فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الشّذوذ السياسيّ .. والسقوط الثاني!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الظاهرُ أن المسلمين في مصر، أو بالأصح من ينتمون منهم للإتجاهات الإسلامية، قد رضوا عمّا يدور على الساحة السياسية المصرية اليوم من شذوذ في الفكر والعمل السياسيّ جميعاً، مما لا أجد له وصفاً أدق من الكلمة العامية "العَكّ" السياسيّ، المقصود به التخريب الدينيّ.

      مصرُ اليوم تتجه إلى إفراز شكلٍ جديد من السياسة، لا عهد للعمل السياسيّ العالميّ به، لا إسلامياً ولا غربياً كُفرياً. مصر، أرض العجائب، قد بدأت في تشكيل منظومة رئاسية، تتبعها حكومة تنفيذية، دون هَيكلٍ تشريعيّ، لا تقوم كلها على ما تعارفت عليه النظم العالمية، التي يُفترض أننا كنا نطالب بالسير علي منهاجها وتطبيق تصوراتها، هرباً من الإسلام وعَشيرته وشَريعته.

      الرئيس، في أيّ دولة من دول العالم "الديموقراطيّ" في نماذج "الدولة الحديثة"، التي يريدها اللادينيون، ويوافقهم عليها الإخوان والدعوة السلفية، هو الذى ينصّب نائبه، ويختاره دون قيدٍ أو شرطٍ، من داخل حزبه، لا من خارجه.

      الرئيس، في أيّ دولة من دول العالم "الديموقراطيّ" في نماذج "الدولة الحديثة"، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو من يأمر بقرارات السلم والحرب، دون مُعارضٍ. واسمع للصليبي كارتر يقول "كرئيس، كنت القائد الأعلى لجميع القوات المسلحة – الجيش، البحرية، القوات الجوية، المارينز وحرس السواحل، كان يتعين عليهم تنفيذ ما أقرره، هكذا لابد أن تكون النظم في المجتمعات الديمقراطية، ونتمنى أن تكون كذلك في مصر." الوفد - كارتر: "العسكرى" خرق التزامه بنقل السلطة

      الرئيس، في أيّ دولة من دول العالم "الديموقراطيّ" في نماذج "الدولة الحديثة"، يعين رئيس وأفراد حكومته من داخل حزبه، ليمكن أن يعمل الجميع بأيديولوجية واحدة، تهدف إلى تحقيق برنامج نهضةٍ، ينبعُ من تلك الأيديولوجية، دون إخلال أو إختلاف.

      الرئيس المصريّ اليوم، لا يُسيطر على القرار في أهم القطاعات، الدفاع والداخلية والمالية والإعلام. وهذه هي القطاعات السّيادية الكبرى التي يقوم عليها النظام، أيّ نظام.

      الرئيس المصريّ اليوم، يقف إلى جانبه رئيس المَجلس العَسكريّ، الذي سَرق السّلطة التشريعية من البرلمان بحلّه، بغض النظر عن تلك التحية العسكرية الرمزية السخيفة التي قدمها الطنطاوى لمحمد مرسي، والتي تذكّرنا بتحية الفنجريّ في أول الثورة، والتي أدّاها للثوار، ثم راح يقتل منهم أكثر مما قَتل! فالمرسى، من ثمّ، ليس رئيساً أعلى للقوات المسلحة، ولا تخضع له هذه القوات، بأي شكل من الأشكال!

      الرئيس المصريّ اليوم، تفرض عليه المُعارضة نُواباّ لهم صِفات محددة، لم نرها في أيّ دولة. فالأقباط يصرّحون بأنّ النائب القبطيّ يجب أن يكون له صَلاحيات رئاسية كاملة. وهذا يكرّس ما سبق أن قلناه من صراع السلطات بين القوى المتناحرة في مصر اليوم.

      الرئيس المصريّ اليوم، تختار له المعارضة رئيس حكومة من الأقلية اللادينيّة، يكون نداً له، فيكون الأمر في حقيقته مجلساً رئاسياً ثلاثياً، غير متساوى الطراف، الأضعف فيه هو الرئيس المصريَ.

      الرئيس المصريّ اليوم، بإختصار، هو سكرتير يجرى بالأوراق بين الرئيس الحقيقيّ، طنطاوى، وبين رئيس الوزراء العلمانيّ المستقل. هذا هو موقع محمد مرسى من الإعراب، لحين عزله.

      هذا الشذوذ السياسيّ الذي نراه على أرض الساحة، يجعلنا نتساءل عن مدى جدوى محمد مرسى في منصبه هذا. بل إننا نقرر أن هذا "التهريج السياسيّ" الذي ألقى المجلس العسكري بالبلاد فيه، هو تكرار لمشهد انتخاب البرلمان، معدوم الصلاحيات. وموافقة الإخوان عليه هي تكرارٌ لمأساة "كامب سليمان"، التي وصلوا بها لبرلمانٍ حَله العسكر في أربعة أشهر.

      لقد انسحب الإخوان من الميدان، وتركوا معتصمين هناك يقومون عنهم بمضايقة السلطة الحقيقية، العسكر، ويتعرضون وحدهم لقوى الأمن الكافرة، الخاضعة للعسكر، لا لمرسى. هذه هي طبيعة الإخوان. وانخدع من ظن أنها تتغير.

      إن الإعتصام اليوم، عد أن لم يعد فيه زَخَمٌ ولا ضغط، بل على العكس، أصبح يناقض الأجندة الإخوانية الجديدة التى تقوم على القبول بالدون، والرضا بالفتات، والسكوت على التحقير والمهانة، أنهوه ونبذوه، وكأن الإعلان اللادستوري قد ألغي بالفعل!

      وقد صَدر بيانٌ من رئاسة الجمهورية، فرع محمد مرسى، بأنه لم يقصِد عودة البرلمان المُنحل في خطبته العَصماء، التي دَغْدَغ فيها مشاعر العامة من الناس. نعم، هذه هي حقيقة ما يحاوله محمد مرسى اليوم، مناورة الشعب المسكين الذي سانده، والركوع أمام الطنطاوى، من وراء الكواليس. ونحن وإن كنا لا نرى للبرلمان المُنحلّ شَرعية أساساً، لكن هذا الموقف هو رمز التبعية الإخوانية، يتكرر مرة أخرى، فى السقطة الثانية على حلبة الصراع، ولعلها القاضية!