فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      'الدولة الحديثة' .. والحاضر المصريّ الصّعب!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لا شكّ إننا، كمسلمين نعيش على أرض مصر ونستوطنها بلداً لنا ولأبنائنا وأحفادنا من بعدنا كما كانت منذ أربعة عشر قرنًا، نهتم بما يجرى على أرضها، وما يدور على ساحتها من أحداث، تؤثر بطريق مباشرٍ وغير مباشرٍ، على دعوة الإسلام، عقيدة وحركة. فالمسلمون لا يعملون في فراغ. بل يعملون في واقع يعيشونه، ويتفاعلون معه، يريدون أن يغيروه لما يناسب دين الله عقيدو وشريعة. ومن ثم، فإنه من الخطل والطفولة الفكرية أن يكتفى المسلمين بالرفض، دون أن يكونوا عوناً على الإصلاح، ويداً للخير والبناء، طالما ليسوا ضمن منظومة الجاهلية، التي تجعل مع دين الله مصادر أخرى، تتلقى منها تصوراتها وترسم من خلالها تصرفاتها.

      ولا شكّ أن الوضع الحاليّ في مصر، وضعٌ صعبٌ بكل المقاييس. ولا شك أنّ المذهب الإخوانيّ الذي لا يتمتع بقوة في دين الله، ولا يؤمن بحتمية التطبيق الصارم التام لأحكامه، والذي يرى أنّ الديموقراطية الحديثة ومفاهيم الوطنية والعَلمانية لا تتعارض مع حكم الإسلام ابتداءً! هذان العاملان معا، يشكّلان وضعاً من الصعوبة، بل ومن الخطورة بمكان يجعل التغيير والنهضة، كلماتٍ لا بُعْد لها في عالم الواقع.

      فإن نهضة الأمم تعتمد على عوامل ثلاثة، نجدها غائبة عن الساحة المصرية بشكل يكاد يكون تاماً. أولها: القوة العاملة التي تتمتع بالإرادة والقدرة، وثانيها القصد العام المُوّحد الوجهة، وثالثها قوة القرار الداخليّ، وحرية القرار الخارجيّ. هذه هي العوامل التي رأيناها تصاحب كلّ نهضة، خاصة بعد الثورات الكبرى.

      فإذا اعتبرنا العامل الأول، وجدنا أنّ الصعوبة تنشأ أول ما تنشأ من حقيقة أن الشعب المصريّ ذاته خلال الثلاثين عاماّ الماضية على وجه الخصوص، قد تحوّل إلى شعبٍ لا يعمل، ولا يعرف كيف يعمل، ولا يريد ان يعمل. عزت الكفاءات وقلت الخيرات بين أبناء الشعب، حتى أبسطها، حتى لا يكاد يجد المرء أحداً يعرف كيف يقوم بالعمل المُسند اليه بكفاءة 50% لاغير. لا يكاد صاحب مدرسة أن يجد مدرساً أو إدارياً متمرساً، ولا يكاد صاحب مكتب أن يَجد مديراً قادراً، وهكذا في كلّ مهنة أو صناعة أو تجارة. فالناس بين جهل مطبقٍ وعَجزٍ مُقعدٍ. لا تجد بين المُدّعين، على كثرتهم، متخصّصاً، بل الكلّ يدّعى "الفَهلوة" ومعرفة كلّ الصنائع، ثم عند التحقيق والإختبار لا تجده يحسن عدّ أصابع يده! وهذا صحيح في كافة قطاعات الشعب المصري اليوم، الإسلاميّ منها وغير الإسلاميّ، ولا فرق. فصار الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة.

      بهذا السقوط الإنسانيّ وانعدام الخبرة، التي يصاحبها عادة انعدام الصّدق وتغيّب الضّمير، لأن الحاجة تلجؤ الى الإدّعاء الكاذب بالقدرة وهو أول خطوة في موت الضمير، بهذا السقوط لا يمكن لحكومة أو نظامٍ، أيّاً كانت مرجعيته، أن يتقدم خطوة واحدة للأمام.

