الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرضية أحسبها، حين أتحدث هنا، هي أننى أتوجه بحديثى إلى شعبٍ أكثره على الإسلام أصالة، وإلى قيادات تدعى الإسلام ابتداءً، على هناتٍ هنا وهناك. فإن كانت الفَرضية صحيحة، فلا أدرى لم لا تعمل عملها؟ وإن كانت باطلة، فقل يا زلّة اليد والقدم!
القوى الظَلامية الكُفرية، من علمانية وليبرالية وديموقراطية وصبّاحية وبرادِعية ويَسارية وناصرية وقضائية، وغيرها من قوى كفار مصر، لن تسلم سلاحها بالتفاوض والمنطق وحديث الأخوّة المِصرية! هؤلاء لا يعرفون إلا الخِداع والمُماطلة والخروج على كلّ نظام لتحقيق مآربهم في علمنة الدولة ودستورها وقوانينها، وتكفير أبنائها وبناتها، ونشر الفاحشة بينهم. هذه مقولة مسلّمٌ بها عند كلّ مسلم صادقٍ مع نفسه.
ليس أمام التيارات الإسلامية، على تعدّد مفاهيمها ومشاربها وتشتّت أهواء رموزها، إلا أنْ يعملوا على صدّ هذه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام كله، في شكل الإخوان، وحكم الإخوان. الأمر ليس أمر إسقاط الإخوان، كما بيّنا من قبل، ولكنه رفضٌ للإسلام بعامة على أيّ شكلٍ كان وبأيّ تحريفٍ أو تبديل تشَبّع.
لن يكون هذا إلا بما اقترحناه عند تأسيس التيار السنيّ لإنقاذ مصر، التكتل والتجمع والثورة، لا الإنتخابات والبرلمانات والديموقراطية. ليست هذه أدوات تغيير، بل لا تصلح إلا أدوات استمرارٍ ومواصلة، عند من يؤمن بالعلمانية. أمّا التغيير، فقد جاء في أمريكا ذاتها، أم الديموقراطية، كما تزعم، بالحرب الأهلية، قبل تأسيس الفيدرالية، ومثلها الثورة الفرنسية وغيرها مما تمتلأ به صفحات التاريخ البشريّ. وهو ما شاهدناه، بصورة جزئية، في 25 يناير، وإن لم تكتمل لها عناصر الثورة لتخلف الأيديولوجية وغياب القيادة وانعدام الهدف والانفضاض قبل التصفية.
المشكلة الحقيقية هنا، هي أنّ الإخوان أنفسهم، وهم المُستهدفون أولاً بهذه الثورة المُضادة، لا يريدون أن يكونوا في فريق التصدّى لها، بل العَكس، يفعلوا كلّ الأفاعيل ليضعوا أيديهم في أيدى أعدائهم، ولو كان تنازلاً عن دينهم، وتحولهم إلى العلمانية قلباً وقالباً، بعد أن ارتضوها قالباً، وصالحوها قلباً، بل اتخذوا منها دينا جديداً هو دين "الديموسلامية"، أو إن شئت "الإسلاقراطية"، والذي تكون فيه السلطة للشعب لا لله، والغالبية هي الحاكمة وإن جاءت بما يناقض دين الله.
ثم السّلفيون والعياذ بالله، على كَمِّهم الهائل، هم كغثاء السّيل لا قيمة لهم. والعجب أنّ كُفار مصر قد عرفوا حقيقة السلفيين الهشّة، وجُبنهم المَوروث، فاستهانوا بهم أيّما استهانة، وصاروا يصرّحون بكراهة الإسلام بما لم يسبق به عهد.
الطريق اليوم هو الثورة، ليس ثورة ضد الإخوان، بل ثورة ضد الفساد والكفر والباطل، المُتمثّل في هيئات القَضاء العميل، والنائب المجرم العام، وقوى الفلول وأموالها، سائر قوى الثورة المضادة.
