غيره، أو أن يكون صاحب يدٍ سفلى. ثم هو يسعى للترقي في العلم بمنهته تلك تحصيلاً وعملاً، ليكون صاحب سبقٍ فيها.  ثم تراه في نفس الوقت، يحفظ القرآن، ويدرس في الشريعة، إن كان مؤهلاً لذلك عقلياً ونفسياً، وتراه يتحرك بما حصّل في مجاليّ الدنيا والآخرة، بدعوة أو إرشاد، أو تعليم أولادٍ، أو تبرع لخيرٍ أو جهادٍ.

      إن استغلال الأوقات، نشاطٌ عقليّ، يتمرّس عليه المرء فيحكمه، فتراه دائماً في انشعال بأمرٍ من الأمور، دنيا أو آخرة، كلها جدّ، إلا قليلها الأقل. بينما ترى شبابنا اليوم يصرف أوقاته إما في جدالٍ لا فائدة فيه، أو في "سرحان" وأحلام يقظة، أو في الجري وراء اجتماعات ولقاءات ضرّها في إضاعة الوقت أكبر من نفعِها، لا تنتج إلا وقتا مهدراً وتفكيراً مشتتاً. ثم العجب أنك ترى هؤلاء ممن يدعون الإنتماء إلى أهل السنة، يَذُمّون علم "الكلام"! وهم غارقون في معناه ليلاً ونهاراً، إذ حياتهم كلامٌ في كلام.

      هذا اللون من الحياة، هو الذي ينقص أمتنا. هذا التصميم والعزم والهمة هي التي خلت منها صدور الشباب وصُرفت عنها عقولهم، فرضوا بالدنية في دنياهم، فوكلهم الله إإلى أنفسهم، وأعطاهم الدنية في دينهم. تليس بهم شيطان الكسل والرخوة والقعود، ومنهج الله برئ من مثل هذا الخُلُق.

      إنّ السعي في سبيل دين الله يستدعي همماً أعلى من الجبال، وعزماً أمضى من السيوف، وتصميماً أقوى من الجلمود، فإن الله أبى أن يمكّن لمن لا يستحق التمكين، ولا يعرف كيف يدير شؤون حياته، بله أن يدير شئون أمة. والله سبحانه حين قال "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض"، لم يقصد بالصالحات الصدقة والصلاة والصيام لا غير، بل كل ما يَصلح به شأن الفرد والأمة، من كافة أعمال الدنيا والآخرة، على وجهها الأمثل.

      فيا شباب الإسلام، عليكم بالهمة، واسعوا في مناكب الأرض، فما أسهل الصراخ على المنابر، أو إصدار المنشورات، لِمَسْلَمَة الخلق أو تكفيرهم.

       

       


      [1] Multitasking