فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الصراع الإسلامي العلمانيّ .. في مصر!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الصراع بين الإسلام والكفر صراعٌ قديمٌ قدم آدم عليه السلام، حين كانت المجابهة الأولي بينه وبين الشيطان الرجيم. وكان أن انتصر الكفر ساعتها بالخديعة وبالتلاعب بالأسماء والمُسميات، وبتغيير المقاصد والأهداف، لإخراج آدم من أمن الطاعة وطمأنينتها إلى مخاوف المعصية وعواصفها.

      صراعٌ استمر عشرات، بل مئاتٍ، من القرون، وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وهو صراعٌ ثابتٌ في أهدافه ووسائله، لا يتبدّل فيه إلا أسماء حامليه من جند الشيطان ومناصبهم، وتقنياتهم حسب ظروف عصورهم.

      ثم إنّ هذا الكفر، في صراعه الطويل مع الإسلام، لم يكن دائما وحده في الميدان، بل ما فتئت قوى النفاق والغفلة والبدعة، من وقت لآخر، تُعينه على تحقيق ما يصبو اليه من علوٍ على الإسلام، وانتصار على متبعيه، وما خيانة الرافضة في بغدادٍ، زمن التتار، أو ما يقوم به حزب اللات اللبناني الرافضيّ في قتل سُنة سوريا، ببعيد!

      هذه مقدمة لازمة أردنا أن ننبّه فيها أنّ ما يحدث اليوم في مصر، بل وفي كافة أرجاء أرضنا الإسلامية، هو قديمٌ معروفٌ متوقعٌ، ليس فيه جديدٌ إلا على من ذَهِلَ عقله عن حقائق التاريخ، وغابت عن قلبه ووعيه عناصر التوحيد.

      ونظرة على أرض مصر اليوم، ترينا جند الشيطان، بأسمائهم ومناصبهم، وبأهدافهم ووسائلهم. فالكفر اليوم قد تبنى إسم "العلمانية" أو "العالمانية"[1]، إن أردنا الدقة، وهو قطع صلة العبد بربه في تفاصيل حياته، واستلاب حق الله الخالق الرازق في أنْ يوَجّه شؤون الناس في أمور معاشهم، ورفض التحاكم إلى شرعه رفضاً باتاً.

      القوى الكافرة العالمانية الحاضرة، هي تلك الجبهات والأحزاب اللادينية، كحزب الوفد والغد والمصريون الأحرار، والتجمع وجبهة الإنقاذ، وسائر تلك الأحزاب الكفرية الصريحة في كفرها، ومن يمثلها كالبرادعي والبدوي والصباحي والسعيد والزند وغيرهم ممن يسير في طريق تلك المنظومة اللادينية، خاصة في مجال الإعلام الملحد، كالإبراشي وصحبه، رجالاً ونساءً. وهؤلاء جميعاً لا خلاف على كفرهم عند أهل السنة الناطقين بالحق المعتقدين بالصدق، والمؤمنين بالتوحيد.

      ثم مِنْ وراء هذه القوى، تأتي القوى المساندة لتلك المنظومة، وهي التي تتفق معها في الهدف وإن اختلفت في الرؤية السياسية. وهما قوى الإخوان، التي تتفق مع العلمانية في هدف تطبيق الزيف الديموقراطيّ والصراعات البرلمانية والدستور الكفريّ، وتختلف معها كقوى سياسية تريد السيطرة على الحكم لصالحها. ثم السلفيون، الذين هم ألعوبة في يد الطرفين، يريدون أسلمة الديموقراطية، ويريدون أن يكونوا طرفاً في اللعبة السياسية التي تتخذ الديموقراطية الكفرية وسيلة للحكم! فهم في تيه وعماية وجهل. والإخوان في هذا أوضح صورة وأصدق حديثاً منهم، إذ هم لا يريدون أسلمة شئ، بل هم يتبَنون نفس الخط العلمانيّ البرادعيّ، بل هم قد تَخلوا عن شِعارهم "الإسلام هو الحل" ليصبح "الديموقراطية هي الحل" أو "المشاركة لا المغالبة هي الحل" أو أي من هذه الحلول الشركية التي تضع الكفر جنبا، إلى جنبٍ مع الإسلام. أخزاهم الله وشتت شملهم.

      مصر اليوم تعيش مأساة كاملة شاملة. يعبث بأمنها وبأهلها العالمانيون والغرب ويحيكون مؤامرة للقضاء عليها كدولة لها سلطة مركزية تسيطر علي أنحاء البلاد وتفرض القوانين، لا علمانية ولا إسلامية، لا فرق.