الطريق الوحيد للخروج من الأزمة اللائحة والمُصيبة المرتقبة هي في ثورة شعبية عارمة، يقودها المسلمون هذه المرة، تزيل الدكتاتوريات الصغيرة التي تسيطرُ على مفاصل الدولة وتتحدى رئاستها وبرلمانها وكلّ سلطة رسمية فيها باسم قضاءٍ فاسدٍ مرتشٍ لا خير فيه.
إن العذر الذي يتقدم به من لا يرى هذه الرؤية هو حقن دماء المسلمين، والبعد عن الهرج والقتل، إذ إنّ هؤلاء الكفرة لن يقفوا مكتوفي الأيدى، بل سيدفعون بآلاف البلطجية مدفوعى الأجر لإشاعة القتل والهرج، وهو عذرٌ مشروعٌ مقبولٌ لو أنّ بديله سيؤدى، ولو لاحقاً، إلى سيادة دين الله، والعودة إلى الإسلام. لكن المُشَاهَد الذي لا يُنكر هو أنّ مصر تسير في طريق العلمنة، ويختار لها كفارها طريقها، ويتوارى مسلموها عن المواجهة بهذا العذر، وهو ما لا يقبله مسلم صحّ دينه، فإن هؤلاء إما أن يستسلموا لدين الله، أو فليفتح الله بيننا وبينهم بالحق، لا بديل ثالثٌ، إلا سياسة التخنّث والتراجع الذي يقودها الإخوان اليوم.
نعرفُ أنّ هناك من يقول، وله الحق فيما يقول، "لكن الشعبَ جاهلٌ بدين الله، بعيدٌ عنه، لاهٍ بالمشَقّات التي رَصّعتها في طريقه قوى الفساد، بل إن كثيراً منه لا يريد الشريعة لخوفٍ منها أو لبغضها، فكيف يكون يداً على أعداء الله وهو لا يعرف ما يريد، وما يصلح له؟" وهو حقٌ من ناحية وباطلٌ من أخرى. فالحق فيه أنّ الشعب قد غيّبته عقود الظلم والقهر والفقر الذي لا قاع له. ثم غيّبته سحرة الإعلام والأفلام، والفساد والعهر، لتنسيه ما هو فيه من شقاء، وليحيا قطعاً من الليل في حياة وهمية يسمونها "الخيالة"، أمام الصندوق السحريّ، يخيلُ لهم فيها أمانيّ وأحلام، كلها فساد وحرام. نعم، هذا حق، ولكّن الكثير لا يزال تقبع في فطرته كلمة التوحيد، ويتشرّب في قلبه حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تحت هذا الركام الجاهليّ الكثيف، وتتشوف نفسه إلى حياة نظيفة كريمة لم يتح له معرفتها إلا فيما يقرأ أو يَسمع عن شُعوبٍ غيره، أو عن حضارته التي ولّت مع القرن الفائت وأصبحت مجرد روايات وحكايات. هؤلاء الكثير، ولا نقول الغالب، هم من نُعوّل عليهم، مع ضيق فهمهم وقلة وَعيهم، أنْ تُحرّكهم الفطر، وأنْ تقودهم كلمة السواء إلى نصرةِ دين الله، حين تتمايز الصفوف، دون مُداهنات ولا تنازلاتٍ ولا تمَحّكات.
من هنا قلنا مِراراً وتِكراراً، أنّ البَيان وانتشارِه واستِفاضته، يساعد على توجيه هذه الطاقة يوم يأن الأوان.
فئة المتدينين من الشعب، وإن قَلّت، هي الأمل الباقي في التغيير، بعد توفيق الله وفضله، وفي التَحوّل إلى الإسلامية التي يرتقبها منذ عقود. قد لا يعرف الناس تفاصيلها، وقد لا يَعون دقائقها، ولكنهم عَونٌ على تحقيقها.