الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين قامت الثورة في مصر، قرر المجلس العسكريّ ان يقضى عليها، واختار أخسّ طريقٍ لهذا الغرض، وهو نشر الفوضى في كل أنحاء مصر، وكل مجالات حياتها.
راح العسكر الملاحدة يوهموا الناس بقداسة القانون، وسطوته، وأنه هو ما كنا نفتقده في عصر مبارك. ثم انشأوا كِيانات قضائية مرتشية عميلة، يقوم عليها نفرٌ يُعدّ على أصابع اليد الاحدة، في العليا للتزوير وفي المحكمة اللادستورية العليا. ثم راحوا يشغلون الناس بوهم الإنتخابات البرلمانية، ستة أشهر، ثم قاموا بحل البرلمان!، ثم راحوا يشغلون الناس بوهم انتخابات الرئاسة، ثم سلّموها ليد مرسى "جلد على عظم"، ليس فيها من صفات الرئاسة إلا اسمها. ثم راحوا يشغلون الناس بكتابة الدستور، ثم أسقطوا اللجنة الأولى، وهم على وشك حلّ الثانية! ليعين العسكر أعضاء اللجنة ليكون دستورا يحفظ لهم السيطرة على ثروات مصر، وسياساتها إلى الأبد، ويجعل مؤسسة الرئاسة أراجوزاً في أيديهم إلى ما شاء الله، كلّ ذلك بطريق القانون المزيف، الذي استكانت له قوى المجتمع كافتها.
ونظرية الفوضى تقوم على إبراز الشئ ونقيضه، فيتصارعا، دون أن يكون هناك حدّ للصراع، أو قواعد لإنهائه.
فالفوضى التي تسود اليوم في مصر هي فوضى مقصودة، تظهر في كل جانب من جوانب الحياة، تقصد إلى هدمها وتكريس دولة بلا قانون ولا سلطة حقيقية، يعيش فيها الناس كأنهم في "زريبة بهائم"، يتصايحون ويتضاربون، باحثين عن خشاش الأرض قوتاّ، إن وجدوه.
الفوضى الأمنية التي تطغى على الشارع، والتي تتمثل في انسحاب الشرطة، وإطلاق كلاب البلطجية على الناس، والحرائق التي تشتعل هنا وهناك.
الفوضى السياسية، والتي تتمثل في وجود رئاسة دون صلاحية. رئيس لا يمكنه أن يعين حكومته حسبما يرى. عام ونصف بلا برلمان. رئيسٌ يسبّه كلاب الإعلاميين جهاراً نهاراً، ويعلنون عدم ولائهم له! بل ويطالبون بمحاكمته.
الفوضى القانونية، التي تدل عليها تلك الحِوارات التي لا تكاد تنتهى على شاشات التلفاز، عن تلك المحاكم الدستورية، والنقض والإدارية، وغيرها. ترى "فقهاء دستوريين" يتحاورون، كلّ يناصر رأياً، ثم بعد ساعتين من الحوار، يخرج المستمع دن أن يدرى ما القضية ولا إلى أي نهاية انتهى الحوار! فوضى توحى للمواطن أنه يعيش في دوامة يود لو يخرج منها بأيّ ثمن.
بل إنّ تلك المنظومة الفوضوية قد شملت، عمداً، أولئك المخلصين من الإسلاميين، فترى الشيخ حازم أبو اسماعيل يعتصم في التحرير، فيعتصم مهرجوا عكاشة في مدينة نصر. ثم ترى من كانوا رموزا في يوم من الأيام، سقطوا ، وكان لسقوطهم خلخلة نفسية رهيبة لدى الكثير من أتباعهم، وها نحن نرى المدعو ياسر برهاميّ يحتضن أنبا صليبيّ في طريقهما للجنة تشريع الكفر التأسيسية!
ثم ترى مسرح الفيسبوك قد امتلأ بشتى أنواع المتناقضات، من يسب العسكر ومن يدافع عنهم، منهم من يسب مرسى، ومنهم من يدافع عنه، منهم من يكفر الدنيا بأجمعها، ومنهم من يرى أن الإخوان هم سيوف الحق في الأرض!
يجب أن يكون معلوماً أنّ هامش الحرية المتروك للناس عامة، ومن ضمنهم الإسلاميون، هو من أركان هذه الفوضى ذاتها، إذ دون صراع الأبيض والأسودن لا تتكرس الفوضى. ومخطئ من ظنّ أن انتخاب مرسى هو ما أتاح للإسلاميين هذا الهامش من الحرية بل الحق أنّ مروجى هذه المنظومة الفوضوية هم من يتركون هذا الهامش عمداً لنكون جزءاً من هذه الفوضى الممنهجة، دون أن نعىَ ذلك. ومن ثم، فإنني أحسب أن هذا الهامش من الحرية، هو أوسع بكثيرٍ مما يحسب الإسلاميون.
النتيجة التي قد تترتب على هذه الفوضى الممنهجة هي إحدى اثنتين، أولهما، أن تنتهى بإقالة مرسى وسيطرة العسكر بحاكم عسكري جديد، بعد أن تؤتي الفوضى ثمارها، وتنهدم أركان الدولة، وتسقط مؤسساتها.
والثانية، أن تظل الفوضى هي السمت النهائي لدولة مصر، وهو الأرجح، إذ إن هذا في صالح كل الأطراف المعادية للإسلام، سواءً أمريكا، أو الصليبيين القبط أو الفلول. وهذه الفرضية تتمشى مع السياسة الأمريكية في المنطقة، والتي تستدعى تمزيق الدول المحورية كالعراق ومصر، وإلقائها في غياهب الفوضى والتمزق.
علينا إذن، نحن الإسلاميون أن نتفهم طبيعة المؤامرة التي تحاك من حولنا، وما يراد بمصر، حتى تكون حركتنا ملائمة ومكافئة للمؤامرة، بحيث تتمكن الحركة الإسلامية من استخدام هذا القدر المشاع من الفوضى في صالح دعوتها.