فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المسلمون .. وقضية المشاركة السياسية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      جاءني تعليقٌ من أخٍ كريم عن موضوع المشاركة السياسية، هل هي جائزة أم محرمة، وأشار الأخ الكريم أنه قد تحيّر بين الفريقين، المانع والمجيز، ويريد إجابة شافية في هذا الأمر. ورغم أني قد طرقت هذا الموضوع من قبل عشرات المرات، بإسهاب وإطناب، على مدى عشرين عاماً. لكن لا بأس من الإعادة، ففيها تذكير وإفادة. وسنحاول أن نتناول الموضوع من زاوية معينة خاصة، بالله التوفيق.

      ويجب أولا، كما تعودنا، أن ننظر في المصطلحات المستعملة، التي يشير اليها السؤال. وهي "المشاركة السياسية". إذ المصطلحات، دون تحريرها، خدّاعة. فالمشاركة السياسية، إن كانت في ظلّ نظامِ حكمٍ يطبّق شرع الله سبحانه، فهي لا بأس بها، بل هي مطلوبة، بل مفروضة على فئة معينة لديها إما العلم الشرعيّ، أو العلم الوضعيّ المتعلق بأحوال الإقتصاد والإجتماع، ليمكن تحرير مناطات المسائل. والسياسة في حدّ ذاتها، ليست أمراً مستقلاً، فهذا ما خرج به الغرب علينا من عمل بني صهيون. وليس هناك "سياسيون" في الإسلام. فالسياسة في النظر الإسلاميّ، هي أقرب ما يكون إلى مفهوم الإجتهاد الشرعيّ، والخروج بأفضل الفتاوى طبقاً للزمان والمكان والحال ، واستغلال أفضل المتاح في حدود الشرع، بلا بغي أو افتئات عليه. أما السياسة التي يعنيها الغرب فهي فن بيع الكذب واستغلال جهل العوام، عن طريق مفهوم الأغلبيات لصالح جماعة "السياسيون". والفارق بينهما ليس له حدّ.

      فالمشارك في "العملة السياسية" إذن من الوجهة الإسلامية، إما أن يكون من جهة العلم بالأحكام الشرعية، أو العلم بالواقع من حيث وضع الإقتصاد والإجتماع.

      أما عن سحب مصطلح "المشاركة السياسية" ليعمّ إنشاء كيانات تقوم على مبادئ تخالف الثوابت الشرعية ابتداءً، فهذه ليست مشاركة سياسية شرعية، بل هي مغالبة لحكم الله ومدافعة لشرعه، لا أكثر ولا أقل.

      ومن ثم، فإن كافة تلك الأحزاب، التي تصم أنفسها بالإسلامية، هي على خلاف طريق الإسلام ومنهجه، إذ هي محكومة بمبادئ الدستور العلمانيّ الذي يقوم على سيادة الشعب لا سيادة الله، وعلى التفرقة بين الدين و"السياسة"، وعلى إجراء الأحكام الشرعية في مرتبة ثالثة، فيتقدم عليها الأحكام المدنية أو الجناية الوضعية، ثم العرف، كما تنص القوانين العربية كلها[1]. هذه ليست مشاركة سياسية، هذه محادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

      أما عن أحكام المشاركين في هذا الشِرك التشريعي، فتختلف بإختلاف طبيعة الدافع إلى المشاركة. فإن الأصل أنه ليس كلّ من ارتكب كفراً بكافرٍ. كما أنّ صورة الكفر لها علاقة بحكمه. وتفصيل ذلك فيما يلي.

      أما عن التأويل، فإن هناك من كفره بيّن واضح، مثل من يدعي أن الديموقراطية الغربية هي أفضل طريق للحكم، وأن قضية حكم الله قضية لا علاقة لها بحياة الناس أو تسيير الدول، بل هي تتعلق بعلاقة الفرد بخالقه في بيته أو مسجده، مثل البرادعي والصباحي والبدوي، وسائر كفار مصر. هذا ما يقولونه بألسنتهم ولا ينكرونه، بل ينصرونه بالقول والعمل.

      لكن أمثال الإخوان، أو السلفيين الجدد، مع الفارق الكبير بينهما إن أردنا الإنصاف، فهما لا يقولون بذلك، بل يقولون بأن في تقبل هذا الوضع الديموقراطيّ، واستغلاله لصالح الإسلام، وللعمل على الوصول إلى تطبيق الشرائع[2]، ولو بطريق المكر والتخفي وشِرك الوسائل هو اساساً لجلب المصلحة الشرعية! ويقولون أن هذه الممارسات هي وسائل لتحقيق مصلحة المسلمين، ويوافق البعض على ذلك من باب أنها "أفضل" من أن يأتي العلمانيين لسدة الحكم. وينسون، أو تناسون أنّنا متعبدون بالوسائل كمن أننا متعبدون بالمقاصد، وأن اوسيلة الفاسدة التي يشوبها الشرك لن تؤدى إلى صلاح.