      أما الثاني، فإن الأمة المصرية قج فقدت بوصلة توجهها بشكلٍ كامل. ومرجع هذا إلى أمرين، أولهما ذلك التشويش الإعلاميّ الخبيث الذي يعمل عمل السحر في بيوت المسلمين ليل نهار، يشوه عقيدتهم وينتكس بفطرتهم، ويزيف مفاهيمهم، ويخرّب أخلاقهم. والثاني، ه ذلك التميع الذي تتعامل به تلك الفئات التي يُفترض أنها تُرشد الشعب وترشّده للمنهج السنيّ الصحيح، الذي يتزاءم مع فطرتها، فإن نهضة أمة من الأمم تستحيل إن كانت هذه الأمة لا تتبنى ما هو في فطرتها مركوز، لا ما هو مستوردٌ مصنوع. هذا التمييع والتميع لقضايا الأمة، الذي يخلط المفاهيم، ويتبنى العفيدة وضدها في آن واحدٍ، هو ما مارسته، ولا تزال، جماعة الإخوان، التي حملها الشعب إلى سدة الحكم، معتقداً أنها هي التي تمثل الإسلام، وتنصره. هذا التميع والتمييع لقضايا الأمة، قد جعل الشعب في حيرة من أمره، أيقبل بالمواطنة أم يرفضها؟ أيقبل بالعلمانية كمعارضة داخل دائرة الإسلام أم يرفضها؟ أيقبل بالشرع وحكمه أم يقبل أن يكون هناك مصادر متعددة يستقي منها قوانينه وأحكامه؟ أيقبل بالديموقراطية الغربية المتمثلة في قبول حكم الأغلبية وإن عارض الإسلام، أم يرفضها؟ ثم ما صاحب تلك الفوضى من فتاوى هنا وهناك، رسمية من منافقيّ الأمة الطيب وجمعة، أو غير رسمية من جهاتٍ فرضت نفسها على الساحة، كخنفس السلفية بكار، فغشت مزيداً من الضبابية والاضطراب على عقول الناس، وشَتّتت توجهاتهم، وفَرّقت عزائمهم، فلم يجمعهم جامعٌ من توَجّه واحد، على التوحيد الخالص الصافي، كما كان على أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلط الشرك بالإسلام، والسُّنة بالبدعة، والحقُّ بالباطل، والحُسن بالقبيح، والخطأ بالصواب. وصار المعروفُ منكراً في بعض الأمر، وانقلب المنكرُ معروفاً في بعضه. ذلك هو دين الإخوان. ومن ثمّ، فإن البوصلة التي يتوحّد عليها الجَهد العام، قد زاغت وتاه مؤشرها، فلم يعد للناس طريق واحد وسبيلٌ مستقيمٌ يسيرون فيه دون تخبطٍ أو تزاحم.

      أما ثالث العوامل تلك، فإنه يتمثل في أموال مصر المنهوبة التي تتدفق لإحداث الفوضى العامة والإضطراب الدائم بالداخل، لتُشكل العقبات التي تضعها العلمانية والقبطية المتواطئة مع الخارج، سواءً الخارج العربيّ متمثلاً في شرذمة الدويلات الإماراتية، صغيرة الحجمِ والقدرِ، متغرّبَة الطبع، فاسدة الفطرة، ملحدة العقيدة، أو الخارج الصهيو-صليبييّ، إسرائيل وأمريكا. وهؤلاء الثلاثة أمريكا-إسرائيل-الدويلات الرُوَيبِضيّة الخليجية، هم محور الشرّ الثلاثيّ الذي يتعاون على ضرب الهوية المصرية سواء بالتآمر المباشر، أو باحتضان القوى الفاسدة الهاربة المتآمرة، كأحمد شفيق وربعه. ثم ما يصاحب ذلك من ضعفٍ وتراخٍ في القرارات الداخلية، وعدم الوقوف بقوةٍ أمام تلك المحاولات الخارجية. وماذا على مرسى لو أنه خرج على الناس بخطاب توجه فيه بالتهديد المباشر لتلك الدويلات التي لا يتجاوز حجم الواحدة منها حجم "البَقّـة"، والتي تهددها إيران المجوس ليل نهار، ليُخرس ألسنة كلابها النابحة؟ لكن، مرة أخرى، لا يكون هذا مرسى الذي نعرف إذا!

      كلها عقباتٌ تكفي لقطع طريق النهضة أو حتى الإستمرار في المسير، منها ما هو تراكمٌ خطيرٌ لعوامل مدمرة، ومنها ما هو ميراثُ جماعةٍ منحرفةٍ عن النهج السنيّ، ومنها ما هو ضعفٌ وتراخٍ من السلطة الحاكمة الحالية، تعاونت كلها لتجعل مشروع التقدم أكثر استحالة مع استمرار الوضع الحاضر.