فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      قرار محمد مرسى .. ومواجهة العسكر

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أحدث القرار الذي أصدره محمد مرسى بشأن إعادة البرلمان إلى الإنعِقاد، مُسقِطاً بذلك قرار المجلس العَسكريّ الغاصب بحلّه، أصداءً واسعة، في كافة أنحاء البلاد خارجها.

      ولاشك أنّ ظاهر القرار، سياسياً، ضَربة شديدة في محلها لسطوة العسكر وتهديد صريحٌ لإغتصابهم السلطة بالقهر والبلطجة. وهو، بالمقاييس الديموقراطية السائدة في العالم اليوم، والتي يعمل من خلالها الصرح السياسيّ المصريّ، خلافاً لدين الله، استعادة لجزء من الصلاحيات المغصوبة من مؤسسة الرئاسة. لكن ما يهمنا هنا هو تداعيات القَرار، وما أثاره من خَبثٍ وما كَشَف عنه من بلاءٍ، لم يَستتر به النظام العَسكريّ الفاسق الباغي.

      لقد أضاع الإخوان، والسلفيون، وكافة البرلمانيين، فرصاً تاريخية للقضاء على الحكم العسكريّ، بسلوكهم الوسيلة الديموقراطية، وبصفقاتهم الخاسرة مع العسكر، فرصا لا تحصى لنزع البلاد من تحت سيطرة هذه المجموعة الغاصبة السارقة. ومن ثم، فإن أيّ جهد الآن لإستعادة جزء من السلطة المغصوبة، هو تكفيرٌ عن خطأ فاحش وسذاجة سياسية مسبقة، ليس إلا.

      والمؤشرات التي ترد من خلال الأخبار المتاحة، وقراءة الموقف في ظلّ معطيات الماضى، لا ترجح أي من السيناريوهات الممكنة لهذا القرار الذي حدث، سيناريو المصادمة، وسيناريو الصفقة وسيناريو الصدق.

      أما عن سيناريو المصادمة، فهو أفضل من حيث أنه يحجّم المجلس العسكريّ، ويُخلخِل القواعد الثابتة التي أرساها تحت قدميه في الإعلان اللادستوري الغاصب. وهو، من ثم، يعيد للشعب بعض كرامته، ويتيح للإسلاميين فرصة أطول ومجالاً أرحب للدعوة والبيان. كما أنه يعدّ العدة للخلاص من ربقة الإحتلال العسكريّ، وهي خطوة للإمام بكل المقاييس. إلا أنّه يجب الإتباه هنا إلى أنّ هذا السيناريو يحمل في طياته نوع من الصفقة الخفية بين مرسى وبين أمريكا، إذ يصعب على مرسى، وعلى السياسة الإخوانية بعامة في هذا الصَدد، أن تقوم بأية مواجهة دون أن تُعوّل على قوة أخرى مساندة لها. فالإخوان لا يتحركون بدون عقد صفقاتٍ إبتداءً. وهذا، إن صحّ، يمثل انتكاسة للتوجه الإسلاميّ بعامة، ولعل أحد تداعياته هو وقوف الإخوان في اللجنة التأسيسية ضد تطبيق الشريعة، وصرارهم على استمرار المادة الثانية الجوفاء منا هي دون تبديل.

      أما عن السيناريو الثاني، وهو يتضمن عقد صفقة بين العسكريّ ومحمد مرسى، يضمن بها مرسى ظهوره كمن يقف في وجه العسكر، إذ هو الأساس الذي انتخبه الشعب عليه، ويضمن مرسى لهم بها عدم المساس بمصادرهم المغتصبة وأوضاعهم العسكرية داخل المؤسسة. ومحمد مرسى يعلم علم اليقين أن الشعب متربصٌ به، يريد أن يرى رئيسه يتصدى للعسكر بأيّ شكل كان، وأن عدم وفاءه بهذه الجزئية فيه دمار أكيد لسمعته، ثم لرياسته. والعسكر لم يخسر كثيراً في هذه الحركة الرمزية التي دخل بها النواب مبنى البرلمان دقائق معدودة، ثم انفضوا إلى غير موعد لقاء!

      هذان الإحتمالان هما وجه لعملة واحدة، تتمثل حقيقة في التصرف الإخوانيّ في مواجهة الأزمات. وهو صفقات الكواليس السياسية، وممارسة الألاعيب التي غالباً ما تعود عليهم وعلى الشعب بالوبال. 

      أما عن السيناريو الثالث، وهو الذي يفترض أنّ محمد مرسى قد قرر مواجهة العسكر، دون عونٍ من الخَارج، إعتماداً على قوى الشَعب المؤيدة له، واستعداد الناس أن يُواجهوا العسكر بأنفسهم، فإنه أفضل هذه الإحتمالات الثلاثة، وإن كان أقلها رصيداً في الإمكانية، لما عرفناه من قبل عن النهج الإخوانيّ. ولو ان حازم أبو اسماعيل هو من اتخذ هذا القرار من موقع مرسى، لما ترددنا في إثبات هذا السيناريو، لما نعلمه عن نهج الرجل وتاريخه وأسلوبه.

      المواجهة بين العسكر والشعب أمرٌ يظهر أنه مقدور الوقوع، سواءً تعجل به محمد مرسى، أم كان على العكس من ذلك، عامل تهدئة وإرجاء. فإن العسكر، قد تجاوزوا كلذ حدٍ فيما فرضوه على الشعب من وصاية تتجاوز وصاية الإحتلال الأجنبيّ، ومن غصبٍ للحقوق، وسرقة للثروات، وإهدار للكرامة، غير مسبوق في تاريخ مصر.

      مرة أخرى، يجد الإسلاميون أنفسهم، ينتظرون تأويل ما يحدث، إما خيراً فخير، أو شراً فشر.