فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      التقصير في حقّ الله سبحانه .. وأثره في واقع الأمة

      عَزَفَتْ النفس عن الحديثِ في السياسة وتوابعها، ونَفَرَتْ من ترديد النظر فيما يُحزِن ويَغُمّ من تأويلاتٍ باطلة وتحويراتٍ مغرضة لكلام الله ورسوله، فَنَظَرتْ، فإذا السبب الرئيس في هذا الواقع الذي نعيشه هو التقصير والتهاون في حق الله سبحانه علينا، على العبيد.

       واحَزَناه، لقد قَصّرت الأمة، كلّ الأمة، بكل طوائفها، في حقّ خالقها سبحانه، وباعت الأمانة التي أدّاها اليها سَيدها وسَيد الخلق، محمداً صلى الله عليه وسلم، وأضاعت الترِكة التي ورثتها من خير جيل عرفته البشرية، جيلُ صَحابة رَسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تكَالبتْ على كلّ ما يُغضِب الله سبحانه تفعله غير عابئة، وكلّ ما يرضى الله، تتركه غير عابئة!

      قصّر كثير من الناسُ في حقِ الله سبحانه فلم يتخذوه إلهاً حَاكماً كما إعْترفوا به رباًّ خالقاً رازقاً. إقتصروا على ترديد مُفردات تُوهِم وتُريح، كالحمدُ لله وإن شاءَ الله، وكأنّ هذه الكلمات هي كلّ ما طَلب الله من عباده، وكأن تَنحِية شَرع الله تُغنى عنها هذه الكلمات، رغم ثقلها.

       قصّر كثير من الدعاةُ إلى الله في توجيه الدعوة في مسارها للحقّ، فلم يسيروا فيها سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يلتزموا بشرح التوحيد والتأكيد عليه، وبيان أن خدشَه يُسقطُ المسلم في شَرَكَ الشِرْك، فقجموا المهم على الأهم ، وأتوا بالآخر قبل الأول، وخلطوا الأولويات، وسمحوا لرويبضات الدعاة الجدد أن يبرزوا إلى سطح الدعوة فيلوّثوا رائقها، وينجّسوا طَاهرها، كما أشاع كبيرهم عمرو خالد مؤخراً أنّ الرافضة هم علماء السنة الحق، وأنّ أهل البيت هم الإئمة قبل أئمة السنة، والدليل تتلْمُذِ أبو حنيفة على جعفر الصادق، إمام الشيعة - على زعمه، وهذا والله خبال ما بعده خبال، ولا أرى إلا أن يُجلد هذا الدّعيّ على ما يقول. ورحِم الله مُحمد الغزاليّ وعبد الحميد كشك، وغيرهم من أئمة الدعاة، وبارك في أعمار من هم على دربهم.

       قصّر كثير من العلماءُ في واجب قيادة الأمة عبر هذه الدرب المظلمة والليالي الحالكة إلى برّ السنة الآمن، فسوّوا بين مسلم وكافر، وبين سنيّ ورافض، وداهنوا الحاكم وتعاونوا مع الكنائس بإسم الجماعة الوطنية، التي لا تحمل إلا تنازلاً عن أرض الإسلام، لصالح أقلية مُشركة. وقصروا في الوقوف في وجه الحاكم بغير ما أنزل الله، المشرعُ بما لم ينزل الله به سلطاناً، المنتزع لألوهية الله على عباده، فمنهم من شايعه، كمفتى الصوفية النكرة على جمعه، ومنهم من أفتى بما يعينه على جرائمه ضد الإسلام، كمروجى المواطنة، والوسطية الزائفة، والتجديد المُحَرّف. رحم الله سيد قطب والمودودى والندوى والشنقيطيّ وأحمد ومحمود شاكر ومحمد محمد حسين، وأمثالهم من الأجلّة الأعلام، وبارك في أعمار من هم على دربهم.

      قصّر كثير من الإعلاميين، ومنهم الإسلاميين، في واجب إظهار الحق ونشره، وإزهاق الباطل وكتمه، فخلطوا وخلّطوا، ونشروا سَمْنَا وسُمّا، وإدعوا بذلك الوسطية والتنوع، ومراعاة الخلاف!، جهلا أو قصداً، فما رعوا حق الله فيما ينشرون، ولمن ينشرون، ووقفوا إلى جانب الباطل كما وقفوا إلى جانب الحق، وهيهات أن يستويان.

       قصّر كثير من المسلمين في صلاتهم، فتركها الكثير منهم، إلا خاصة من عَصَمَ الله، ومن أدّاها أداها منقوصة أو مُضيعة، لا تؤدى لوقتها ولا تراعى حرماتها.

       قصّر كثير من الناس في أخلاقهم، فغشوا وكذبوا وماطلوا وانتهزوا، وركضوا وراء دنياهم، وأهملوا آخرتهم، واستعملوا الفاحش من القول، وركنوا إلى مشاهدة أخسّ البشر على شّاشات التلفاز، يدعون إلى الفسق والعهر ليل نهار، وأصبحت "الشطارة" و"الفهلوة"، بديلا عن "العفة" و"الإستقامة"، هي مؤهلات النجاح والغنى.

       قصر كثير الناس في حفظ أعراضهم فسمحوا لنِسائهم وبناتهم بالعري والخلاعة تحت مُسمى التقدم والتحرر وحرية المرأة، ولهثوا وراء الموضة، وإتخذوا من الساقطة المِثلية التي يسمونها "الجريئة"، مثالاً، بدلا من أن ينكّلوا بها بالأحذية جزاءاً وفاقاً.

       فكان أن أصابنا الله سبحانه ببعض ذنوبنا، وضربنا بفتن لم تصب الذين ظلموا منا خاصة، فأبدلنا في أحوالنا فقراً وذلاً وضعفاً وهواناً وتفريقاً وتأخراً، وسلّط علينا أخسَّ البشر يتحكّمون في أموالنا وأعراضنا وأبشارنا، ويذقوننا من الهوان ما لا يرضاه صاحب كرامة على نفسه طرفة عين.

       اللهم ارفع مَقتك وغَضَبكَ عنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاءُ منا، وأشْهد أنّا برآء مما يقول هؤلاء المداهنون، وما يكتبون وما يدّعون، فعليك بهم، وبأعدائك. اللهم إنك فوقنا وفوقهم قاهر، وعلينا وعليهم قادر، فإغفر ضعفنا وَأجبُر كَسرنا وأكمل نقصَنا، ولا تدع المشركين والعلمانيين والقبط المثلّثين فوقنا قاهرين، ولعبادك مستذِلين. وصلى اللهم على سيد الخلق محمداً وآله.

       www.tariqabdelhaleem.com