      ثم إذا الإخوان يختبؤن وراء مصطلحات ومفاهيم تعكس انحرافاً عقدياً وفكراً بدعياً، بين أفضلهم، بديع، وقد رأينا ما يكتب ويرشد[2]، وبين أخسّهم، العريان والكتاتنيّ، وهما أسّ العلمانية الصوفية الإخوانية الكارثية. وهؤلاء يتعاونوا مع الرافضة، سواء في العراق أو إيران المجوس. فهم كما قال الشاعر:

      المُستجير بعمرو عند كربتـِـــهِ            كالمُستجيرُ من الرمضاءِ بالنار

      وكلهم لا دراية لهم بدين ولا سياسة. والمأساة هنا أنّ هؤلاء هم من يتصدى لمغالبة قوى العلمانية الصرفة المدعومة من الفلول والغرب. نعم، حذاء محمد مرسى يساوى ملايين من رؤوس أولئك الكفرة العلمانيين كالبرادعيّ والصباحيّ، وكونهم البديل يجعل حكم الإخوان مقبولاً "حالياً"، بمفاهيم المصالح والمفاسد البحتة، لكن نحن نحاكِمُهم بما يدّعون، ونأخذ عليهم ما يقولون، من إنهم إسلاميون!! وهيهات هيهات لما يزعُمون، فهي دعوى عريضة لم يقيموا عليها دليلاً واحداً يرقى إلى مستوى الإسلام الذي نعرفه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

      هل هذا الذي يحدث في مصر، بلا مبرر ولا سبب؟ لا والله ولكن هو نتيجة مباشرة لظلم غالب أهلها، ولتركهم دينهم الذي فيه قوتهم ونصرتهم في الدنيا، ونجاتهم في الآخرة. إن الشعب المصريّ قد وقع فريسة الكفر العلمانيّ الصريح وأعلامه، البرادعي والصباحيّ و6 أبريل وشباب الثورة، وسائر تلك الكيانات المُخترقة العميلة، أو فريسة العلمانية المتأسلمة المستترة وراء اسم الإخوانية الرافضية الصوفية. ومنهم من ترك الأمر كلية، إما جهلاً أو جوعاً وفاقة " وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ" هود 101.

      لقد أصبحت مصر كدويلة من تلك الدويلات المُمزّقة في أمريكا الجنوبية، شيلي أو أوراجواي أو جايانا وما يشبه ذلك. يتحكم فيها البلطجية، وتضعف فيها القوة المركزية لحدٍ يجعلها تحكم أطرافاً من الدولة، وتترك أطرافاً خارج سلطة الحكومة المركزية. وإلا فليفسر لنا أحد عن هؤلاء البلاك بلوك، كيف هم لا يزالون يظهرون في الشوارع وينشرون الفوضى؟ وليفسر لنا أحدٌ عن البلطجة المنظمة التي يسمونها "المتظاهرون"، وما هم إلا مجموعة من البلطجية المأجورين من الفلول والقوى العلمانية والغربية.

      الحلّ يكمن في القوة، في المواجهة، في المغالبة، فإن السنن لا تتبدل لخاطر أحد، من الناس أو لشعبٍ من الشعوب،لا لحازم أبو اسماعيل ولا لمرسي ولا لغيرهما. لن، وأكررها، لن يستقيم الأمر من خلال المغالبات البرلمانية القائمة على أسس شركية. والظاهر أنّ الكثير من الدعاة لم يستوعب هذه النقطة بعد. وهذه هي، فيما نرى، كارثة العمل الإسلامي اليوم، أنّ غالب أبنائه قد وقع تحت وهمٍ عجيبٍ وسحرٍ ٍمريبٍ من سحر الديموقراطية، فظنوا أنّ الدواء يكمن في الداء، وأنّ الوسيلة الخبيثة ستنتج خراجاً مَرْضِيّاً. ومرة أخرى، نقول لهؤلاء، أفيقوا، وانظروا في حقائق الشرع، وثوابت السنن، ولا توكلوا تصرفاتكم لعقولكم وهواكم، فليس هذا منهج الإسلام، لا من قريبٍ ولا من بعيد.

       

      [1]  العالمانية هي الترجمة الصحيحة لكلمة secularism أي اللادينية والتي تعنى إنكار الغيب والتمسك بما يراه الإنسان عياناً في العالم من حوله. أما العلمانية فهي ترجمة مغرضة لنصارى لبنان في القرن السابق، أرادوا بها التمويه على العامة بأنها تنتسب إلى العلم لا إلى رفض الغيب.

      [2]   راجع مقالنا "محمد بديع .. بين البيطرية والإسلامية".