الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
كثر الحديث عن موضوع فائدة القرض البنكي الذي أقرته الحكومة المصرية مؤخراً، هل هو من قبيل الربا، أو هو مصاريف إدارية، وهل هو من قبيل ما يجوز ضرورة أو حاجة؟ وهل هو من باب ربا الفضل الذي قال بعض من ادعى العلم أنه حلال؟
أما عن موضوع ربا الفضل، فإن ربا الفضل لا يختلف عن ربا النسيئة مقدار شعرة، في باب التحريم القطعيّ. تحريم البدل في الأصناف الستة، هو من باب تحريم التعامل الربويّ في الأصناف التي تعدّ أساسية في حياة البشر، وعلى رأسها الذهب والفضة، ويتبعها الأوراق المالية التي هي صكوك تُمثل قدراً من الذهب الإحتياطيّ في بنوك الدولة. ومن العبث البارد أن يفرق بينها وبين الذهب والفضة، وأن يقال أنه يمكن أن تتبادل بزيادة من أي لون من الألوان. روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال: "جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أوه أوه عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتره".
والفيصل في مسألة أنها بنسبة لا تتعدى المصاريف الإدارية، هو أنّ هذه النسبة قد فرضت في العقد على أنها فائدة ربوية، لا مصاريف إدارية، وفي قانون العقود، شرعاً ووضعا، كما في المادة 150 مدني، يجب أن يكون التفسير مطابق للنية المشتركة للمتعاقدين، والتي تظهر من خلال النصّ الواضح للعقد، ولا يجوز العدول عنها إلى أيّ تفسير آخر طالما لا غموض لفظيّ فيها. والبحث عن حقيقة نية المتعاقد لا يجب البحث فيها إلا إن كانت الألفاظ فيه تحتمل أكثر من معنى حسب الأعراف في هذا الصنف من المعاملة، ولفظ الفائدة Interest"" لا محلّ فيه لأى إنحرافٍ عن التفسير عن مقتضاه اللغوىّ والعرفي الواضح في عالم البنوك. وعلى من قال بحلّ هذه النسبة لهذا السبب أن يأتي بالنصّ ويثبت أنه ليس Interest، ولكنه management fees. ساعتها يكون القرضُ حَلالاً. أما التنطّع بتقديم تفسيريات لعقود مكتوبة بلغات واضحة متعارفٍ عليها، على نيّة المتعاقدين، فهو تحيّل زائف لا يُجدى عند الله شيئاً.
أمّا عن أنها تحلّ للضرورة، فإنّ تلك الضرورة يجب أن تكون ثابتة معروفة مُعلنٌ عنها، كما يجب أن لا يكون سبيلٌ لتلافي هذا الباب من الحرام، لتوَقّع هلاك الحرث والنسل، وانتشار المجاعات، كما هو محدد في أبواب مفهوم الضرورة الشرعية. فالسؤال، هل ثبت هذا الوضع فعلاً على أرض الواقع؟
أما ما يمكن أن يقال أنّ حلّ هذه العقود، يكون للحاجة فإن ما يحلّ للحاجة عادة، هو ما حرُم تحريم وسائلٍ لا تحريم مقاصد، فما حرُم وسيلةً حلّ للحاجة، وما حرُم قصداً حلّ للضرورة. والربا مُحرّم تحريم مقاصدٍ، فلا يحلّ إلا للضرورة، كما بيّنا في الفقرة السابقة.وقد حاول بعض الفقهاء تخريج أنّ الربا محرّمٌ تحريم وسائلً لأنه ذريعة إلى ضياع المال والجهد، فهو وسيلة لأمرٍ حرام، لكنّ هذا لم يتم لهم على أيّ من المذاهب، لأنّ النصّ قد قطع التحريم دون ربطه بأيّ ذريعةٍ أو سببٍ إلا التفرقة بين البيع والربا "وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰا۟". كما أنّ من قال بهذا قصر ذلك على ربا البيع، لا الدين، وجعل ربا الدين، الذي نحن بصدده، محرم تحريم مقاصد، فوقع الإجماع على ذلك.
فلا محلّ إذن لخلاف في تفسير هذه الأمر، ومن تصدّى، ممن يَنسب نفسه للعلم، في هذا الأمر وقال إنه من باب المصاريف الإدارية، وصرح بذلك على صفحات الجرائد، فعليه أن يعود إلى دراسة الفقه في أحد المعاهد الأزهرية مجدداً.