الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال بن تيمية في الصارم المسلول ".. وبالجملة فإنه من قال أو فعل ما هو كُفر كَفَر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافراً، فإنه لا يقصد أحدٌ الكفر إلا ما شاء الله". هذا نصه. وهو نصٌ صريحٌ في المسألة. لكن، كما قال شيخ الإسلام في أول جملته " وبالجملة .."، أي هذا على وجه الإجمال الذي يحتاج إلى تفصيل. فمن حَكَمَ بمُجملٍ دون بيانه وتفصيله فقد ارعوى عن الحق وجانب طريق الصواب.
وتفصيل هذا أنّه يجب أن يكون الحكم على المُعَيّن من واقع ما يقول، لا من واقع افتراضيّ أنه قد يكون ممن يقول بهذا أو ذاك. ثم أن يكون قوله كفراً صريحاً مباشراً دون ورود أي شبهة عليه. فإن من سبّ الله أو سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم أو سبّ الدين، كفر على الفور، إذ إن كلمات السبّ أو الإستهزاء قد وضعت أصلاً في اللغة للإهانة، فلا يصح أن يقال أنها تعنى أمراً آخر، لأنّ الإهانة قد وقعت بمجرد القول، وإهانة الله أو رسوله أو الدين كفر، سواء قصد القائل الإهانة أم لم يقصد. وهو القصد الذي لم يعتبره بن تيمية في نصه السابق، لأنه قصدٌ وإن إدعاه القائل فهو لاحقٌ ومعارضٌ لوقوع الكفر وهو الإهانة في هذه الحالة. كذلك إن وردت شبهة على القائل، كأن يلفظ بقول الكفر تحت تهديد السلاح المباشر ممن يقدر على قتله على الفور. وهي شبهة الإكراه. أو إن قال ما قال بلغة لا يعرف معناها، أو إن استعمل مصطلحاً فيه تشابه وخفاء، أو إن كان المَعنى المُكفّر مفهوماً لا منطوقاً، كأن يكون بدلالة الإشارة أو مفهوم الخطاب أو ما شابه، أو إن كان مآل القول إلى الكفر لا حال القول، فإن التكفير بالمآلات بدعة ليست من أقوال أهل السنة. فإن وردت مثل هذه الشبهات على حال القائل بالقول المكفّر، فإنه يجب التوقف عن التكفير حتى تستبين حاله بما ه يقين لا شك فيه.
فالحكم بكفر قائل الكفر مرتبطٌ بالقول ذاته أولاً، ثم بحال القائل ثانيا. فإن كان القول كفراً في ذاته، يُنظر في حال قائله، فإن لم يقع تحت أي من الموانع السابقة، كفر ظاهراً وباطناً، وإن كان القول ليس كفراً في ذاته، بل بمآله لم يكفر حتي يُستبان أمره. وإن كان القول كفراً ووقع القائل تحت أحد تلك الشبهات، لم يكفر حتى ترتفع عنه تلك الشبهة.
لهذا قلنا إن الكثير من القائلين بالديموقراطية من العوام، يقعون تحت تلك الشبهات، فإن كلمة الديموقراطية موهمة تشتبه بكلمة الشورى عند من لا علم له. ثم إنها خفية ليس في ظاهرها معارضة حكم الشارع. ثم إنها قولٌ يكفر قائله بالمآل، إذ إن القول بها يعنى أنّ الحكم للشعب، ومن ثم فقائلها يرفض حكم الله، وهو مآل فوق مآل. كما أنه ليس في المصطلح استهزاءٌ بالدين لغة، بل يروّج الكفار من أتباعها المخلصين أنها سياسة لا علاقة للدين بها، سلباً أو إيجاباً.
فهذه كلماتٌ أردنا أن نزيد بها بيان ما ذكرناه في مقالنا السابق، والله وحده الموفق.