إغتالت قوات الإرهاب المركزيّ الإنتفاضة الشعبية التي إجتاحت شوارع مصرٍ يوم أمس، يناير 25، والتي كانت إنتفاضة شعبية خالصة، ليس لها علاقة بأي إتجاه أو حزب، بل كانت تعبير عن الألم واليأس والرغبة في إزاحة فرعون مصر، وهامانها، المعروف باسم العَادليّ، ونظامهما القائم على السرقة والنهب والتخريب والقتل والقمع وموالاة أعداء الله ومعاداة أولياء الله. لكنّ جنود فرعون، تحت قيادة هامان، تمكنوا من تفريق الجموع المحتشدة، والتي كانت سلمية متحضرة في انتفاضتها إلى أقصى حدّ. إلا أنّ فرعون لا يعرف إلا القمع والإرهاب، وليست لديه حيلة إلا إخراس الجماهير ومواصلة إمتصاص دمائهم.
ولا شكّ أنّ هناك دروساً مستفادة من هذه الأحْداث، التي نرجو الله تعالى أن يكون لها ما بعدها:
أولاً: أن فرعون وهامان لا قوة بهما إلا بجنودهما، وهو ما نوّه به القرآن، في قوله تعالى "إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا۟ خَـٰطِـِٔينَ" القصص 8، فَسَوّى بين القادَة وبين من سَاروا وراءَهم جُنوداً وخَدماً. وقد شاهدت في أحد التسجيلات سيدة عَجُوز تصرخ في وجه أصنام قوات الشُرطة العميلة "قد ضَيّعتُم مِصر"، وهم ينظُرون اليها بِعُيون بلهاء لا حَياة فيها كَعيون القرش! وهؤلاء، كأسْيادهم في الحكم الشرعيّ، خَارجين عن الشَرعية الإسلامية والوضْعِية على حدٍ سواء. لكن الدَرس المُستفاد من هذا أنه يجب أن تكون المَواجهات القادِمة بشكلٍ تكتيكيّ آخر يُشتّت جهودهم وذلك بتوسيع رقعة المُظاهرات على الأرض، وبنشر بياناتٍ مُضَلّلة عن تواجُد متظاهرين في أماكن غير صحيحة، ومثل هذه الأمور المَعْروفة لدى المتخصّصين في التظاهر.
ثانياً: أن عنصُرَ القيادةِ قد غابَ تماماً عن هذه المُظاهرات، فكانت أقرَب للحَركة العَفوية، ومن ثمّ لم يكن هناك أي ترتيب يكفُلُ الإستِمرارية، التي هي الضَمَان الأول لنَجَاح مثل هذه الإنتفاضَات. وما ذلك إلا لعَجزِ القيادات الحَالية او خَوفها من النِظَام، أو من كِليهما.
ثالثاً: أن الإخوان، كعادتهم، يتعاملون مع الأحداث من منطلق "ترقّب وانتظِر، فإن تحقّق فانتهز"، وهو مبدأ أقل ما يوصف به الإنتهازيّة. ينتظرُ الإخوان ما تُسفِر عنه الأحداث، وقد يشارك فيها من بعيد ليثبت أنه موجود بالساحة لا يزال، فإذا أُجْهِضَت الأحداث، تبرّأ منها، وإن نَجَحَت، رَكب أمْواجها وإمتطى صَهوتَها وكأنه فَارِسها المِغوار! تُرى لو أنهم دَفعوا بكل شَبابهم إلى السَّاحة يوم أمس، مُقبلين على الشَهادة، بتَخْطِيطٍ مُسْبَق لِضَمَان الإسْتمرارية، هل كانت النتيجة أفضَل والنهاية أقْرَب؟
رابعاً: أن العدو الأمريكيّ الصليبيّ يُسَاند النِظَام المُتَحَكِم، كما بان في تَصريحات كلينتون، وذلك من واقع أنه خَادمٌ مخلصٌ للأهدافِ الصَهيونية والصَليبية كأخْلَصَ ما يكون الخَدَم. وما كلّ هذا الحديث عن الديموقراطية الفاشلة إلا من باب محاولة نشر العلمانية وتقوية شوكتها والسَمَاح لأهلها بالتحرك الأوسع والأعمق في بلاد المسلمين. أما إن كانت الديموقراطية آتيةٌ بالإسلام، فهى مرفوضة شكلاً وموضوعاً.
خامساً أنّ هناك قِطاعٌ كبير جداً من الشَعب المِصريّ لا يزال يقف على هَامش الأحداث، إما خوفاً من قبضة قوات الإرهاب المَركزيّ، أو تشَككاً في جَدوى هذه التظاهُرات. ولابد، حتى تنجح هذه التَظاهُرات، أن يَخرجَ هؤلاء مُشاركين، فتكون التظاهُرات مَعدودةً بمئات الآلاف لا بالآلآف. ومن دون ذلك فلا فائدة لمُحَاول.
ثم ننتظر ما يأتى به القَدر في السَاعات القَادمة، وعلى الله فليتوكّل المؤمنون.