      وهذه الأقوال غير صحيحة على الإطلاق، وهي، في مآلها، تؤدى إلى "شرك" في ممارسة الوسائل، ومن ثمّ خروجٌ على حدود الشرع. لكن التأويل يدرأ التكفير. فقول البرادعي ليس كقول محمد مرسى بلا خلاف، وإن اتفقا في صورة تقبّل الديموقراطية. أحدهما يراها وسيلة لتنحية حكم الله، والآخر يراها وسيلة لتطبيق شرع الله. فالأول كافر بلا خلاف، والثاني مبتدعٌ مرجئ، فاسق لا تقبل شهادته. ويجب أن يعامل كلّ حسب حكمه.

      ومن ثم، فإن على المسلم العامي الذي يبتغي وجه الله، أن لا ينخرط في هذه الممارسات كلها، وأن لا يسير وراء كافرٍ أو مبتدعٍ، إلا أن تكون بينهما مواجهة وطلب نصرة، فعليه نصرة المبتدع، حتى يتغلب على الكافر، وإن لم يقره على بدعته، بل يظل رغم وقوفه بجانبه، ينعى عليه البدعة ويُبَكِّته عليها، ويبيّنها للعامة، ويقدحُ فيه وفي أعماله كلها، لا أن يعظمه ويوقره، لأنه يقف في وجه كافر. هذا لا يجوز. وهذه النصرة المؤقتة للمبتدع لا تكون بمشاركته في بدعته، إو إقراره عليها، بأن تنتمي للإخوان أو سائر الأحزاب التي يسمونها "إسلامية"، فهي باطلة شركية لا علاقة لها بالإسلام. لكن تكن نصرة المبتدع فقط حين المواجهة الفعلية مع الكفار، كأن يخرج شباب الإخوان في مواجهة مع البلاك بلوك الملاحدة أو غيرهم من بلطجية مصر الذين أنشأتهم الداخلية لحساب مبارك. فيجب حينها الوقوف في صف الإخوان، وإن كان شباب الإخوان لن يخرجوا لمواجهة، ولو كانت أرانب في الشارع المصريّ، إذ قد جمدتهم قياداتهم وأزالت "رجولتهم" وحطت من كرامتهم، بدعوى السياسة والدهاء والمصلحة، وهم والله أبعد الناس عن ذلك كله. أما عن تكفيرهم، فكما بيّنا، هو، بالجملة دون تفصيل، مدفوع بالتأويل.

      ولقائلٍ أن يقول: لكن يا شيخنا، قد قلت من قبل، وردّدت قول شيخ الإسلام بن تيمية في الصارم المسلول "وبالجملة، فإن كل من قال أو فعل ما هو كفرٌ ، كفر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافراً، فإنه لا يقصد أحد الكفر إلا ما شاء الله". فكيف تقول الآن بأن ليس كل من قال كفراً كفر بذلك؟

      فإنا نقول وبالله التوفيق، أن شيخ الإسلام نفسه، قد حكم بعدم كفر كثيرٌ من الذين يطوفون بالأضرحة، من حيث إنهم اتبعوا ما قالته لهم مشايخهم، اعتقدوا أن هذا هو دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل نصّ على أنهم قد يكون لهم ثوابٌ في ذلك. وهذا يدلّ على أن الأمر يجب التفصيل فيه، ونص شيخ الإسلام ليس على إطلاقه، كما بيّن في أوله فقال "وبالجملة" أي دون تفصيل.

      هذه واحدة، والأخرى، أن شيخ الإسلام يتحدث هناك عن شرك المقاصد لا الوسائل، من حيث كان حديثه في معرض سبّ الله أو الدين والرسول صلى الله عليه سلم. أما شرك الوسائل، ففيه تفصيل، من حيث إنه يجب فيه النظر إلى مقصد الفاعل بتبني الوسيلة، والتدقيق في أقواله عنها. فكما أن البدع تقع في المقاصد، مثل الأوراد البدعية وإلحاق ما ليس من العبادات بها،  بينما مجال المصلحة المرسلة هو في الوسائل مثل تضمين الصانع رغم خلافه للقياس، فإن شرك المقاصد لا تردد فيه، كما هو الحال في إنكار الطاعة لله وعدم وجوب الدخول تحت أحكامه، فهذا مقصد شرعيّ لا وسيلة شرعية. أما عن الوسائل، فإنه كما بيّنا، فإن بعض هؤلاء الضالين من الإخوان والسلفيين يدخلون في هذه الوسائل الشركية من أحزاب وغيرها بدافع تحقيق الشريعة، وهيهات. فأصل قولهم هو تطبيق حكم الله، ووسيلتهم يشوبها الشرك، بل يحوط بها من كلّ جانب، لكنها تظل في باب شرك الوسائل، فيجب التدقيق في مقصدها وتحقيق القول فيه.

      وأدعو الله أن يكون في هذا بيانٌ للسائل، وإلا فهو جهد المقلّ.


      [1]  وقد ورد الي بحث مفيدٌ في هذا الباب لأخ كريم، سألني أن أراجعه، جمع فيه ما نصت عليه الدساتير العربية بشكل مستفيض، فلعله ينشره قريباً.

      [2]  ويجب هنا استثناء بعض قيادات الإخوان الحالية العريان الكتاتني، فهم صرحوا بأن تطبيق الشرع ليس عرض الإخوان، وأنّ تطبيق الأحكام الشرعية أمر خاصٌ بالفرد لا بالجماعة، وهو ما قد يجعل القول بكفرهم له وجه، أو أي من قال بهذه الأقوال.