فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الصراع الإسلاميّ .. في مرحلة الترَقّب

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لاشك أن الأيام الحالية التي تعيشها مصر، هي أيام حاسمة في العديد من المجالات، وعلى الكثير من المستويات، خاصة بعد أن نجحت ثورة الشعب في توجيه ضربة شديدة للمجلس العسكري الغاصب للسلطة، بأن أسقطت خطته اللئيمة الخاسئة لإنجاح أحمد شفيق، ومن ثم السيطرة التامة والنهائية على الساحة السياسية، بل والإقتصادية والإجتماعية في مصر، وإدخالها في نفق مُظلمٍ لا يعلم غوره إلا الله سبحانه.

      وقد سبق أن ذكرنا أنّ الوسائل الديموقراطية التي أوهمت العلمانية الليبرالية العسكرية جموع الشعب المصري، بماكينة إعلامها الشيطانية، وبمساعدة المخدوعين من مشايخ الحركة الإسلامية الرسمية، أنّ إتمام التغيير المطلوب لا يمكن إلا من خلال آلياتها، هي ليست من دين الله في شئ، لا عقديا ولا عملياً. ذلك أنّ هذه القوى الشيطانية قد رَسَمت مُسبقاً محطاتِ وصول محدّدة لقطارات الناخبين، لا يمكن لهم، إن ارتضوها وسيلة للوصول إلى هدفهم، أن يصلوا اليه، لأنها تسير على سبلٍ قد رُسِمت بليل، وتتوجه بهم وبمصر إلى نهايات وأهداف لا علاقة لها بما يقصد اليه جمعُ الراكبين. قد رأينا هذا في حلّ مجلس الشعب بعد إنتخابه، وتعطيل صلاحيات الرئيس وفرض اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور على هوى العسكر. وما وقف في وجه هذه المحاولات إلا الثورة الشعبية الثانية، لا الصناديق التي كادت أن تخون أهل مصر مرة أخرى. ولهذا أتى تحريم هذه الوسائل، التى علم الله أنها لن تأتي بصالح البلاد والعباد.

      ولكن قَدَر الله جارٍ في عباده. وقد كان ربنا أرحمُ بنا من أن يتمّ للعسكر ما يريد بإنتخاب شَفيق، المُجرم القاتل. وأدّت الثورة الثانية جزءاً من دورها، حتى الآن، وإن كانت لم تبلغ بنا بر الأمان بعد.

      من هنا، فإننا قد عبّرنا عن موقفنا مما يجرى اليوم على الساحة فيما يلي:

      1. أنّ إعتلاء مرسى لكرسيّ الرئاسة أفضل كثيرا من أن كان يعتليه أحمد شفيق، بما لا تصحّ فيه المُقارنة إبتداءً، هو أمرٌ لا يجادل فيه عاقلان.
      2. أن الوسيلة التي جاء بها أمر الله الشَرعيّ هي الثورة حتى إسقاط العسكر جملة وتفصيلاً، ومن ثم إعلان دولة لا إله إلا الله، كاملة غير منقوصة الأطراف أو منزوعة الصلاحيات، وانتخاب رئيسها بآلياتٍ شرعية تضمن الإستمرارية الشرعية له ولحكومته، التي تمثل الأغلبية الشعبية إبتداءً.
      3. أنه على الرغم من أنّ هذا الإعتلاء قد جاء بوسيلة غير مشروعة، إلا أنه من قبيل قدر الله الكونيّ، الذي يحمل نفعاً وضَراً، ومن ثمّ فلا بأس بالمسلمين أن يفرحوا به، وأن يستفيدوا مما قد يأتي به من خير هو من قدر الله الكونيّ، كما يجرى به في خلقه. ومن ذلك فسحة في الدعوة وبعض أمان مؤقت، هو أفضل بكثير من الوضع الذي أراد العسكر ان يبتلونا به.

       وبناءً على هذه المعطيات الحالية، وما ينتظره المسلمون مما سيأتي به الرئيس الجديد، سواءً من نوابٍ أو حكومة أو تشكيلٍ دستورىّ، فإن المسلمين سيحددون موقفهم في المرحلة القادمة، مما يدور على الساحة السياسية والواقعية.

      الثابتُ حالياً أنّ محمد مرسي، وإن بدت منه بوادر طيبة بالقياس إلى سابقيه، كالتزامه الصلاة، وتواضعه، وعدم تكالبه على المُخَصّصات الجمهورية، وإقترابه من الشعب أصلاً وعملاً، إلا أنّ أمر دولة لا إله إلا الله أكبر من هذه الأمور الشكلية أو الشخصية. أمر دولة لا إله إلا الله يتعلق بوضع العقد الإجتماعيّ قبل كل شئ، سواءً إختيار نواب الرئيس، أوشكل الحكومة وما إلى ذلك من الأمور التنفيذية.

      والدستور هو صيغة العقد الإجتماعيّ التي يتحدد بها مصدر السلطات الحقيقيّ في الدولة والمجتمع. ومن هذه الصيغة سيتحدد شكل الصراع القادم بين القوى الليبرالية اللادينية، وبين القوى الإسلامية السنية. ويخرج من هذا الصراع، بطبيعة الحال، القوى الإسلامية الشكلية، كالإخوان وممثلي السلفية المنزلية المروّضة، الذين ارتضوا الإطار الشّكلي لدين الله، كما ينعكس في المادة الثانية، التي ارتضوها جميعاً بما فيهم القوى القبطية، من حيث إنها مُفرغة من معناها ومحتواها.، كما تتذبذب القوى العسكرية الغاصبة للسلطة، من حيث إنها تشترك مع القوى الليبرالية اللادينية في شكل الدستور العلمانيّ، ومن حيث إنها تسعى لسلطات حقيقية أعلى من الدستور ذاته، لتستمر في الحكم بشكلٍ فعليّ.

      تقف القوى الإسلامية السنية إذن، في هذا المشهد، تترقب وتنتظر، وتتوجّس من القادم، بناءً على ما رأته مما سبق. الأمر بالنسبة لهذه القوى واضح جليّ صريح. العقد الإجتماعيّ يجب أن يكون مبنياً على الطاعة المطلقة لله، في كل جزئية من جزئيات الحياة، فالقرآن هو المصدر الوحيد للسلطات، وبناءً على مبادئه وأحكامه تقوم كل القوانين، الدستورية أو تحت الدستورية. وتتشكل الحكومات، وتتحدد القرارات والصلاحيات بناءً على هذا التصوّر العام، بلا حيدة ولا إنحراف. وغير ذلك يستدعى استمرار الدعوة اليه، والعمل عليه، والثورة في سبيله، دون هوادة أو تخاذل.

      ونحن نوقن بأن هذا التصور، تصور دولة "لا إله إلا الله"، لا يزال بعيداً كلّ البعد عن أرض الواقع، إذ إن القوى الإسلامية التي تقف اليوم على منصة السلطة، وتتنافس عليها مع العسكر، لا ترى بهذا المنظار ولا تقدّر هذا التقدير. ومن هنا فإننا يجب أنْ نكون على حذر في تقبّل ما تأتي به مؤسسة الرئاسة، من ناحية، إذ نحن نؤمن أنها قد أُسّست على باطل، وأنّ قبولها الحاليّ المَشروط هو من باب القدر الكونيّ، عقدياً، ومن باب ما قالته المالكية والأحناف في باب بطلان العقود الرّبوية مع تصحيح بعض آثارها، فقهياً. ثم الإستمرار في الدعوة إلى دولة لا إله إلا الله، دون تخاذل ولا تباطئ، ودون تنازل ولا تردد.