فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عَصرُ الرُويبِضَات ... في مِصر

      عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيأتي على الناس سَنوات خدّاعات يُصَدّقُ فيها الكاذبِ و يُكَذّبُ فيها الصَادقِ و يُؤتمنُ فيها الخَائنِ و يَخُون فيها الأمين و يَنْطِق فيها الرُّويْبِضَة قيل: وما الرُّويْبِضَة، قال: الرَجُل التَافه يَتكَلم في أمْر العَامة" أحمد والبيهقي وصححه الألبانيّ.

      من أهم المُشكلات الإجْتماعية العَويصَة التي تُواجِهُهَا مصر في زَمننا هذا، ذلك الفَيْضُ الهَائِل من "الكَلام" الذي يَطْرُق أسْمَاع النَاس، سَواءاً من أجْهزَة "الإعلام"، أو في الجلسات الخاصة، والذي تتطَاير فيه من حَولك أحَاديث عن قَضَايا مَصِيرية، دِينية ودُنيوية، يُلقِيها عَليك من لا بَاع له في أيّ تخَصّص ولو من قَريبٍ، يجْعَله مُؤهلاً حتى للإسْتماع لمُناقشة جَادة في هذه الأمور، بله التَحدّثُ فيها وإبداءِ "الرأي". لكن، لأنه كما يقال " الكلام مش بفلوس!" تَجِدُ كُلَّ تافهٍ، خَاوِ العَقل، عَديمِ العِلم، يُدلي برأي في بَرنامج تلفَازيّ، أمام مُذيعة (وغالبهن من النساء!)، يتبادلا فيه آراء لا تُوصَف بالخَطأ والإنحِراف والتفاهة فقط، بل وبالتضْليل ومَسْخ الحقائق،. ذلك أنّ الكَلام إما أن يكون مُفيداً، أو أن يكون هَزراً من الهَزرِ المَمْقوت، ولا ثَالثَ لهما، والفَائدة لا تتحَصّل من كلام إلا إن كان صَحِيحاً في مَجاله، ولا يمكِن أن يَصحّ الكلامُ إلا إن صَدَر من مُتخَصِصٍ في هذا المَجَال. فإن صَدَر ممن لا قِيمَة له، كان لَغواً ولهواً، وصَح فيه قولُ اللهِ تَعالى "وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌۭ مُّهِينٌۭ" لقمان 6.

      هؤلاء يَبيعون لَهْو الحَديث للناسِ، والناس يشْترونه بما يُنفقون فيه من وَقتٍ ومَالٍ للإسْتماع. هَؤلاء مُضَلّلِينَ، مُخَرّبِينَ لا يَعُونَ ما يَقولون، وأؤلئك ضَالّينَ بما يَستَمِعون، خَسَارى بما يُنفِقون.   

      قل لي بالله عليك، ماذا يُمكن أن يُحَصِّل إمْرئٍ يَسْتمِع إلى عَادل إمام، الذي كان عبد المنعم مدبولي يَصْفَعه "على قفاه"، منذ سَنواتٍ على خَشَبة المَسْرح، هَزلاً أمَام جَماهير الناس، ثم إذا هو يَتحدّث عن ثورة تونس، وأزمَة القبط في مِصرَ، بل يُسْتضاف ليُسْتَمَع له؟ كيف يُمكن في مصر، مَوطن أحمد ومَحمود شَاكر، والرافعيّ، والعَقاد، وأحمد شَوقي وسَيد قُطب ومن قبلهِم السُيوطيّ والليثْ بن سَعد وآلافٍ غَفيرة من العُلماء والدُعاة، أن تنحَدِر لهذا الدَرَك، الذي يُصبح فيه يُصبح عادل إمام مُتحدثاً في سِياسَة أو دين أوعِلم؟ كيف وَصلَ الحَال إلى هذا المُسْتنقع الإعلاميّ؟ بل وغير عَادل إمام، من توافِه هذا الزمن ورُوَيبِضَاتُه؟

      لكنْ حَديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كَفانا الإجَابَة عن هذا السُؤال، إذْ وصَفَ صلى الله عليه وسلم في الحَديثِ العَصرَ كلّه. فمِثل هذا الهَزْرِ المُتدنّي لا يأتي من فراغٍ، بل هو صَادرٌ عن عَصْر إنعَدم فيه الخُلق، وبَرَزَت فيه الخَيانَة والغشّ وأصْبح الكَاذبُ صَادقاً (أحمد عز وأمثاله)، والصَادِقُ كاذباً (دعاة الإسلام وأتباعه)، والخَائنُ يُؤتَمَن على مَصيرِ الأمّة ومُقدراتها (ويسمى سياسياً)، والأمين، يُخوّنُ (ويُسمّى إرْهَابياً). ذلك هو عَصْر الرُوَيبِضَات، صِغَار النَاس، وحُقَرائِهِم يتحدّثون في أمُورٍ العَامّة ومَشَاكل الأمّة. هذا العَصْر هو ما أنْتَج رويبضاتٍ لا حصر لها في مجتمعنا. ترى طَبيبَ أعصابٍ، لم يَقرَأ كتاباً عن دِينِ الله يوماً، لا في فِقهٍ ولا حَديث، ثم تجده يُنكر إنكاراً شديداً، على زميله طبيب الأطفال، إبداء الرأي في مرض نسائئ!، لكنه يتنطّع بالحديث عن دين الله، فيحسّن ويقبّح من وجهة نظر شرعية! ويزعم أنّ حديثاً ثابتاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون لرسول الله! وهذا الصِنف من الرويبضات أكثر إنتشاراً وأوسع ضرراً من عادل إمام وأمثاله، وهم في كلّ مكان، يدلون بدلوهِم في أحوال الدنيا والدين والناس! غير مُحصَّنين بعلمٍ ولا مُتورّعين عن إفتاء.

      الأمر هو أمر النَهوض بالأمَة، بأفرادها ومُؤسّساتها، ولن يَحدثُ هذا إلا بالتَخَلُصِ من فِرْعَونها وآله وصَحْبِه، وفي السُعودية مُتّسَعٌ للجميع!